فى تقرير لهيئة الاستعلامات: «السيسى» يرسم خريطة مستقبل تنمية «القارة السمراء» من قمة «سوتشى»

كتب_ أحمد قنديل وأحمد عبدالهادى
تفتح الزيارة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا آفاقاً جديدة ذات أهمية كبيرة فى مسيرة العلاقات بين البلدين، وفى التعاون المشترك على الصعيدين الثنائى والإقليمي، سواء فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط الساخنة، أو التعاون الروسى مع القارة الإفريقية، حيث تعقد القمة الروسية - الإفريقية برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين بالمشاركة مع الرئيس السيسى؛ الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى.
وقال تقرير «للهيئة العامة للاستعلامات»، إن هذه هى الزيارة الخامسة للرئيس إلى روسيا منذ زيارته الأولى لها كوزير للدفاع عام 2014، كما أن هذا هو اللقاء رقم (12) بين الرئيس السيسى و«بوتين» خلال هذه الفترة، حيث كان آخر لقاءين بين الرئيسين خلال العام الحالى 2019، فى كل من العاصمة الصينية بكين(على هامش حضورهما قمة منتدى الحزام والطريق) فى أبريل الماضي، حيث قال الرئيس الروسى خلال اللقاء: إن علاقات روسيا ومصر تتطور بقوة، ووصف مصر بالشريك الموثوق لبلاده، مشيراً إلى أن اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجى الموقعة خلال زيارة الرئيس السيسى لروسيا فى أكتوبر 2018، تتيح لنا الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى جديد، بينما كان اللقاء التالى فى شهر يونيه الماضى فى مدينة أوساكا اليابانية خلال مشاركة الزعيمين فى قمة مجموعة الدول العشرين الكبرى، وخلاله قال بوتين: نسعى لدفع العلاقات بين البلدين، مؤكداً أن موسكو تسعى لدفع العلاقات مع القاهرة لمستوى جديد أكثر تقدماً، وبالإضافة إلى العلاقات الثنائية، فإن الموضوع الأساسى لزيارة الرئيس السيسى إلى روسيا هو القمة الروسية–الإفريقية، حيث من المقرر أن تشهد القمة التى تجمع قادة الدول الإفريقية وكبرى المنظمات الإفريقية، توقيع العديد من الاتفاقيات التى تساهم فى تحسين ورفاهية الشعوب الإفريقية وتحقيق السلام، إذ إن روسيا لديها علاقات وطيدة ومتميزة مع الدول الإفريقية ومن المقرر مناقشة مجموعة واسعة من القضايا الدولية، وبحث سبل تعميق التعاون الروسى الإفريقى فى مجالات مختلفة من السياسة إلى الثقافة، بالإضافة لتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، كما أن القمة تركز على العديد من القضايا الاقتصادية المهمة ذات الاهتمام المشترك ومنها قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتعدين والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، كما تسعى روسيا لتعزيز التعاون مع إفريقيا فى مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف، وإيجاد الحلول لمشكلات القارة ومكافحة الفقر والأمراض والعمل على التقدم التكنولوجى.
علاقات ثنائية متميزة
على صعيد العلاقات الثنائية المصرية – الروسية، قال تقرير «هيئة الاستعلامات»، إن روسيا ضمن أكبر شركاء مصر التجاريين، حيث حقق التبادل التجارى بين مصر وروسيا نمواً ملحوظاً خلال عام 2018، وبلغ نحو 7,66 مليار دولار، كما ارتفعت الصادرات المصرية إلى روسيا بمعدل 4,1% خلال عام 2018 لتسجل نحو 526,4 مليون دولار مقارنةً بنحو 505,6 مليون دولار خلال عام 2017.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يُعد مشروع المنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، المشروع الأول لروسيا خارج أراضيها، وبلغ حجم رؤوس الأموال الروسية فى مشروعات البنية التحتية للمشروع 190 مليون دولار فى حين تبلغ الاستثمارات المتوقعة نحو 7 مليارات دولار، وهناك 55 شركة روسية حتى الآن أعربت عن رغبتها فى الاستثمار فى هذا المشروع الذى سيوفر نحو 150 ألف فرصة عمل.
وفى الشهور الأخيرة، اتفق البلدان على صفقة تمويل وتوريد 1300 عربة قطار لتطوير قطاع السكك الحديدية فى مصر وبحث خطوات التصنيع المشترك لهذه النوعية من العربات، فضلا عن سبل تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين الدولتين فى أسواق الدول الإفريقية.
