على مدى ست سنوات، قدمت مصر وقبرص واليونان نموذجا للتعاون الإستراتيجى الإقليمى المشترك، بإرساء آلية التعاون الثلاثى التى شهدت انعقاد ثمانى دورية بعواصم الدول الثلاث، حققت من خلالها كل من القاهرةونيقوسيا وأثينا عديدا من المكاسب وفرص التعاون المشترك، ومواجهة التحديات الإقليمية. فمنذ اليوم الأول لتدشين آلية التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، فى نوفمبر 2014 بالقاهرة، ومع كل دورية انعقاد للقمة الثلاثية تثبت مدى جدواها واستراتيجية الرؤية والتخطيط لهذا التعاون الإقليمى، ذلك أنه تأسس على روابط قوية من التعاون فى مواجهة تحديات من دول إقليمية معادية لمصالح كل من مصر وقبرص واليونان. لم يكن الرابط هو التحدى المشترك من دولة مثل تركيا تسعى فسادا بهذه المنطقة حتى تجتمع مصر وقبرص واليونان، ولكن الهدف كان أكثر وضوحا، قائما على مجموعة من المصالح المشتركة، والتنسيق المشترك فى مواجهة أى عمل قد يضر بمصالح الدول الثلاث، وعلى هذا الأساس كتب لهذا التعاون الثبات والاستمرارية، حتى بات نموذجا يحتذى به للعلاقات الإقليمية وللعلاقات مع دول الاتحاد الأوروبى بالمتوسط. وعلى هذا الأساس، حافظ قادة الدول الثلاث على دورية انعقاد القمة الثلاثية المشتركة بعاصمة كل دولة على التوالى، وهذا الأسبوع كانت العاصمة القبرصيةنيقوسيا على موعد مع المحطة الثامنة لآلية التعاون الثلاثى المشترك، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادِس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس.. وقف خلالها زعماء الدول الثلاث ومن خلفهم عديد من المكاسب التى تحققت من هذا التحالف لعل أبرزها ما يتم فى مجال الغاز والطاقة والتنسيق فى مواجهة التهديدات والتحديات المشتركة. وبمراجعة الإعلانات الصادرة عن كل دورية انعقاد لآلية التعاون الثلاثى بتوقيع قادة مصر وقبرص واليونان، نجد أن هناك كثيرا من المكاسب التى تتحقق، فضلا عن التطابق فى رؤية الدول الثلاثة فى عدد من أزمات وتحديات المنطقة سنسرد أهمها فى هذه السطور.. 7 مكاسب أساسية أسهمت آلية التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان فى الاتفاق على مشروعات للتعاون فى قطاعات كثيرة أهمها الطاقة والزراعة والنقل والسياحة والاستزراع السمكى والتبادل التجارى.. ومن أبرز هذه المكاسب ما يلى: 1- ترسيم الحدود المشتركة: تنفرد آلية للتعاون الثلاثى بكونها قدمت نموذجين ناجحين لتعيين الحدود البحرية استنادًا لقواعد القانون الدولى، حيث وقعت مصر مع كل من قبرص واليونان اتفاقيتين فى هذا المجال، وهو ما يعكس الإرادة السياسية المشتركة الهادفة إلى الاستفادة من الثروات المتاحة، خاصة احتياطات النفط والغاز الواعدة، وفتح آفاق جديدة لمزيد من التعاون الإقليمى بمجال الطاقة. 2- اكتشاف وإنتاج الغاز: ثم تأتى أهم مكاسب خطوة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، فى تكثيف عمليات البحث والتنقيب على الغاز والبترول، حيث سيسمح ذلك لمصر الاستفادة من مواردها وثرواتها بالمتوسط، بالتنقيب على مصادر الغاز والنفط ونتج عن ذلك اكتشاف حقل ظهر الأكبر فى المنطقة باحتياطى حوالى 30 تريليون قدم مكعب غاز. وفى هذا الإطار أعتبر قادة الدول الثلاث أن اكتشاف احتياطات مهمة من النفط والغاز فى شرق المتوسط يمكن أن يمثل حافزاً للتعاون على المستوى الإقليمي، وأكدوا أن هذا التعاون ينبغى أن يكون قائماً على التزام دول المنطقة بالمبادئ المستقرة للقانون الدولي. بجانب اتفاق مصر مع قبرص خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الأخيرة لنيقوسيا فى نوفمبر 2017 والتى تقضى على تسييل الغاز القبرصى فى شرق المتوسط ضمن اتفاقية التعاون المشترك فى مجال الطاقة واستكشافات الغاز وإعادة تصديره، فى ظل ما تمتلكه مصر من محطات تسييل مثل الموجودة فى دمياط ورشيد. كما اتفقوا على رغبتهم فى تعزيز التعاون من خلال سلسلة من الاتفاقات بشأن استكشاف ونقل الغاز الطبيعي، حيث إن اكتشاف احتياطيات الهيدروكربون سوف يمثل حافزاً للاستقرار والرخاء الإقليمي. 