عن عالم الضيافة، وتفاصيل ما يجرى فى رحلات بين السماء والأرض، يأتى كتاب «مذكرات مضيف جوى» لمصطفى مختار ليطلعنا على أسرار من عالم الضيافة، وأشهر نجومه، وفى هذه الملاحة الجوية، والسردية استطاع مصطفى مختار تصوير رحلاته على مدى ست وثلاثين سنة، طاف فيها وحلَّق فى معظم بلدان القارات الخمس فيقول: «وصادقتُ فيها الكثير من السحب والنجوم، وداعبت الكثير من الجبال والبحار والمحيطات». صدر الكتاب عن دار يسطرون، عن سلسلة كتاب «طيوف»، ويتتبع الكاتب تاريخ الضيافة الجوية فى العالم، حيث بدأت فكرة الضيافة الجوية فى بادئ الأمر من خلال الطيران الحربى من بدايات القرن العشرين، حيث كان يُستعان بممرضة تُصاحب الجرحى أثناء إجلائهم جويا من أرض المعارك، وقد تطورت الأمور سريعًا لتصبح الضيافة مهنة مدنية أيضًا، ورغم أن أول رحلة قد قام بها مضيف جوى ألمانى عام 1912، إلا أنه سرعان ما استحوذت المرأة على هذا المجال لوقت طويل شرط حصولها على فرقة تمريض وإسعافات أولية بعد ما قامت به من دور فعّال فى اصطحاب الجرحى مع بدايات الحرب العالمية الأولى عام 1914، ثم انضم إلى المهنة المضيفون الرجال وأصبحوا معًا أولئك النجوم الذى يحلّقون بنا بين السماء والأرض. ويضيف مصطفى مختار فيقول: يجب على المضيف الجوى مساعدة الطبيب للقيام بالإسعافات الأولية للراكب المصاب لحين وصول الجهات العلاجية، كما يجب عليه ارتداء معطف رجل المطافئ والتعرف على أنواع النيران، والتعامل مع كل حريق بطريقته الخاصة، وعليه تأمين سلامة الركاب، والتعامل مع عمليات الإخلاء فى حالات الطوارئ سواء برا أو بحرا على ألا يستغرق ذلك أكثر من تسعين ثانية، وعلى المضيف أن يتقن أصول الإتيكيت والإلمام بعالم الأرصاد الجوية، وفى الكتاب طُرف من حكايات السفر والمسافرين، والإقلاع والعودة «لتطبع إطارات الطائرة قبلة على أرض مصر الغالية». وينسب الكاتب فكرة هذا الكتاب إلى شيرين هدايت صاحب الاقتراح، وعندليب الضيافة الجوية، وكل من أسهموا فى هذا الكتاب من مضيفين ومضيفات، كتبوا حكاياتهم، وشيئًا عن طرائف أسفارهم بين البلدان، وفيها كثير من الطرافة والغرابة، وكيفية التعامل مع طلبات المسافرين، فماذا يفعل المضيف لو طلب إليه المسافر عصير قصب مثلًا؟!،.. لا أحد يعرف أن على الطائرة عصارة قصب لكن لا تعمل ذراعها المعدنية إلا بعد الهبوط على الأرض، ولا يعرف بوجود هذه العصارة إلا من لهم علاقة بعالم الضيافة من مضيفين وأسرهم، لذا فقد كان الطلب غريبًا لأنه ارتبط أيضًا بطلب «فخفخينا»، وشاورما وكوارع!! فما كان من رئيس الطاقم إلا أن أشار لمجموعة الركاب الذين طلبوا عصير القصب بالعمل على العصارة وذراعها المعدنية وحتى هبوط الطائرة، ولم تسلْ بين أيديهم قطرة من عصير! ويحكى الكاتب أيضًا مغامرات المضيفين الطريفة، ومنها