وعلى الصعيد الثنائى أيضاً، فقد اقترب مرور عامين على توقيع اتفاقية إنشاء مشروع انتاج الطاقة النووية فى مصر فى منطقة الضبعة، والذى تم التوقيع عليه فى 11 ديسمبر 2017 فى القاهرة، وهو أكبر مشروع مشترك بين القاهرة وموسكو منذ مشروع السد العالي، كما أن له أبعاداً اقتصادية ومالية واستثمارية، فضلاً عن نقل التكنولوجيا المتقدمة فى هذا المجال الذى تحتاجه مصر فى إطار استراتيجية متكاملة فى مجال الطاقة ستجعل من مصر مركزاً إقليمياً وعالمياً لإنتاج وتداول الطاقة بكل مكوناتها ومصادرها المتجددة وغير المتجددة.
أما على الصعيد الإقليمى، فإن لقاء الرئيسين يتضمن تباحث الطرفين بشأن القضايا الإقليمية خاصة فى منطقة الخليج وفى سوريا وليبيا واليمن ومن المؤكد أن أى توافق بين البلدين سيكون عنصراً مؤثراً بشأن قضايا منطقة الشرق الأوسط .
علاقات متجذرة
ويُشير التقرير إلى أن العلاقات المصرية الروسية علاقات تاريخية، كانت فترة ازدهارها فى الخمسينيات والستينيات، ولكن جذورها تمتد أبعد من ذلك بكثير، ففى 26 أغسطس 1943 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتى ومصر وتمت الخطوة الأولى للتعاون بين الطرفين فى أغسطس عام 1948، حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصرى بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفييتي.
وشهدت العلاقة تطورات بارزة بعد ثورة 1952، حيث ساند الاتحاد السوفييتى مصر بقوة فى مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956، ثم تقاربت سياسات الدولتين عالمياً فى مساندة حركات التحرر فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتخلص من الاستعمار الغربى، وكذلك فى دعم تجمعات العالم الثالث كحركة عدم الانحياز وغيرها.
وعلى الصعيد الثنائى كان الاتحاد السوفييتى أكبر مساند لمصر عالمياً وأمدها بالأسلحة والمعدات العسكرية والدعم السياسى، الأمر الذى مكن الشعب المصرى من خوض حرب أكتوبر عام 1973 التى خاضتها مصر بسلاح روسى فى المقام الأول.
وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطوراً إيجابياً خاصة مع توطد العلاقات بين الرئيسين السيسى وبوتين اللذين عقدا (11) لقاء قمة مثمرة فى مصر وفى روسيا وخلال لقاءات أخرى فى مناسبات دولية،وصولاً إلى قمة الرئيسين فى روسيا فى أكتوبر 2018 التى تم خلالها توقيع «اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي» بين البلدين.
قمة روسيا - إفريقيا
وتستضيف مدينة «سوتشي» على البحر الأسود يومى 23-24 أكتوبر، قمة روسيا– إفريقيا الأولى برئاسة مشتركة بين الرئيس «عبد الفتاح السيسي» الذى يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقى والرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، وبحضور عدد من قادة الدول الإفريقية وكبرى المنظمات الإفريقية، ويشارك فى القمة أكثر من 40 زعيم دولة إفريقية، وفى المنتدى الاقتصادي، سيشارك أكثر من 300 رجل أعمال من روسيا وإفريقيا.
وتتمثل الموضوعات الرئيسية المقرر مناقشتها خلال القمة التى تم طرح فكرتها خلال تجمع «بريكس» فى جوهانسبرج، فى بحث تعزيز دور روسيا فى إفريقيا، كما سيتم بحث دور القارة فى النظام المالى الدولي؛ وتوسيع التعاون والصادرات والاستثمار والتحديات الأمنية، كما ستناقش الجلسات العامة مجموعة واسعة من القضايا المدرجة على جدول الأعمال الدولي.
ويقول تقرير الهيئة، إن القمة تعد أحدث نماذج التعاون الدولى بصيغة 1+ 55 التى سبقتها نماذج دولية عديدة، حيث كان أقدم التطبيقات لهذا النموذج هو القمة الفرنسية – الإفريقية التى تنعقد بانتظام منذ أن افتتح الرئيس الفرنسى «جورج بومبيدو» أول قمة منها فى باريس فى شهر نوفمبر عام 1973، ثم منتدى التعاون الصينى – الإفريقى (فوكاك) الذى أنشئ عام 2000، والقمة الإفريقية - اليابانية «تيكاد»، والقمة الهندية – الإفريقية التى عقدت أول قمة فى نيودلهى عام 2008، والقمة الألمانية – الإفريقية، والقمة التركية – الإفريقية «تيكا»، والقمة الإيرانية – الإفريقية، وغيرها.
ومنذ تولى «بوتين» السلطة عام 1999، بدأت روسيا باستعادة حضورها الاقتصادى والسياسى فى إفريقيا، حيث احتلت إفريقيا المرتبة التاسعة بين قائمة المناطق العشرة الأكثر أهمية بالنسبة للمصالح الروسية وفقاً لوثيقة السياسة الخارجية التى صدرت فى عام 2008 ووقعها الرئيس السابق «ديمترى ميدفيديف»، كما أن وثيقة السياسة الخارجية للاتحاد الروسى التى وقعها الرئيس «بوتين» فى 2015-2016 قد نصت على أن روسيا ستتوسع فى علاقاتها مع دول قارة إفريقيا فى مختلف المجالات؛ سواءً على المستوى الثنائى أو المستوى الجماعي.
