قبل أيام قليلة.. خرج علينا رجل هادئ.. واثق من نفسه.. تبدو عليه علامات الرصانة.. يكشف وجهه عن ابتسامة، لا تخفي ما خلفها من حزن شديد.. كان تقديمه لنفسه مفاجأة ومفاجئا.. فهو يتقدم كمرشح لرئاسة الجمهورية.. يحمل درجة الفريق في المؤسسة العسكرية.. سنوات عمره لم تصل إلي الرابعة والستين.. لكنه التحق بقطار المحالين إلي المعاش في عهد المخلوع قبل أن يبلغ الستين.. كان نائبا لرئيس جهاز المخابرات ومسئولا عن أهم وأخطر إداراته.. لم يسمع عنه أحد من قبل.. لم نعرف عنه أصله ولا فصله.. فهو قادم من عالم الصمت والسكون، ليقول إنه يري في نفسه القدرة علي تحمل أخطر مسئولية في أصعب ظرف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. تلك اللوحة فجرت الأسئلة.. ورغم أن الرجل تكلم ويتكلم، إلا فإن الإعلام لم يقدمه أو يقدم عنه شيئا.. ربما ذلك الذي جعل الناس يتساءلون من هو الفريق «حسام خير الله»؟. الفريق «حسام خير الله» مواطن مصري ابن الطبقة المتوسطة.. تربي في بيت محترم.. اختار أن يكون مستقبله في المؤسسة العسكرية.. وكان والده واحدا من أهم وأبرز رجال الشرطة في مصر.. دعونا منه وتعالوا نتعرف علي والده.. هو اللواء «كمال خير الله» المعروف تاريخه في وزارة الداخلية.. صفحته ناصعة.. شاءت أقداره أن يتم ترشيحه وزيرا للداخلية.. لكن مؤسسة المؤامرات والدسائس، حاولت إبعاده بقدر ما تستطيع.. إمكاناته وقدراته استطاعت أن تصد تلك الموجات.. فكان قرار تعيينه نائبا لوزير الداخلية ومعه «النبوي إسماعيل».. وكلاهما احتل هذا المنصب لأول ولآخر مرة في تاريخ الوزارة.. كانت مصر في تلك اللحظات خارجة من أحداث 17 و18 يناير 1977.. وحاول «ممدوح سالم» رئيس الوزراء أن يسترضيه حتي لا يقدم استقالته رفضا لأن يشغل هذا الموقع إلي جانب «النبوي إسماعيل» علي وجه التحديد.. فقد كان اللواء «كمال خير الله» يري أن الأبيض – معرفا نفسه – لا يمكن أن يعمل مع الأسود – قاصدا قرينه في المنصب – المهم أنه عمل لعدة شهور ثم خرج من الخدمة العامة.. وحتي لا يتسبب الأمر في أزمة داخل وزارة الداخلية.. ترك الموقع الرفيع ليفوز به، النبوي اسماعيل.. ولترضيته تم تعيينه محافظاً.. تنقل بين أكثر من محافظة.. لم يحتمل الاستمرار في مواقع العمل التنفيذية، وقت أن كان الفساد قد أصبحت له عضلات.. اختار أن يذهب للعمل البرلماني.. طرح نفسه علي الشعب فأصبح نائبا للأمة. هذا عن الأب الذي أنجب الفريق «حسام خير الله».. أما المطروح علينا كمرشح لرئاسة الجمهورية.. فهو يري في نفسه عاشقا للرمال والصحراء، راهبا في ميدان العسكرية دفاعا عن الوطن علي الحدود.. فوجئ باختياره للعمل في جهاز المخابرات بعد اثني عشر عاما من الحياة في الصحراء والخنادق في سيناء.. ذهب متململا إلي الميدان السري وشديد الخطورة.. عمل في فترة عينا علي إسرائيل.. ولنبوغه تحول إلي عين علي أوروبا.. ثم ارتقي ليكون عينا علي الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وعندما تتأزم الأمور كان يتم انتدابه ليكون العين التي تري منها القيادة المناطق المضطربة والملتهبة في الدنيا.. عنوانه هو الصمت.. شهرته هي الإبداع في العمل.. سيرته يرويها أكثر من ثلاثمائة من الكبار داخل هذا الجهاز، يقولون عنه هو الأستاذ الذي علمنا.. يتناقل سيرته كل من اقتربوا منه، فهو شريف.. نظيف اليد.. قادر علي اتخاذ القرار في أسرع وقت.. لا يمل القراءة بل قد يغوص فيها لعدة أيام.. يعشق المعلومات.. تعود أن يفكر وسط المجموعات.. يسمع الجميع.. ويتخذ القرار، ويمضي في تنفيذه بصرامة تصل إلي حد الشراسة. الفريق «حسام خير الله» إنسان حق فيه القول إنه السهل الممتنع.. ورث عن أبيه الكفاءة والموهبة والعطاء بلا ضجيج.. استمر كنائب لرئيس جهاز المخابرات لعدة سنوات.. كان يقول عنه «عمر سليمان» هذا الرجل عنوان الكفاءة والإخلاص.. لذلك أخرجه إلي المعاش قبل أن يبلغ الستين بأيام!. لم تصب الدهشة الفريق «حسام خير الله».. تقبل الأمر برحابة صدر وابتسامته المعهودة.. وانطلق ليبدأ حياة جديدة.. ذهب إلي العمل الخاص.. أسس شركة للاستثمار العقاري، وراح يعمل داخل الوطن وخارجه بالمنهج الذي اعتنقه.. فهو ابن للإخلاص ومرادف للأمانة.. وتعريف للصدق.. قل عنه إنه رجل حقيقي من تربة هذا الوطن.. وعنوان لكل أبناء الطبقة الوسطي فيه.. ولأنه يعشق البناء والتقدم للأمام.. ذهب إلي تأسيس ناد لا يسمع عنه معظم الشعب المصري.. فهو رئيس نادي القاهرةالجديدة.. اختار آخر نقطة في الصحراء.. وراح يحولها إلي بقعة ساحرة وسحرية.. يمشي بين الناس.. يجلس علي المقهي.. يذهب إلي السوق لشراء احتياجات بيته.. ينام مبكرا.. يصحو قبل الضوء الأبيض.. يمارس عادة القراءة لبضع ساعات، ثم ينطلق إلي العمل.. ومع قدوم الضوء الأسود يتفرغ للقاء أصدقائه.. أي أنه تمرس في الحياة كمواطن بسيط.. تعود علي فقدان الذاكرة تجاه المنصب الرفيع.. وبقيت ذاكرته حادة كلما كانت لديه لحظات للعمل والتفاني والإخلاص في أدائه. تلك إضاءة بسيطة علي الفريق «حسام خير الله» الذي سألني عنه العشرات خلال الساعات القليلة الماضية.. فإذا كان بعض الإعلاميين قد أخذته الدهشة تجاهه، فراح يبحث عن إجابات للأسئلة الصعبة عنده.. فقد فشلوا في شفاء غليل القارئ والمشاهد بتقديم هذا المواطن في أصوله وجذوره.. وظني أن جهل الإعلام أضاف إليه الكثير.. واعتقادي أن محاولات التآمر عليه أعطته ما لا يتخيله.. فهو صورة من أصل متميز – أقصد والده – وإن كنت أكتب ما عرفته عنه.. فهذا لا يعني أنني أزكيه علي غيره من المرشحين الأفاضل لرئاسة الجمهورية.. لكنني رأيت أن هذا واجبي كصحفي مع كامل التقدير لكل الذين عرفناهم كمرشحين طوال الشهور الأخيرة.. ويبدو أنهم شغلتهم المعركة الانتخابية.. بينما كان هو مختفيا ليدرس ويعد الملفات، وظني أنه اختار أن يتقدم للترشح عندما أدرك مقدرته علي تحمل هذا العبء الثقيل.