قرأ ت لك في عام 1672 اقترح الفيلسوف الألماني ليبنز، علي لويس الرابع عشر أن يستولي علي مصر التي وصفها ب: "الأرض المقدسة الواصلة ما بين آسيا وأفريقيا .. العقبة القائمة ما بين البحر الاحمر والبحر المتوسط، مخزن غلال المشرق، مستودع كنوز أوربا والهند"، وفيما بعد أخذ الكثير من رجال السياسة والتجار والرحالة والكتاب من مونتسكيو إلي فولتير، فالفرنسيون -كما يقول أنيس منصور- لا يزهقون من الكتابة عن مصر الفرعونية ولا عن نابليون. في كتابه الجديد (علماء بونابرت في مصر) للكاتب والصحفي الفرنسي من أصل مصري روبير سوليه، يؤكد استمرار الجدل حول الحملة الفرنسية من حيث أهدافها وأغراضها ونتائجها، فهناك فريق منهم يري أنها كانت فاتحة خير وبداية نهضة علمية وحضارية، ما قامت به من أعمال إدارية وإنشائية وثقافية كانت لصالح مصر والمصريين وأنها كانت من العوامل التي أدت إلي نهضة مصر الحديثة علي يد محمد علي باشا أوائل القرن التاسع عشر. ولا ريب أن حملة بونابرت يعتبرها معظم المصريين، بداية لتسلسل طويل المدي من الاعتداءات الغربية ضد العالم العربي، فها هو الوطني ذائع الصيت مصطفي كامل من خلال كلمة ألقاها في مدينة "تولوز" بتاريخ الرابع من يوليو1895، خلال الاحتلال البريطاني يتحدث عن (فرنسا الخيرة الكريمة التي أيقظت مصر من سباتها العميق، وفرنسا هذه التي نشرت ضياء العلوم والفنون، وجعلت من مصر: فرنساالشرقية، فرنسا هذه التي عاملتنا دائما ، كأننا أبناؤها الاعمق إعزازا .. وجذبتنا جميعا نحوها .. قلبا وروحا). وقد اعترف جمال عبد الناصر نفسه بأن الحملة كانت لها عدة جوانب إيجابية حيث ورد في ميثاق الجمهورية العربية المتحدة الذي نشر عام 1962 (أن الحملة الفرنسية قد قدمت مساعدة جديدة للطاقة الثورية لدي شعب مصر في تلك الحقبة، لقد جاءت بعدة مظاهر للعلوم الحديثة، التي كانت الحضارة الاوربية قد أجادتها وطورتها. وكلمة حملة في قاموس اللغة الفرنسية تتضمن معنيين أولهما: عملية حربية تحتم تحرك الفرق المحاربة، بل وتعني أيضا: رحلة استكشافية في بلد ناء بعيد صعب الوصول إليه، والحملة حققت المعنيين علي حد سواء لأن الاستكشاف لا يمكن ان يتم بدون الغزو، وكذلك فإن الغزو لا يتبقي منه شيء، إذا لم يكن الاستكشاف بالنسبة له بمثابة وسيلة للاستمرار، وحجة وذريعة أيضا. وأكثر المحبين لفرنسا يؤكدون: (لقد جاء نابليون الي مصر ومعه المدافع والمطبعة، فرجعت المدافع .. وبقيت المطبعة). وعند وصول علماء الحملة الفرنسية الي مصر لاقوا صعوبات جمة خاصة لضياع جزء كبير من أدواتهم وايضا لانقطاع الاتصالات مع فرنسا، وقد فتحت الحملة الطريق أمام علم جديد وهو (علم المصريات) وكان بمثابة نموذج من أجل استكشاف بقية افريقيا، ولقد ساهم بعض الاشخاص القدماء في مصر أمثال (فوربيه) و(جومار)، و(كوستاز)، و(جاكوتين ) لإنشاء (الجمعية الجغرافية) في عام 1821. وعمل فك غموض حجر رشيد بفضل شامبليون علي ازدياد انبهار وسحر الفرنسيين ببلد الفراعنة، فقد اندفع البعض منهم للإقامة في أرض وادي النيل مثل: (أ. مارييت) مكتشف السرابيوم ومؤسس المتحف المصري بالقاهرة، كما أنه أول من تولي منصب مدير الآثار المصرية خلال الفترة من (1858 - 1880)، وقد بقي طوال قرن كامل بين أيدي الفرنسيين. وبالنسبة لقناة السويس التي تمت دراستها من جانب مهندسي الحملة، وإنشاؤها بعد سبعين عاما بفضل فرديناند ديلسبس، فقد زادت ثقلا من الوجود الفرنسي في مصر وبشكل متواز أنشأ بعض رجال الدين الكاثوليك ومن بعدهم البعثة العلمانية الفرنسية أكثر المدارس تميزا وتفوقا في أنحاء مصر ونمت وتألقت صحافة ناطقة بالفرنسية مزدهرة علي ضفاف النيل واستطاعت لغة موليير ان تثبت وجودها في الصالونات ومجال الاعمال والقضاء والإدارة .. في حين كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي. ويختتم سوليه كتابه بقوله: ها هنا عمل باهر .. تبقت منه كثير من العلامات والأدلة وذلك بالرغم من تعريب البلد وأمركة العقول .. أن هذا الغزو السلمي لم ينبع أبدا من القهر والإرغام، بل من الإبهار والافتتان .. إنه بلا شك الغزو الذي كان يحلم به في أيامهم الجميلة أفضل علماء بونابرت.