وتنظر موسكو إلى إفريقيا على أنها وجهة واعدة لتعزيز نشاطها فى مجال إنتاج النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى التى تزخر بها القارة، حيث تتراوح قيمة الاستثمارات الروسية فى إفريقيا ما بين 8 و10 مليارات دولار، وخلال الفترة من عام 2010 إلى عام 2017، ازداد مجموع الصادرات الروسية إلى إفريقيا بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً من 5 مليارات إلى نحو 15 مليار دولار.
كما يعكس تزايد الوجود العسكرى الروسى فى إفريقيا حجم الالتزام الروسى بالمشاركة فى عمليات حفظ السلام فى القارة الإفريقية، حيث يتجاوز حجم الجنود الروس المشاركين فى تلك العمليات حجم نظرائهم من دول فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن الترحيب الروسى بتسوية الخلافات والصراعات الإقليمية، بما يعزز استقرار وأمن المنطقة.
وقد قامت روسيا بإعفاء الدول الإفريقية من الديون بقيمة 16 مليار دولار فى عام 2008م، وإلغاء ديون بقيمة 20 مليار دولار فى عام 2012م، وتخفيض عبء الديون لعدد من دول القرن الإفريقي، فى إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وفى نفس الوقت قدمت مساعدات إنسانية لبلدان المنطقة، بما يشكل تطوراً إيجابياً فى مسار العلاقات الروسية مع دول المنطقة.
وفى الجانب الثقافى تلعب المراكز الثقافية الروسية للعلوم والثقافة دوراً فى تعزيز الوجود الروسى فى المنطقة؛ كما تقوم روسيا بتقديم المنح والتدريب للطلبة الأفارقة فى الجامعات الروسية، ففى عام 2017 درس أكثر من 1800 شاب إفريقى فى روسيا، وبشكل عام، هناك نحو 15 ألف شاب إفريقى يدرسون فى روسيا بشكل دائم منهم 4000 فى منح دراسية ممولَة من الحكومة الروسية.
القمة الدولية السابعة للرئيس من أجل إفريقيا
تضاف مشاركة الرئيس السيسى للرئيس بوتين فى رئاسة قمة روسيا – إفريقيا الأولى، إلى سجل حافل من نشاط الرئيس السيسى على المستوى الدولى من أجل قضايا ومصالح القارة الإفريقية منذ توليه رئاسة الاتحاد الإفريقى فى 10 فبراير 2019.
ومن أهم المؤتمرات الدولية التى شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه رئاسة الاتحاد الإفريقى:
مؤتمر ميونخ للأمن فى 15 فبراير 2019، حيث ألقى الرئيس السيسى كلمة خلال الجلسة الرئيسية للمؤتمر بمشاركة المستشارة الألمانية، ليكون أول رئيس دولة غير أوروبية يشارك بكلمة فى الجلسة الرئيسية منذ تأسيس المؤتمر عام 1963،وقد عرض الرئيس رؤية مصر لتعزيز العمل الإفريقى خلال المرحلة المقبلة، فى ضوء الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقي، عبر دفع التكامل الاقتصادى الإقليمى على مستوى القارة، وتسهيل حركة التجارة البينية، فى إطار أجندة إفريقيا 2063 للتنمية الشاملة والمستدامة، فضلاً عن تعزيز جهود إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات.
قمة الحزام والطريق ببكين فى 24 أبريل 2019 فى العاصمة الصينية بكين، حيث تحدث الرئيس باسم إفريقيا داعياً إلى مزيد من التعاون فى مجالات البنية التحية والتنمية الاقتصادية.
قمة مجموعة العشرين باليابان فى 27 / 6 / 2019 ، وطالب فيها الرئيس بتعزيز الدعم الدولى لجهود التنمية فى إفريقيا.
القمة 45 لمجموعة السبع الكبرى «G7» التى استضافتها مدينة «بياريتز» الفرنسية يومى 25 و26 أغسطس 2019، وألقى الرئيس السيسى كلمة أمام قمة شراكة مجموعة السبع وإفريقيا.
القمة السابعة لمؤتمر «تيكاد 7» فى الفترة من 28 إلى 30 أغسطس 2019 التى استضافتها العاصمة اليابانية طوكيو، وفى خطابه أمام المؤتمر قال الرئيس السيسى: إن عملية التكامل فى إفريقيا انطلقت بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين منذ إنشاء الاتحاد الإفريقى.
الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى بيان مصر أن التزام مصر بموضوعات الصحة امتد إلى القارة الإفريقية.