جمعة الغضب، هو اليوم الذى ما زال محفورًا فى أذهان المصريين، بعدما شهدت أحداثه حالة انفلات أمنى وغير مسبوق، وانتهاز البلطجية والخارجين عن القانون الفرصة للسرقة والسطو على المال العام والخاص، حيث بذلت وزارة الداخلية جهودًا خارقة وجبارة من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار فى البلاد، ومع بداية انطلاق ثورة 25 يناير، التى تحولت إلى كابوس هدّد أمن البلاد بأكملها، نتيجة تنفيذ تحركات وممارسات استهدفت تدمير الدولة وحرقها، وكان فى مقدمتها إشاعة حالة الانفلات الأمنى وانتشار الجريمة المنظمة، وكان من نتائجها خلقت الآلاف من العصابات المسلحة، وهروب 23 ألف سجين جنائي، واقتحام السجون وحرق 90 قسمًا ومركز شرطة، ونهب عدد كبير من الأسلحة النارية الشرطية . فى ذات السياق كنت أعمل فى الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة (مفتش المباحث)، وجاءت ليلة 28 يناير يوم الخراب.. طلبنى العميد محمد السعيد مدير مباحث الاختلاس بالإدارة رحمة الله عليه (التى اغتالته أيادى الغدر والخسة من الاخوان المجرمين عبدة الشيطان من لا دين لهم ولا وطن.. حيث كان آنذاك مديرًا للمكتب الفنى لوزير الداخلية) وكلفنى بتنفيذ أمر ضبط وإحضار لأحد المتهمين بالجيزة فى إحدى القضايا المهمة باكر الجمعة، تحدثت إليه وعرفته بأن باكر توجد مظاهرات والوضع غير مستقر تقريبًا، فقال هذا أمر عادى تعودنا عليه، وفى عصر هذا اليوم كل شيء سيصبح تمام وتنتهى المظاهرات على خير إن شاء الله. فى صباح 28 يناير جمعة الغضب يوم الشؤم والفوضى الخلاقة (مقولة الآنسة صاحبة العفاف والشرف كونداليزا رايس الكلبة السعرانه سيدة الفساد الأولى فى الشرق الأوسط مؤلفة رواية الخراب العربى المستعجل مستشارة الأمن القومى الأمريكى) توجهت وزملائى صباحًا للعمل بمجمع التحرير الدور 11 وجلست بمكتبى الذى يطل على ميدان التحرير مباشرة، وجهزت إذن النيابة العامة وبعض الأوراق استعدادًا للمأمورية.. ثم توجهت لتأدية صلاة الجمعة قبيل المأمورية فى أحد المساجد القريبة لغلق مسجد عمر مكرم ولأول مرة منذ إنشائه يغلق فى صلاة الجمعة.. وبعد أن انتهينا من الصلاة مباشرة ما ترى عيناك إلا النور .. انقلب ميدان التحرير إلى ساحة حرب وقتال، والنية كانت مبيتة؛ فتوجهت لمكتبى لتلقى التعليمات، وبدأت أتابع الأوضاع من شباك المكتب، وشاهدت الأحداث لايف وما تعرضت له الشرطة من انتهاكات واعتداءات وسب وقذف وضرب وإصابات ووفيات.. فكان أول شهيد فى تلك الوكسة هو المجند البطل/ أحمد عزيز الدين فرج عبدالله بقوات الأمن المركزى من قرية شنرا مركز الفشن – بنى سويف الذى تلقى آلة حديدية على دماغه أفقدته الوعى توفى على أثرها (بأى ذنب قتل) وتوالت الأحداث القذرة. فى عصر هذا اليوم المشؤم بدأت قوات الشرطة فى حالة إنهاك قواها (فى معجم المعانى الجامع مرادف كثيرة) لاستمرارها لليوم الخامس على التوالى دون راحة وتحملت الكثير تحت طلب ضبط النفس، ولم تستخدم طلقة رصاصة واحدة ضد المخربين الأطهار (الورد اللى فتح فى خراااااب مصر) وكل ما استخدمته هى القنابل المسيلة للدموع فقط لا غير لتفريقهم