النسخة الأصلية من كتاب «وصف مصر»، ذلك الكتاب «الكنز» الذي أحرقه المعتصمون أو البلطجية أو المجلس العسكري أو أيا كان، ضمن ما أحرقوه في مبني «المجمع العلمي»، قصة مثيرة، تعود لبداية القرن السادس عشر، حينما عرفت فرنسا نوعا من الشغف بمصر. وفي كتابه الصادر منذ أعوام عديدة «مصر: ولع فرنسي»، يرصد المؤلف روبير سوليه «المصري الفرنسي الجنسية» ذلك الولع، حينما كان الفرنسيون يستخدمون منتجات تستلهم الإنجازات المصرية القديمة، وحينما ظهرت تماثيل أبو الهول لتزيين مداخل بيوت وحدائق وحتي مقابر الفرنسيين، ووصل الأمر إلي قيام العطارين الفرنسيين ببيع عقار أسموه «المومياء»، علي هيئة مسحوق أو معجون يميل لونه للأسود ومن المفترض أنه مستخرج من حرق المومياء، ويشفي أمراض الجهاز التنفسي ونزيف الدم وغيرها، بل انتشر بين المواطنين الفرنسيين لونا أسموه «أرض مصر»، وظهرت مسرحية من فصل واحد شدت الانتباه عام 1696، اسمها «مومياوات مصر»، عرضت علي مسرح بورجوني، وقامت السلطة الملكية بتفويض مستكشفين في وادي النيل وأمرهم بجمع أكبر عدد ممكن من المسكوكات والمخطوطات العربية، أما ملكة فرنسا «ماري أنطوانيت» فقد أظهرت هي الأخري عام 1780 شغفا بمصر حين أمرت بإحضار عدد من القطع الفنية إلي القصور الملكية وخاصة تماثيل أبو الهول. ووسط هذه الأجواء التي يتعامل فيها الفرنسيون مع مصر علي أنها بلاد النوادر والعجائب، إلي جانب أهميتها الاستراتيجية، يعرض المؤلف روبير سوليه بداية الحملة الفرنسية، حينما وطأت أقدام نابليون بونابرت أرض مصر يوم 2 يوليو 1798 مصطحبا معه 167 مدنيا أطلق عليهم العلماء منهم علماء في الرياضيات والفلك والجغرافيا والهندسة ورسامين ونحاتين ومترجمين وموسيقيين وأدباء وخبراء متفجرات وغيرهم، وسرعان ما عكف أعضاء لجنة العلوم والفنون التي تشكلت علي الفور من مجموعة من هؤلاء العلماء، علي العمل فورا، وحددوا أهدافهم وهي تقديم مساعدة تقنية وعسكرية وإدارية لمصر واكتشاف أسرارها وإظهارها لأوروبا ونقل فنون أوروبا إلي الشعب المصري الذي رأوه نصف متخلف ونصف متحضر. ولهذا شرعوا في الانتشار في جميع أنحاء مصر، لجمع المعلومات وتسجيل الملاحظات ، وبعد أن انتهت وقائع الحملة الفرنسية ورجع العلماء إلي فرنسا عام 1801، بدأ الكتاب التذكاري «وصف مصر» في الظهور عام 1809، مدونا تحته جملة «مجموعة الملاحظات والأبحاث الموضوعة في مصر أثناء حملة الجيش الفرنسي والمنشورة بأمر صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون العظيم». يقول «روبير سوليه»: إن إصدار «وصف مصر» امتد عبر السنوات، وتم تنفيذه تحت إشراف ثمانية ممن عاشوا في مصر والعارفين بها وهم: برتوليه وكونتيه وكوستاز وريجينيت وفورييه وجيرار ولانكريه ويونج، خلفهم بعد ذلك عالم الجغرافيا جومار، حينما أصدر الجزء الأخير منه عام 1828، كان نابليون قد رحل وقتها عن العالم. الطبعة الاولي ويؤكد «سوليه»، أن الطبعة الأولي من مؤلف «وصف مصر» اشتملت علي 9 أجزاء من النصوص و4 أجزاء من اللوحات بينها 3 لوحات من القطع الكبير الذي يبلغ طوله مترا و20 سم، وتم تقسيمه إلي 3 أقسام هي: العصور القديمة ومصر الحديثة والتاريخ الطبيعي، ويضم 894 لوحة مدهشة ملونة وأخري باللون الأسود، ويشير «سوليه» إلي أن الكتاب اشتمل علي كل شيء عن مصر من الرجال إلي الحشرات، ومن الصروح إلي أدوات النجارة، وتعجب «سوليه» لأنه لم يحدث من قبل دراسة فرنسا ذاتها أو أي بلد آخر بمثل هذه الدقة.. ويقول «سوليه» في كتابه: ميزة وصف مصر الكبري، هي دقته المفرطة، إنه لا يشتمل علي قصص رحلات ذاتية ولا علي رسوم أولية وتخطيطية، بل علي إحصاءات ورسومات مهندسين ولوحات علماء طبيعة، حتي أن خريطة مصر التي رسمها 23 رساما بمقاس 100,00011، دقيقة إلي حد إن نابليون اضطر إلي منع نشرها في الحال لأسباب أمنية، وبالنسبة للصروح لم يكتف المؤلفون بإظهارها بأمانة، بل قاموا بعرضها من الداخل والخارج ومن جميع الزوايا. «سوليه» وصف «وصف مصر» بالكتاب الباهر في بداية القرن 19، وقال: إن الباحثين لايزالون حتي يومنا هذا يستفيدون منه، حتي ولو من أجل معرفة الصروح التي اختفت منذ ذلك الحين، بل إن «سوليه» يراه برفقة كتاب «رحلة» لدينون، سببا في انتقال فرنسا من مرحلة الهوي بمصر إلي مرحلة علم المصريات «دراسة مصر القديمة».. ولا ينكر «سوليه» وجود عيوب ب»وصف مصر»، منها التكرار وتباين التفسيرات، ويقول: لم تضع لجنة المؤلفين فهرست، ولم تنشر حتي تحليلا موجزا للكتاب مما يتيح للقارئ الاهتداء إلي طريقه في هذه المتاهة.