«كمن يسكب النار على البنزين»، هكذا بدأ الرئيس الأمريكى جو بايدن جولته الآسيوية عندما صرح باستعداد الولاياتالمتحدة للدفاع عن تايوان عسكريًا، فى حال هاجمتها الصين، مضيفًا أن بكين «تلعب بالنار» فى المسألة التايوانية. بل وزاد الأمر سوءا عند رده على ما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستتدخل عسكريًا إذا حاولت الصين السيطرة على الجزيرة بالقوة، «هذا هو التعهد الذى قطعناه على أنفسنا»، مضيفًا «كنا موافقين على سياسة صين واحدة (...) ولكن فكرة أن تؤخذ (تايوان) بالقوة هى بكل بساطة غير ملائمة». بل وأكد تصريحاته أمس مرة أخرى حينما قال إن سياسة واشنطن حيال تايوان والقائمة على «الغموض الاستراتيجى» لم تتغير، بعدما أدلى بتصريحات بشأن استعداد بلاده للدفاع عن الجزيرة فى مواجهة أى غزو صينى اعتُبرت مؤشرًا على وجود تغيّر.
ولدى سؤاله بشأن إن كانت هذه السياسة انتهت، رد بايدن ب»لا». وقال: «لم تتغيّر السياسة أبداً، أعلنت ذلك عندما أدليت بتصريحاتى فى الأمس». وكانت التعليقات الأمريكية الحذرة قد توالت بعد تصريحاته، حيث أكد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، مارك ميلى، أن إرسال قوات أمريكية إلى تايوان، أمر يقرره الرئيس الأمريكى جو بايد، وأنا أرفع توصياتى له ولوزير الدفاع فى هذه الحالة.
للدفاع عن نفسها
وأوضح البيت الأبيض، أمس الأول، أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، عندما تحدث عن الاستعداد للمشاركة العسكرية فى الدفاع عن تايوان، كان يقصد توريد أسلحة لتايوان للدفاع عن نفسها، حسبما ذكرت شبكة إن بى سى.
لا مجال للتهاون
فى المقابل، ردّت وزارة الخارجية الصينية أمس الأول سريعًا على تصريحات بايدن، التى وصفتها صحف أمريكية ب»تغيير نهج سياسى قديم»، وقالت إنه يتعين على الولاياتالمتحدة عدم الدفاع عن استقلال تايوان. وقال وانج وين بين المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية فى إفادة صحفية دورية إنه لا مجال للتهاون أو تقديم تنازلات فى أمور تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها.
استراتيجية فاشلة
وكان وزير خارجية الصين، وانج يى إن، قد قال، الأحد، أن «الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية فى آسيا محكوم عليها بالفشل»، بحسب ما نقلت عنه وكالة شينخوا الصينية الرسمية للأنباء. وقال الوزير الصيني: «ما يسمى باستراتيجية المحيطين الهندى والهادئ التى تعتمدها الولاياتالمتحدة، هى فى جوهرها استراتيجية لإثارة الانقسام والتحريض على المواجهة وتقويض السلام، وبغض النظر عن كيفية تغليفها أو إخفائها، فإنها ستفشل حتما فى النهاية». وشدد وانج على أن الولاياتالمتحدة تعمل على «تشكيل تكتلات صغيرة باسم الحرية والانفتاح»، مشيرا إلى أن هدفها هو «احتواء الصين»، حسبما نقلت «فرانس برس». وأضاف: «إن الأمر الخطير خصوصا هو أن الولاياتالمتحدة تلعب بورقة تايوان وورقة بحر الصين الجنوبى لإحداث فوضى فى المنطقة». وحول تصاعد التوتر بين واشنطنوبكين، وارتفاع حدة نبرة التصريحات بينهما، يقول مهند العزاوى، الخبير العسكرى والاستراتيجى، إن «تصريحات بايدن أحرجت المسئولين الأمريكيين خاصة أن طريقة إدارة الحزب الديمقراطى للسياسة الخارجية، تعتمد استراتيجية الاقتراب غير المباشر عبر ترك الأوضاع والأمور تضطرب وإدارة خيوط لعبتها وتشابكها من بعد، وفى هذا السياق تسعى واشنطن لإشغال الصين وتوريطها ربما بحرب ضدها بالوكالة فى تايوان». مضيفا العزاوى، « إن الصين تسير على حبل مشدود وتنتظر ما ستتمخض عنه نتائج العمليات العسكرية الروسية فى أوكرانيا، وربما يسهم النجاح الروسى فى بسط السيطرة على غالبية إقليم دونباس وصولا إلى ماريوبول وميكولايف وتكليل سيطرتها فى أوديسا، فى دفع الصين للتفكير فى حسم أمرها هى الأخرى وشن عملية عسكرية لاستعادة تايوان كجزء من الصين الواحدة، وهو الأمر الذى تشدد عليه بكين دوما من أنها لن تتنازل عن كون تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها». وفى المقابل يقول العزاوى أن الولاياتالمتحدة اتخذت جملة خطوات تطويقية وتصعيدية حيال الصين، وهو ما تحاول تعزيزه ضمن إطار تحالف كواد الذى يضم لجانبها اليابان وأستراليا والهند، والذى يجتمع الثلاثاء بحضور بايدن، وتعزيز العلاقات مع كوريا الجنوبية والمناورات العسكرية معها فى إطار التصدى لحليفة بكين فى شبه الجزيرة الكورية، بيونج يانج».
مسرح صراع مفتوح
ويضيف العزاوى: «التشكيل الاقتصادى الجديد الذى أعلنت عنه واشنطن من 13 دولة هو محاولة للحد من قدرات الصين الاقتصادية، وهكذا تتواتر المؤشرات التى تفيد إلى أن الجبهة الجديدة ما بعد الصراع الأوكرانى، ستكون منطقة المحيطين الهادئ والهندى كمسرح صراع مفتوح ومتعدد الأدوات بين الصينوالولاياتالمتحدة تحت يافطة موضوع تايوان». فالصين، كما يقول الخبير العسكرى والاستراتيجي: «ترى أن منطقة الإندوباسفيك (المحيطين الهندى والهادئ) وممراتها وطرقها البحرية الاستراتيجية، هى مناطق نفوذها التقليدية ومجالاتها الحيوية الأولى، وأنها بالتالى القوة الرئيسية فيها ولا تقبل بمنازعتها، حتى أنها أسست لأرخبيل بحرى مؤلف من نحو 22 جزيرة اصطناعية، لتعزيز حضورها وانتشارها فى هذه المناطق التى تعتبرها حدائق خلفية لها، علاوة على حشدها القوات وتنظيم المناورات العسكرية.
يقود لتفعيل التحالفات المضادة
من جهته، يقول الكاتب والباحث السياسى، جمال آريز «فى ظل صراعات النفوذ والمصالح والهيمنة بين الكبار، يذهب كالعادة الصغار والضعفاء ضحية أولى، وهنا فإن الدرس الأوكرانى ماثل أمامنا حيث البلاد تكاد تدمر وهى حتى لو توقفت الحرب الآن، فإنها بحاجة لسنوات طويلة ولميزانيات ضخمة كى تستعيد بعض العافية، ويبدو واضحا أن تايوان أيضا ربما تكون أشبه بأوكرانيا ثانية محتملة فى حال استمرار مسلسل التصعيد المتبادل بين واشنطنوبكين على ما نشاهد الآن». ويضيف: «فتفعيل ورقة تحالف كواد الرباعى الأسترالى الهندى اليابانى الأمريكى، أمام الصين سيقود بداهة لتفعيل التحالف الصينى الروسى الكورى الشمالى، وهكذا سنكون غالبا أمام حلقة مفرغة من ردود الأفعال التصعيدية المتبادلة والاصطفافات الحادة، وتاليا تعقيد متزامن ومتضافر للأزمتين الأوكرانية والأخرى التى تعتمل فى منطقة المحيطين الهادئ والهندى».