وإبعادهم لمنع التصادمات المتوقعة.. وفى مغرب هذا اليوم بدأت الشرطة تغير من مواقعها (يعنى إعادة الانتشار) لحقن الدماء مع المخربين المغيبين أصحاب الأجندات الخارجية ولم تنسحب كما قيل. وتوجهت القوات إلى محيط وزارة الداخلية لحمايتها، بعد أن سيطر المخربون على ميدان التحرير، وفى تلك الأثناء علمت بأنه تم حرق عدد 90 قسمًا ومركز شرطة على مستوى الجمهورية فى وقت واحد وكأن الشيء مدبر بإتقان وحرفية (مخابرات دول كريهة ما أنزل الله بها من سلطان) وبدأت قواتنا المسلحة الباسلة فى الانتشار. وأثناء تواجدى وزملائى بالعمل بمجمع التحرير فى ذلك الوقت، وصلت إشارة لاسلكية من خدمة باب المجمع بأن هناك بعض البلطجية ومعهم سيوف وسنج ومطاوى وشوم متوجهين للأدوار العليا للمجمع قاصدين الإدارة، لأنها كانت الوحيدة اللى ضباطها وأفرادها متواجدين نهاية يوم الجمعة.. وهنا كان الأمر والقرار صعب فهناك حلين لا ثالث لهما.. إما أن نواجه هؤلاء الأشرار بالسلاح وتتم تصفيتهم وتصبح مذبحة وعواقبها وخيمة وأضرارها كبيرة أو غلق الإدارة بالأقفال والخروج فى هدوء من السلم الخلفى (سلم المطافئ) وكان الرأى الأخير هو الأصوب حقنا للدماء ؛ وما لبثنا بالخروج من المجمع استقبلنا مئات البلطجية واحتفوا بنا بالطوب والزلط فتوجهنا وبسرعة ناحية وزارة الداخلية.. إلا أننى رغبت وبشدة للعودة للميدان لمعرفة ما يحدث . ثم توجهت إلى شارع قصر العينى فشاهدت فى تلك اللحظة سيارة بيضاء طويلة تشبه السيارة الكوستر تسير بسرعة جنونية وتدوس أى شخص فى طريقها ولا تبالى وتناثرت رجول وأيادى بعض المواطنين الأبرياء حيث كانوا متواجدين مصادفة فى هذا الشارع وقتل كثير من الشرفاء والأبرياء فى هذا المشهد العبثى. ثم توجهت لميدان التحرير شاهدت قيام البلطجية بإشعال النيران بسيارة شرطة وبداخلها ضابط ومجند سائق وتعمدوا عدم خروجهم من السيارة واستشهدوا حرقًا وهم أحياء. ثم توجهت لميدان عبد المنعم رياض شاهدت قيام البلطجية بخلع الملابس الأميرية لأحد عمداء الشرطة وتعليقها على سور كوبرى 6 أكتوبر وإلقاء الضابط وهو حى من فوق الكوبرى وسقط شهيدًا.. وأثناء عودتى حيث اتجهت خلف الميدان شاهدت مبنى الحزب الوطنى عبارة عن كرة مشتعلة أكلت الأخضر واليابس من مواطنين وسيارات وخلافه. وذهبت لكوبرى قصر النيل شاهدت البلطجية والمخربين يضعون المولوتوف المشتعل بتنك سيارات الأمن المركزي، والتى كانت تتطاير فى الهواء لعدة أمتار وتنزل على رءوس الأشهاد.. وهناك الكثير من الأحداث المؤسفة محتاجة لأيام عديدة للتحدث عنها. ومنها توجهت لدار الأوبرا لاستقلال المترو لمحل إقامتى، وقتها شاهدت بعض المخربين ممسكين بالمولوتوف والسنج متجهين نحو نادى القاهرة الرياضى حيث جميع سيارات الإدارة بالقرب منها وتوقعت قيامهم بحرقها وإتلافها، فوصلت مسرعًا قبلهم لجراج الإدارة المكشوف وقمت بإطفاء جميع الأنوار المضاءة على الأعمدة حتى أصبح المكان مظلمًا تمامًا وبعد برهة من الوقت حضروا الأشرار ولم يروا تلك السيارات، وفى حالة رؤيتهم لسيارات الشرطة وكان عددها كثيرًا جدًا لأصبحت تلك المنطقة حريق القاهرة 2 وعواقبها وخيمة.