كتب: المستشار أحمد حسام النجار إن أكثر الأمور تصادمًا مع ثورة يناير العظيمة هو استمرار هذا النمط العشوائى فى إدارة الأمور فى مصر. ولا نبالغ إذا قررنا أن هذه العشوائية لا تتصادم فقط مع مدعيات هذه الثورة ومنطلقاتها بل إنها تعتبر أكثر استفزازًا فى مثل الظروف الراهنة ذلك أنه مع ارتباك الأولويات الوطنية وانعدام الثقة فيما بين كل فصائل المجتمع حكامًا ومحكومين يتعاظم مردودها بالسلب مما ينعكس على أحوال هذه المرحلة الحرجة. ومع اضطراب الأحوال وتعدد الأطروحات التى تبديها الفصائل والقوى السياسية المختلفة كان من الضرورى وضع هياكل إدارية مناسبة لإعادة تنظيم جميع أوجه الممارسات التى تختص بها جميع أجهزة الدولة المستديمة والمؤقتة خاصة التى تمارس عملاً سياسيًا ذا صلة ببرامج الإصلاح السياسى الراهنة التى يأتى على رأسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ومع افتراض حسن النية فى جميع الأحوال فالملاحظ أن الأمور من هذه الناحية قد صارت إلى مزيد من العشوائية وعدم الانضباط، ولئن أناط النظام القائم باللجنة العليا للانتخابات مباشرة جميع إجراءات العملية الانتخابية والهيمنة عليها بكاملها وتكفل ببيان كيفية تشكيل هذه اللجنة تحت رئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة. وجدير بالإشارة إلى أنه لا دخل لأى سلطة فى اختيار رئيس هذه اللجنة طبقا لقانون السلطة القضائية الذى حدد كيفية شغل هذا الموقع القضائى بالأقدمية المطلقة. ومع تمتع هذه اللجنة بالصفة القضائية إلا أن هذا لا ينفى عنها الطابع السياسى وهو الغالب نظرًا لطبيعة العملية الانتخابية وإجراءاتها. ومن هذه الناحية يصير مقبولاً تقييم أداء أعمال هذه اللجنة طبقًا للمعايير السياسية ولا غضاضة فى ذلك وإذ جاء المشهد الانتخابى الحالى صادمًا من زاوية أداء هذه اللجنة لما أنيط بها سواء على المستوى المرفقى التنظيمى لتابعيها من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية أو من الزاوية العامة التى تتعلق بما أفرزته من نتائج العملية الانتخابية من حيث الكيف. ومن هذه الزاوية.. فإنه عندما تتعدد السلبيات بتعدد صور الإخلال والمخالفات التى ترتكبها الفصائل الانتخابية المتصارعة مع وجود النصوص القانونية الرادعة والصلاحيات اللازمة لتفعيلها بمعرفة هذه اللجنة ثم تتنكب عن سبيل هذا التصدى، وبالتالى يصير هناك قصور يستدعى التوقف والانتباه فعلى سبيل المثال عندما يتم إدراج اسم مرشح فى القوائم الانتخابية فى دائرة ما ثم يتم إدراجه كمرشح فردى بذات الدائرة أو يتم الابقاء على مرشح متوفى ليخوض الانتخابات ناهيك عن الاخطاء الفادحة فى رصد النتائج واحتساب عدد الأصوات وكذا ارتكاب مخالفات تتعلق بالدعاية الانتخابية ارتكبتها بوقاحة الفصائل الإسلامية إلى حد تغيير الطابع السياسى للعملية الانتخابية وتحويلها كلية إلى انتخابات دينية. فعندما لا تتصدى اللجنة لكل هذه التجاوزات ولا تقول كلمتها فيها تاركة أمرها للقضاء لتتعدد أحكام البطلان، ثم لا تتصدى بالجدية اللازمة لما أثاره البعض حول فساد قاعدة البيانات المسلمة إليها من الأحوال المدنية وعدم استيفاء الأركان الشكلية المتعلقة بها والضرورية لضبط الجداول الانتخابية ويتم تناولها بغير اكتراث أو إدراك لخطورتها فإننا لا نبالغ إذا قررنا أن هذه النتائج فى حقيقتها لا تعبر عن الإرادة الشعبية وأظن أن القضاء سيتصدى لاحقًا لمدى سلامة هذه النتائج المعلنة ليفاجئنا بالمزيد من الأحكام التى ربما تجهز عليها فى مجملها ويصير الأمر برمته ليعلق برقبة القضاء وكأنه فخ وكمين سيقت إليه اللجنة بغير إدراك.. كان الله فى عون القضاء.