على صفحات مجلة «صباح الخير» نشرت مجموعة من الحوارات أجراها الكاتب أحمد هاشم الشريف مع الكاتب والأديب نجيب محفوظ قبل إعلان فوزه بجائزة نوبل، ثم بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل يوم الخميس 13 اكتوبر 1988 احتفلت به مؤسسة «روزاليوسف» بتجميع هذه الحوارات طبعها فى كتاب من إصدارات «كتاب صباح الخير» عام 1989 بعنوان «نجيب محفوظ محاورات قبل نوبل» واليوم أعيد إصدار طبعة جديدة لتجديد الاحتفاء به. دارت الأسئلة حول أعماله الأدبية التى تعكس صورة الطبقة المتوسطة والحارة المصرية وتاريخنا وهموم وأشواق وأشواك المجتمع المصرى، وحول آرائه الخاصة بالرؤساء (جمال عبد الناصر – أنور السادات – حسنى مبارك) وهجومه على الإخوان المسلمين والدعاة فى برامج الفضائيات والمتاجرة بالدين، أدار الحوار الكاتب أحمد هاشم الشريف على مقهى «على بابا» الذى طرح عليه حوالى220 سؤالا على عدة لقاءات على مقاهى القاهرة التى اعتاد محفوظ التواجد فيها، وصاحبهما باللقاء الفنان التشكيلى عبد العال. يصفه «الشريف» فى سطوره الأولى: «أن نجيب بسيط قنوع متواضع يهرب من كرسى العرش الى كرسى المقهى». انقسم الحوار بالكتاب إلى سبع محاورات، واكثر من حوالى 220 سؤالًا كان أولها ماذا تقول لنفسك وأنت تسير ساعة كاملة كل يوم متجها الى المقهى، هل تراجع نفسك؟ أجاب محفوظ: لو حاولت ذلك ستكون المراجعة طويلة، الروائى والأديب فى بلادنا غير مطلوب، ومع ذلك كتبى بفضل تعدد الطبعات تضمن لى أن أعيش متوسط الحال ولا أقارن مهنتى بغيرى، ونحن جيل أحسن حالا من جيل طه حسين والعقاد، فلم يكن بعصرهم تلفزيون الذى أخشى منه على مستقبل القراءة، وهوجة الانفتاح الاقتصادى ضعيت الثقافة والأدب، لذلك أتوقع لمستقبل الأدب أن يكون مثل الفن التشكيلى للصفوة، بالإضافة إلى أن الأزمة الأزلية وهى الصراع بين المثقف والسلطة، السياسى يقبل الأمر الواقع أما المثقف أو الأديب فصناعته رفض الأمر الواقع ومحاولة التغيير، وربما يكون التغيير ليس فى مصلحة استقرار السلطة وقوتها، لا يهمنى السلطة وليس لدى أى رغبة فى أى منصب قيادى». محفوظ والرؤساء ( عبد الناصر – السادات – حسنى مبارك) يجيب محفوظ: لم يكن بينى وبين عبدالناصر اختلافات سوى الديكتاتورية والتعذيب باستثناء ذلك نحن معه فى محو الأمية محاربة الإقطاع مجانية التعليم، أما السادات فلم تكن له سياسة مستقلة وإنما كانت رد فعل لعبد الناصر وأضاع ثمرة النصر والسلام فى الانفتاح الاستهلاكى والفساد رمى كل اللى عمله فى بئر، أفهم أن الانفتاح أنك تجيب مستلزمات إنتاج وإحلال وتجديد ولكن بهذه الصورة الانفتاح لا يفيد الا المستوردين، وفى المقابلات فى جريدة الأهرام مع السادات قالى «كفاك ماتنشره من يأس فى كتاباتك «عرفت سبب هذا الاعتراض بخصوص رواية بداية ونهاية أنى جعلت الضابط ينتحر واعتبره أنى أقصده الضباط عموما ينتحرون وكيف للضباط اللى عملوا ثورة ينتحروا! ومبارك سياسته قائمة على استخلاص إيجابيات فترة الناصرية والساداتية، اتصور أن مبارك يعيد ثورة يوليو الى الصورة التى كنا نأملها». الوصاية التى تفرض على الأفكار والحريات وعن دور الوصاية التى تمارس على الفكر من قبل جهات عديدة يقول محفوظ: وصاية من على من، كل اللى عاملين أوصياء ينتمون لعصر انهزم واتصفى، لابد من إطلاق حرية تكوين الأحزاب، وإجراء انتخابات حرة بالمعنى الحقيقى، ومع الأسف أقوى حزب اليوم هو التيار الدينى وهو حزب سياسى يشارك فيه المسيحيون، ولو أن الأقباط أذكى من أنهم يعملون حزبًا قبطيا لأنهم بذلك يحكمون على أنفسهم بأن يظلوا أقلية إلى الأبد، هم يعتمدون على الوطنية المصرية وليس على الطائفية. من مزايا الديمقراطية أنها تفتح