في كل عام يأتي ذلك الشهر الكريم ونحن نترقبه بنوع من الرهبة والفرحة وكذلك التمني بأن نكون علي قدر جلاله وعظمته ومكانته لكن المؤسف أن المجتمع الان قد صار مجتمعاً استهلاكياً مظهرياً فلا نري من ذلك الشهر سوي المشتريات والمكسرات وأنواع السمن ووسائل التنظيف وأيضاً مناسك مظهرية وعبادات شكلية وتسابق للخير في شنط رمضان وكرتونة الخير وألوان وأشكال من الاستعداد الشكلي لهذا الشهر في الخيم الرمضانية والشيشة وسهرات السحور وكوكبة الفنانين علي شاشات التليفزيون والفضاء ما بين مقدمي برامج تافهة أو مسابقات ساذجة أو إعلانات أو ضيوف دائمين علي كراسي البرامج المحلية والفضائية والأكثر من هذا شخوصاً متعددة ومتنوعة في جميع المسلسلات والتي وصلت إلي حد اغراق سوق المشاهدة بهؤلاء الفنانين ولكأن رمضان لن يصح صومه ودعاؤه إلا إذا حضر هؤلاء الكرام جنباً إلي جنب مع رجال الدين والفتاوي والمواعظ والحكم الربانية وأساطير الأولين فكلاهما النجوم والدعاة هما حجرا الزاوية في طقوس رمضان. ذلك غير الصلوات والمساجد والاختناق المروري النهاري والليلي بدعوي التطهر والتعبد والورع والتقرب إلي الله.. ومع كل هذا فإن مصر وصلت إلي أعلي نسبة في الفساد الإداري وأعلي معدل جرائم مجتمعية غير نمطية أو تقليدية بتقرير من الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والدليل علي هذا أن معظم الأعمال الفنية سواء سينما أو دراما تليفزيونية لا تقدم سوي الفساد ورجال المال والبلطجة والمخدرات والسلاح ولكأن هذه هي مصر الحديثة كما يصورها الفن المعاصر، إذاً أين رمضان منا؟ وأين أخلاق الدين الصحيح فبدلاً من الحديث عن الفن والبر والتقوي والعبادات لماذا لا نقف جميعاً أمام أنفسنا في محاسبة صحية وأخلاقية لسلوكنا اليومي والذي اعتدنا علي سيئاته حتي تغاضينا عن كل ما نري بدعوي أنه ليس من الممكن إصلاح الكون وكل منا يقول وإنا ها أقدر أعمل إيه لوحدي؟ فلنبدأ بأنفسنا ونري هل ينظف صاحب المحل دكانه ويلقي بالقمامة إلي الشارع، وهل يجدد المرء منزله وحمامه وينسقه وإذا بالطوب والردش علي الأرصفة، وكل رجل يدخل مسجداً لأداء صلاة التراويح ويسد الطرق والمنافذ وتصبح عربته سداً منيعاً في وجه العربات الأخري فتحدث حالة ارتباك مروري وصراعات ومشادات بعد الانتهاء من الصلاة التي تسمي تراويح أي أنها تروح عن النفس وتنقي السريرة وتجلي البصيرة لما فيه صالح الفرد والمجتمع، وهل مع كل شنط الخير والتقوي يضع التاجر سلعاً صحية وسليمة وبكميات حقيقية ولا يطفف في المكيال والميزان لانها تذهب في يد الله، وهل من يعدون تلك الحقائب الخيرية، يدفعون زكاتهم كاملة وضرائبهم تامة ويتحايلون علي المولي بهذه الصدقات الظاهرة بينما يحتكرون السلع ويغشون المنتج ويتهربون من الجمارك ويرتشون ويرشون الآخر لكنهم ساعة المظاهر الدينية يتسابقون ليظهروا بصورة أخري. كذلك في الشارع المصري هل يطبق رجل المرور القانون بحيادية وجديه أم أن يترك عربات الميكروباص والكارو والعربات النقل المحملة بالطوب والزلط وأسياخ الحديد تسير نهاراً جهاراً في الشوارع الرئيسية وعلي الكباري والطرق المسما سريعة وهي وسط المباني والعشش والتجمعات السكانية، ويغض رجل المرور الطرف أم يقبل صدقة أو تهديداً أو وعيداً فإذا بالحوادث وإذا بالموت كل صباح ومساء علي اسفلت الطريق ولكأن ارواحنا رخيصة علي المسئولين وعلي من بيدهم الأمر مع أن أرواحنا كلها غالية، فلو أن هذا الشهر الرمضاني قد حول وغير ما بداخلنا وحسن من سلوكياتنا وجعل كل إنسان يقوم بدوره في الحياة دون أن ينظر إلي مايفعله الآخر لتغيرت الحياة ولكان شهر رمضان حاضراً فعلياً بيننا لأن ما نراه من الشهر هو الاحتفال والمناسك الخارجية والحديث عن الغيبيات أو عن الواقع المظلم غير البرامج والدراما الخانقة الحارقة مع الإعلانات المستفزة المستهلكة، لكن جوهر ومعني الصوم عن المعاصي اليومية وعن إيذاء الآخرين قولاً أو فعلاً أو حتي عملاً ضمنياً فهذا هو المغزي من رمضان، الذي تاه وضاع في زحمة المظاهر والمناسك والفن والمسلسلات ودعاوي الفتوي وخطب الثواب والعقاب أما السلوك ومكارم الأخلاق الحقيقية فهي مجرد شعارات وكلام لا يتعدي طرف اللسان، ويكفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن أنه لن يؤمن أحدكم حتي يأمن جاره بوائقه أي إن الإيمان الحقيقي حين كون في مأمن من طريق أو صديق أو مسئول أو تاجر أو نفس أمارة بالسوء والشر. هذا هو الإيمان الذي نراه في رمضان الذي يجب أن يكون حين يعود إلينا نبلغه ويبلغنا..