فى 20 لجنة عامة ب8 محافظات.. العربية لحقوق الإنسان: البعثة الدولية ستتابع المرحلة الثانية من انتخابات النواب    فيه حاجة غلط، أستاذ سدود يكشف دعامات خرسانية حديثة وهبوط بجسم سد النهضة (صور)    تداول 15 ألف طن بضائع عامة بموانئ البحر الأحمر    أول وفاة بسلالة نادرة من إنفلونزا الطيور فى أمريكا والطيور البرية السبب.. اعرف التفاصيل    مصرع عامل إثر سقوطه من قطار بمركز إيتاى البارود في البحيرة    جهود صندوق مكافحة الإدمان × أسبوع.. 450 فعالية لرفع الوعى بخطورة المخدرات    وزير الصحة يتفقد تطوير مبنى العيادات الخارجية بمستشفى الجمهورية التعليمى    محمد صلاح يقود ليفربول أمام نوتنجهام فورست    صلاح يقود هجوم ليفربول أمام نوتنجهام فورست في البريميرليج    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    تشكيل بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني اليوم    غرفة الصناعات المعدنية: مصر شهدت طفرة غير مسبوقة في تطوير البنية التحتية ب 550 مليار دولار    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    القبض على 4 سائقين توك توك لاعتراضهم على غرامات حظر السير| فيديو    خاص بالفيديو .. ياسمين عبد العزيز: هقدم أكشن مع السقا في "خلي بالك من نفسك"    مؤتمر لاعب زيسكو: المعنويات مرتفعة وندرك مدى صعوبة الزمالك    «الرعاية الصحية»: حفظ الحياة يبدأ من وعي صغير وبرنامج الاستخدام الأمثل لمضادات الميكروبات برنامج استراتيجي    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    غزة والسودان والاستثمارات.. تفاصيل مباحثات وزير الخارجية ونظيره النيجيري    إصابة 4 أشخاص بنزلة معوية إثر تناول وجبة فاسدة فى الفيوم    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    ليست المرة الأولى لوقف إسلام كابونجا عن الغناء.. مصطفى كامل: حذرناه ولا مكان له بيننا    السيدة انتصار السيسي تشيد ببرنامج «دولة التلاوة» ودوره في تعزيز مكانة القرّاء المصريين واكتشاف المواهب    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    انطلاق معسكر مغامرات نيلوس لتنمية وعي الأطفال البيئي فى كفر الشيخ    التعليم العالي: معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    شهيد في غارة إسرائيلية جديدة على جنوب لبنان    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    وزير الثقافة يختتم فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    27 ديسمبر.. الحكم في اتهام مها الصغير في قضية اللوحات الفنية    مايان السيد: "عانيت من الخوف سنين ومعنديش مانع أتابع مع طبيب نفسي"    الإفتاء يوضح حكم التأمين على الحياة    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    يخدم 950 ألف نسمة.. وزير الإسكان يوجه بالإسراع في تنفيذ مجمع محطات مياه بالفيوم    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    إصابة 28 عاملا وعاملة فى حادث انقلاب سيارة بمركز سمسطا ببني سويف    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    تعافٍ في الجلسة الأخيرة، الأسهم الأمريكية تقفز 1% رغم الخسائر الأسبوعية    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    دعم العمالة المصرية بالخارج وتوفير وظائف.. جهود «العمل» في أسبوع    عاشور: زيارة الرئيس الكوري لجامعة القاهرة تؤكد نجاح رؤية الوزارة في تعزيز الشراكة العلمية    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم حي الضاحية في نابلس شمال الضفة الغربية    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة التصوف معين لا ينضب للإبداع
نشر في محيط يوم 01 - 07 - 2015

كتسب ثقافة التصوف مذاقا خاصا في شهر رمضان الفضيل فيما تشكل هذه الثقافة معينا لا ينضب لكثير من الإبداعات، وتطرح عديد من الأسئلة بقدر ما تقدم إجابات يمكن أن تؤسس لحوار جاد حول قضايا تهم البشر في كل مكان.
وفي شهر رمضان تحفل الصحف ووسائل الإعلام المصرية والعربية بعديد النفحات الصوفية والمقالات والطروحات التي تتناول الطرق الصوفية بأقلام مثقفين مصريين وعرب وأسماء رموز وإعلام التصوف، مثل محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي والحلاج وابن الفارض ورابعة العدوية وأبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي والسيد البدوي وصولا لعبد الحليم محمود ومحمد متولي الشعراوي وأحمد الطيب.