باب الأمل وتعطى فرصة للأقلية حتى يصبحوا أغلبية، والديمقراطية ليست «برلمان وصحافة»، لابد أن تبدأ من نظام التعليم فى المدرسة، وتعليمنا قائم على التلقين والحفظ وأن يقوم التعليم على المناقشة وحرية الفكر، والعنصر الوحيد فى نجاح الديمقراطية هو حرية الصحافة التى أصبحت تعانى من قيود، حرية الصحافة هى العنوان الأبيض لديمقراطيتنا، والغريب أن نقيب الصحفيين إبراهيم نافع كتب مقالا ذكر فيها أن الحرية زادت عن الحد. التصوف فى رأى نجيب محفوظ أجاب نجيب محفوظ: أنا أخذت من المتصوفين أخلاقهم لأعيش بها فى الدنيا، ولذلك أقتنع بما حصلت عليه حتى لو ضاع كل شىء، مع ذلك أرفض أى تصوف يفقد الإنسان اهتمامه بالدنيا وحياة الناس، والمتصوفين قرفوا من الشر والظلم، عزلوا عن الدنيا، نقوا أنفسهم من كل شىء، واكتفوا بهذا النقاء، لأنهم يريدون الجنة. عن الفن والتغريب وعن حقيقة الفن يرى «محفوظ»: الفن يعبر عن شخصية الفنان بجميع عناصرها بما فيها العقل، وعندما يعبر الفنان للحرية المطلقة الخالية من أية قيود. فن مثل السريالية يعتمد على الانطباعات الغامضة، ويقوم صراحة على إلغاء العقل وأنا لا اعتبره فنا إنسانيا لأنه لايصلح للتواصل ولا نجد له أعمالا خالدة وجماهيرية مثل الكلاسيكى أو الرومانسى أو التعبيرى أو الرمزى، الفن التشكيلى هو الذى أوقع الأدب فى اتجاه مساره الغرب. الاختلاف فى رأى نجيب محفوظ والشعراوى حول النقاب وعن النقاب والتصادم بين نجيب محفوظ والشيخ الشعراوى الذى أبدى دافعا عن النقاب، يرى محفوظ أن ما يهمنا أن تتحلى بنتنا بالأخلاق والكرامة وهذا مقياس الفضيلة، وليس عن طريق ارتداء نوع من الملابس، ولذلك بعض الدعاة يتحدثون عن النقاب لاشغال الشباب بقضايا غير هامة، واللبس مسألة تافهة لا تستحق أن تضيع الوقت فى الجدل فيها، والنقاب «لزومه إيه» وكل الناس اللى بيفهموا قالوا إن النقاب ليس من الإسلام . لو كنت من علماء الدين ابتعد تماما عن مناقشة النقاب. وعن الاخوان المسلمين وظاهرة التطرف الفكرى يرى «محفوظ»: أنهم كانوا يريدون الجنة ولكن الآن تركيزهم على الإسلام السياسى وعايزين يحكموا ومع الأسف المتطرفين أصبحوا من صفوة المتعلمين وأنا لم أكن أتصور أن أرى شابا يمشى وراء أمير بجلباب! الأزهر ودوره فى التنوير وعن الأزهر يمدح فيه محفوظ أن للأزهر فى مجمل تاريخه دورًا كبيرًا فى حياتنا المحافظة على اللون والتراث والدين وقاد الأزهر الأزمات السياسية على مدار تاريخه، ولكن الأزهر له مظهران، مظهر تقدمى عصرى مستنير، مثلما حدث فترة الإمام محمد عبده، والمظهر الثانى يفرض وصاية وأقصد بالوصاية مثل الباباوية فى فترة منع الكتب وتقديم الناس للمحاكمة وحدث ذلك فى سوء فهم الأزهر للأديب طه حسين، الأئمة الكبار عودونا أن الخلاف فى الرأى يكون موضع مناقشة وليس موضع اتهام وتكفير الفكر، بمعنى أن الأزهر يقف مع التقدم تارة ويخاصم التقدم تارة أخرى، وفى رأيى الخاص ولا أفرضه على أحد أن الأزهر هذه الفترة يلعب الدور الثانى يخاصم الفكر وكأن الفكر بعبع لا نجاة منه إلا بأن نقتله أو نحبسه، رغم أن القرآن كله جدل ومناقشة مستمرة، بهذا الحال رجعنا بالحوار إلى الوراء. كل ما أريده أن يعود الأزهر منارة فكرية ودايمقراطية فى طرح الأفكار أيًا كانت كل الأفكار مطروحة للجدل وليس للسجن. وبعد حوالى 220 سؤالا يجيب عليها نجيب محفوظ بصراحته المعهودة يختم الكتاب بقراءة نقدية عن مشوار نجيب محفوظ الأدبى وتقسيم مراحله إبداعه وملامحه الشخصية الأديبة يقدمها الكاتب أحمد هاشم الشريف الذى أدار معه اللقاء الطويل كما نشر فى الصفحات الأخيرة النص الرسمى لحيثيات منح محفوظ جائزة نوبل، وكلمة نجيب محفوظ فى الأكاديمية السويدية.