ترجمة: سعيد شعيب ربما تكون مفاجأة وجود تنظيم اخوانى فى البوسنة والهرسك منذ عام 1939 فى ظل وجود دولة يوغوسلافيا الشيوعية، وكان بالطبع يعمل تحت الأرض بشكل سري. وكان من زعمائه عزت بيجوفيش الذى قدم نفسه للغرب والعالم الإسلامى باعتباره «مسلما علمانيا»، وابنه بكير عزت ينشر مقالاته متضمنة علامة رابعة. هذه ليست المنظمة الإخوانية الوحيدة، فهناك فى مقدونيا الشمالية عدد من المنظمات الإخوانية التى تحاول جاهدة نفى علاقتها بالإخوان والإسلام السياسي، وكان المسئول عن التواصل مع اخوان البلقان من جماعة الإخوان فى مصر، محمد البلتاجى وحازم فاروق، والذى يقدم لهم الدعم المادى والمعنوى دكتور يوسف القرضاوى. تضم مقدونيا الشمالية مجموعة متنوعة من السكان المسلمين، مقسّمة بين المجموعات العرقية الألبانية والتركية والسلافية. وتمثل الطائفة المسلمة رسميًا “الطائفة الدينية الإسلامية” التى نظّمت نفسها فى 1991 بعد استقلالها عن يوغوسلافيا، واعترفت بها الدولة فى 1994، ومن المنظمات البارزة فى شمال مقدونيا المرتبطة بشبكة الإخوان المسلمين “منتدى منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبية” (FEMYSO)، ويبدو أحد مكوناته الفرعية المعروفة باسم “منتدى الشباب الإسلامي” (FRI) الذى يقع مقره فى مدينة تيتوفو الأكثر انتماء إلى التيار الإخواني. لدى منتدى منظمات الشباب عددٌ كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة “يوتيوب” و”فيسبوك” و”إنستجرام”.. ويحاول منتدى منظمات الشباب والطلاب المسلمين الأوروبية، ومنتدى الشباب الإسلامي، توخِّى الحذر بشأن علاقاتهما بالإخوان. على سبيل المثال، كما يوضح المؤلفون، “يعرض موقع منتدى الشباب الإسلامى على شبكة الإنترنت مقالًا واحدًا فقط عن حياة وعمل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. وتتمحور أنشطة منتدى الشباب الإسلامى بشكلٍ أساسى حول التعليم والمساعدات الإنسانية، كما هو واضح فى المواد التى ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي”. المحتوى السياسى الأكثر مباشرة على الموقع يدور حول “مسيرة الفخر التى ينظمها مثلانيو الجنس”، حيث تحذِّر المجموعة الشباب المقدونى من “اختلال التوازن بين المكونات الأخلاقية” فى حياتهم. لا تقتصر رغبة منتدى الشباب الإسلامى فى التعتيم على صلاته بجماعة الإخوان المسلمين فقط، بل بتيارات الإسلام السياسى عمومًا، وهذا يتضح فى تنظيم المنتدى مؤتمراً فى أغسطس 2011 بعنوان “الإسلام فى أوروبا (خطر أم إنقاذ)”، الذى حظى باهتمام عام كبير فى ذلك الوقت - ليس أقله حضور هانى رمضان، شقيق المفكر الإسلامى البارز طارق رمضان وحفيد حسن البنا- ومع ذلك لم يُشر إليه على موقع المنتدى على الإنترنت. كان أحد المشاركين البارزين فى هذا المؤتمر هو منظمة ليجيس (LEGIS)؛ وهى منظمة غير حكومية مقدونية شمالية أسِّست فى عام 2009 من قبل ياسمين ريدجيبي. وكانت ريدجيبى مشاركةً فى أسطول الحرية فى غزة فى مايو 2010. والواقع أنها كانت على متن السفينة مافى مرمرة، وهى السفينة التى قُتل فيها تسعة من الناشطين الإسلامويين. ويوضح مؤلفو التقرير أن “علاقات الإخوان المسلمين بالمنظمة تأتى من خلال اثنين من أعضاء الإخوان المسلمين المصريين؛ الدكتور محمد البلتاجى والدكتور حازم فاروق، اللذين تم القبض عليهما على متن السفينة.. بعد غارة الكوماندوز الإسرائيلية”. كان أسطولُ الحرية مُدارًا من قبل جمعية “خيرية” تركية متطرفة هى “المؤسسة التركية لحقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية”. وقد تسببتِ الأحداث التى وقعت على متن السفينة مافى مرمرة فى ضرر دائم فى العلاقات بين إسرائيل وتركيا، حيث تعمدت الحكومة التركية رعاية هذه الخطوة الاستفزازية. وتركيا ليست، كما يوضح المؤلفون، الصلة الخارجية الوحيدة بمنظمة ليجيس: فقد قامت بتقديم مساعدات كوسيلة على ما يبدو لإضفاء الشرعية على النشاط الدعوي، فى البوسنة وبورما وغزة واليونان والصومال وسوريا. العلاقة التركية بمنظمة ليجيس هى الأهم فى علاقاتها عبر الوطنية. وفى هذا الصدد، كتب المؤلفون أنه “فى جميع المحادثات”، يمكن وصف تأثير الحزب الحاكم المنبثق عن الإخوان فى تركيا، حزب العدالة والتنمية، بأنه تأثير واضح وكبير بمنظمة ليجيس. تعمل تركيا على استغلال المكانة التاريخية والثقافية لها من خلال ارتباطها بالدولة العثمانية، والصلة العرقية لأقلية تركية كبيرة، والتبرعات المالية للطائفة الدينية الإسلامية التى تعانى ضائقة مالية، لتلميع صورة تركيا فى مقدونيا الشمالية، وبسط القوة الناعمة لتركيا فى الدولة. علاوة على ذلك، فإن لتركيا نفوذًا سياسيًا قويًا أكثر مباشرة من خلال حزب “بيسا”، وهو حزبٌ سياسى ينتمى ليمين الوسط أُنشئ فى عام 2014. ويرتبط بيسا بدار نشر تنشر كتبًا لمنظّر الإخوان يوسف القرضاوى ومؤسسها البنا. وفيما ينفى بيسا أن يكون مموَّلًا من تركيا، فإن إنتاجه الإعلامى يُظهر إعجابًا مستمرًا بالرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وتحالفًا مع مواقفه السياسية. وكون بيسا حزبًا ألبانيًا يدل على تغليب الحكومة التركية لهويتها الإسلامية على هويتها العرقية. كانت حركة فتح الله جولن؛ الطائفة الإسلامية التى كانت متحالفة مع حكومة أردوغان حتى محاولة الانقلاب فى تركيا عام 2016، تتمتع بنفوذ فى قطاع التعليم فى مقدونيا الشمالية. وما يؤكد النفوذ التركى القوى فى مقدونيا الشمالية هو أن جهود ما بعد الانقلاب لإبعاد أنصار جولن من أجهزة الدولة التركية قد امتدت إلى مقدونيا الشمالية، مع ممارسة ضغوط على سكوبي، عاصمة الدولة، لإغلاق المدارس التى تديرها حركة جولن.