3- منتدى غاز المتوسط: وقعت كل من مصر وقبرص واليونان إلى جانب شركاء آخرين فى شرق المتوسط على الميثاق التأسيسى لمنتدى غاز شرق المتوسط الذى لا يمثل فقط نموذجًا لتشجيع التعاون الإقليمى والحفاظ على الاستقرار بالمنطقة، وإنما يعد إطارًا للتوافق على محددات ومشروعات مشتركة فى مجال الغاز، لتوظيف الثروات الهائلة فى شرق المتوسط من أجل تحقيق المنافع المتبادلة، وهى الخطوة التى تجعل من مصر مركز إقليمى لانتاج وتصدير الغاز. 4- التصدى للتدخلات التركية: ساهم التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، فى إرساء أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط، وبصفة خاصة التصدى لأى محاولات للتدخلات التركية ونهب ثروات المنطقة.. حيث تكررت محاولات تركيا باختراق الحدود البحرية لقبرص واليونان لنهب ثرواتها الطبيعية. وعليه تأتى آلية التعاون الثلاثى فى كل دورية انعقاد لها لتؤكد على اتفاق قادة الدول الثلاث على رفض السياسات الاستفزازية المتمثلة فى انتهاكات قواعد القانون الدولى والتهديد باستخدام القوة المسلحة والتعدى على الحقوق السيادية لدول الجوار ودعم التطرف والإرهاب ونقل المقاتلين الأجانب إلى مناطق النزاعات، بجانب العمل على ضرورة التصدى لتلك السياسات التصعيدية التى تزعزع استقرار المنطقة. 5- توثيق العلاقة بالاتحاد الأوروبى: حسب ما جاء فى إعلان القاهرة 2016 عن القمة الثلاثية، فإن الشراكة الثلاثية تعد نموذجا لتعزيز الحوار وتشجيع العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبى ودول المنطقة، وداعم للدولة المصرية داخل الاتحاد الاوربى، وتُرجم ذلك عند تأكيد قادة الدول الثلاث على الأهمية الحيوية لعلاقة قوية وصلبة بين مصر والاتحاد الأوروبى من أجل السلام والاستقرار فى كل من الشرق الأوسط وأوروبا. والمكسب الأهم فى هذا الصدد أيضا اتفاق الدول الثلاث على دعم مرشحى كل منهم فى المنظمات والمحافل الدولية. 6- التعاون فى مجال حماية البيئة: من أهم ملفات التعاون المشترك التى توافق عليها قادة الدول الثلاث هو البيان الثلاثى المشترك للنوايا بشأن التعاون فى مجال حماية البيئة، والذى يؤكد على أهمية التحرك بأسرع قدر ممكن من أجل حماية البيئة مدركين الطبيعة المعقدة للمشاكل البيئية نظراً للتأثير المحتمل للمشروعات العابرة للحدود. واتفق القادة على تشجيع التعاون من أجل الاستعداد للتصدى للتلوث الناتج عن العمليات الساحلية للبحث والتنقيب واستخراج الهيدروكربونات والنفط، وناقشوا إزالة التلوث فى البحر المتوسط بما فى ذلك الملوثات المنزلية والصناعية وتأثير التغير المناخى على البيئة البحرية. 7- السياحة والصناعة البحرية: نظرا لأهمية السياحة والصناعة البحرية كمكونات حيوية لاقتصاد البلدان الثلاثة، جاء التوقيع على المذكرة الثلاثية بشأن التعاون فى مجال السياحة بين قبرص واليونان ومصر فى 29 أكتوبر لعام 2014. واتفقت تلك الدول على مواصلة العمل معا بشكل وثيق بهدف تيسير وتعزيز التعاون فى مشاريع مشتركة، بمشاركة من الجهات الحكومية والخاصة، بما فى ذلك تنظيم برامج سياحية ورحلات بحرية مشتركة، وتعزيز النقل البحرى بين الدول الثلاث لنقل البضائع والركاب على حد سواء، والشروع فى التعاون فى مجال التعليم والتدريب البحري.