أن أحدهم دفع غرامة تفاحة هى الأغلى سعرًا، لا ينافسها إلا تفاحة خروج آدم من الجنة، لأن هناك غرامة لمن يحمل مأكولات على الطائرة، ولأن الحَاجّة التى اصطحبت معها وزة بيضاء، وطلبت إيداعها فى ثلاجة الطائرة لم تعرف بوجود إقرار بعدم اصطحاب أى مأكولات، وأن مصير الوزّة البيضاء أن تُصادر كمهملات فى جمارك مطار نيويورك، فقد تعامل أحد المضيفين مع الوزّة وتم إعدادها طهوا لتكون وجبة شهية للحَاجّة وطاقم الضيافة والركاب، حيث وزّة المحب خروف. الكتاب يرسم على شفتيك البسمة، والبهجة عندما تقرأ قطوفًا من مواهب وكتابات المضيفين والمضيفات الذين ينقشون إبداعهم «على قشرة كوكب الأرض»، فتقرأ قصة لمصطفى مختار الذى بدأ الكتابة الأدبية فى الثالثة والستين، وأصدر ست مجموعات قصصية، وقصة محمود الغمرى، ود. مجدى هاشم الذى أصدر مجموعة قصصية وحصل على الدكتوراة فى علوم البيئة، وعادل حسنى الكاتب، والخطاطة والمصور وهناك من نجوم الضيافة فى عالم الغناء: شيرين هدايت الذى يجيد الغناء بأربع لغات، وإسلام طاهر، ومدحت عز، وعمر سلطان، ونسمة محجوب. وفى عالم التمثيل: العديد من نجوم الضيافة أيضًا مثل بسنت النبراوى وخلود عز، ومحمد فوزى وغيرهم. وفى عالم التصوير هناك أسماء لامعة من المضيفين مثل: أحمد حلمى، وياسر الإبراشى وسامح ناجى وغيرهم. وفى الكتاب إطلالة غنية على شعر المضيفين والمضيفات، كتبوها على السحابات، وفوق أديم الغيم، فبدت فى الكتاب كقطرات مطر شفيفة حيث يقول كارم زيدان فى قصيدته «المسافر»: «مسافر ومعى حقيبة بها قليل من المتاع/ الجهة مجهولة/ والمركب منتظرة مفرودة الشراع». أما الشاعرة هالة الفحّام فقد كتبت عن السفر أيضًا وعن «الأمنيات المؤجلة» فى قصيدة تحمل العنوان نفسه: «راحلة بثوبى الجديد/ وعطر إسكادا الثمين/ الذى يسألنى عنك/ هنا من قلبى هذا/ فى عمرى هذا/ بكل غربة السنين الحالمة/ بكل أشواقى البائسة/ أنعى دُرَّة فى القلب/ كانت كامنة/ أنعى شرفات النور/ ستائر الحرير/ سريرى المُرتب/ أنعى كل ما هو مؤجل». ولم ينس مصطفى مختار أولئك الذين تألقوا ووصلوا إلى مراكز القيادة فى هذا المجال مثل هناء صبرى، ومها عبدالخالق، وهالة النادى، وليلى فؤاد، ونيفين درويش التى انتقلت من كابينة الطائرة إلى كابينة القيادة بعد إتمام دراسة الطيران لتصبح أول كابتن فى العصر الحديث بعد كابتن لطفية النادى فى فترة الثلاثينيات. وفى الكتاب أيضًا تخليد لأسماء شهداء الضيافة ومنهم أم الشهداء شادية سلامة، وحنان الحبروك، وهيثم عزازى، وعاطف لطفى، وميرفت زكريا.. ويارا هانى، وفاروق طومان. بين دمعة وابتسامة كتب مصطفى مختار كتابه لنطل معه على نجوم الضيافة الذين كتبوا ونقشوا أحلامهم وكلماتهم بين السماء والأرض، وعلى قشرة هذا الكوكب يخلدون كتاباتهم عاشقة الحياة والسفر.