كانت هناك فكرة سائدة منذ أوائل التسعينيات بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية هى صاحبة القواعد المطلقة فى العالم، فلا ينبغى مواجهتها، ومن يعارضها محكوم عليهم بالفناء أو سيتم طرده من التاريخ والزمن. لقد كان العالم هو نظام أحادى القطب تكون فيه الولاياتالمتحدة القوة العظمى الوحيدة التى لها سيطرة مطلقة على العالم بأسره، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى السابق. لكن الساحة السياسية فى الوقت الحاضر تشير إلى أن هذه المفاهيم قد تغيرت وأن العالم على وشك أن يكون متعدد الأقطاب. صحيح أن الولاياتالمتحدة هيمنت على سياسة العالم لسنوات.وكانت تلك الهيمنة بسبب التفوق العسكرى والاقتصادى القوى للولايات المتحدة، ومع ذلك، تغيرت الأمور خلال السنوات القليلة الماضية حيث لم تكن الولاياتالمتحدة نفسها قادرة على إدارة الأزمات العالمية وحدها، فكانت هناك حاجة ماسة للاعبين رئيسيين آخرين للمشاركة فيها وحل مشاكل العالم وإعادة تشكيل ميزان القوى فى العالم. فقد أعادت روسيا دورها العظيم فى المجتمع الدولي. وتقدمت الصين بشكل كبير وغزت الأسواق العالمية. علاوة على ذلك، قامت الهند ودول أمريكا اللاتينية بمراجعة السياسات التى كانت سائدة فى التسعينيات والتى ثبت أنها وهمية. فى ذلك الوقت، بعد سقوط الاتحاد السوفيتى، كانت الفكرة الخاطئة هى أن العالم يجب أن يخضع للولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة وأن الأيديولوجية الوحيدة المتبقية كانت الليبرالية والأيديولوجية الغربية التى يهيمن عليها الصهيونية. ولكن ثبت لتلك الدول أن كل هذا كان خطأ . صحيح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية فى مقياس القوه أقوى من أية دولة أخرى ولكنها ليست أكبر من العالم،وهذه هى النقطة الأساسية. فهناك قوى مضادة تتكون من جميع الدول التى تتعارض مصالحها بطريقة أو بأخرى مع مصالح الولاياتالمتحدة مثل أوروبا وروسياوالصينوالهند والبرازيل، على عكس ألمانيا وفرنسا اللتين كانتا منسجمتين مع سياسات أمريكا، وعلى الرغم من أنه كان بينهما حلف الناتو، الا أن هذا لا يعنى أن هناك تضاربًا فى المصالح بين أطرافه. ولذلك فى عام 2004 أدركت أمريكا أنها بحاجة الى تحالف مع أوروبا ولم تعد تريد إهمال الناتو فأعادت إحياء التحالف بتقديم تنازلات أمريكية وليس العكس. لجأت دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى دور كانت قد حرمتهما منه الولاياتالمتحدة فى الماضى. فعلى سبيل المثال، فى عام 2002 قسمت أمريكا أوروبا إلى دول قديمة وجديدة وحاولت ازدراء ألمانيا وفرنسا والأممالمتحدة وحلف شمال الأطلسى، والآن تتخذ هذه الدول مبادرات على حساب الولاياتالمتحدة فى لبنان على سبيل المثال فيدير الأوروبيون قوة الأممالمتحدة المؤقتة فى لبنان (UNIFIL)، والتى لم تكن لتسمح لها الولاياتالمتحدة فى ظروف أخرى. ففى أثناء إدارة كلينتون كان لم يسمح الأمريكيون للأوروبيين بحضور الاجتماعات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة والفلسطينيين، والآن تغيروا تمامًا تاركين وراءهم إمكانية وجود نظام جديد.....وبهذا فقد تغير العالم وقواه وسيتغير كثيرا بعد انتشار جائحة كورونا فى العالم أجمع وستعاد مرة ثالثة موازين القوة.