وها هو الكاتب عماد الغزالي يقول في جريدة الشروق القاهرية "كثيرا ما تستهويني أحوال الصوفية، أحبهم وأتفهم حالات الوجد والتوحد التي تتلبسهم" مستعرضا حالات لإعلام المتصوفة، مثل الحلاج الذي كانت مآساته عنوانا لمسرحية شعرية للشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور والنفري "صاحب الوقفات والمخاطبات" وابن الجوزي والسهروردي ناهيك عن أبو الحسن الشاذلي وأبو العباس المرسي.
وكان التصوف حاضرا بقوة في ملتقى ثقافي هام شهدته القاهرة مؤخرا وهو المؤتمر الدولي ال(18) للفلسفة الإسلامية، الذي نظمته كلية دار العلوم بجامعة القاهرة تحت عنوان "التربية الأخلاقية والتحديات المعاصرة".
واتفق عديد من الحضور في هذا المؤتمر على أهمية الدور الذي ينهض به التصوف في تعزيز قيم التسامح، فيما قال الدكتور محمد حفيان الأستاذ بجامعة السعيدة اليمنية إن التربية الأخلاقية في التصوف الإسلامي أصبحت الآن في بؤرة اهتمام الدرس النفسي والاجتماعي والديني لافتا لدور التصوف في مواجهة التطرف.
وحتى في الثقافة الغربية ثمة اهتمام كبير وواضح بالتصوف ويعكف بعض المفكرين هناك خاصة من المتخصصين في قضايا التصوف والصوفية على بحث دور التصوف في تذليل العقبات أمام الحوار بين المختلفين دينيا وعقائديا مثل ذلك الكتاب الذي أصدره المستشرق الإيطالي وأستاذ التصوف الإسلامي الدكتور جوزيف سكاتولين بعنوان؛ "تأملات في التصوف والحوار الديني".
وإذا كان المستشرق الفرنسي الراحل لويس ماسينيون قد اشتهر بكتابه الصادر في جزأين بعنوان:"عذاب الحلاج شهيد التصوف في الإسلام" فإن للدكتور جوزيف سكاتولين عدة كتب وإصدارات في التصوف منها:"ديوان ابن الفارض" والتجليات الروحية في الإسلام"، وكذلك جاء كتابه الجديد "تأملات في التصوف والحوار الديني" في جزءين يتناول الجزء الأول موضوع الحوار الديني وأبعاده في عصر العولمة بينما يركز الجزء الثاني على عالم التصوف والحياة الدينية الروحية.
وإذا كان المعنيون بالتصوف يذكرون بالحقيقة التي تقول إن "الذين تركوا بصمات واضحة وثابتة في الثقافة الإسلامية هم العلماء الذين جمعوا بين قلب الصوفي وعقل الفيلسوف لأن القلوب ترطب حسابات العقول ولأن العقول تضبط خطرات القلوب"، فإن هذه الحقيقة دالة على أهمية المزج ما بين القواعد العلمية الذوقية والمصطلحات الفنية المشتقة من صميم التجربة الوجدانية الصوفية المتميزة.
وفيما تحمل كلمات كتاب بصحف مصرية وعربية في شهر رمضان أنفاسا صوفية محببة فإن هناك عديد من الكتب التي صدرت لكتاب معاصرين عن ثقافة التصوف والصوفية المحلقين بالحب للخالق الواحد الأحد في هذا الكون، وقد تكشف بعض هذه الكتب عن جوانب طريفة مثل علاقة المتصوفة بالموسيقى.
وفي كتاب "كتب وناس" يقول الكاتب والروائي الراحل خيري شلبي إن تحرر الموسيقى الغنائية المصرية من الروح التركية بدأ بشكل مكثف في أوائل القرن العشرين على أيدي الطرق الصوفية.. موضحا أن هذه الطرق استخدمت الموسيقى عن وعي عميق يحكمه دور مقصود.
وحسب رؤية خيري شلبي، فإن الطرق الصوفية أعادت الموسيقى إلى أصولها كعنصر فاعل في توصيل الذاكرين لمرتبة الوجد الصوفي ووضعوا مقامات شهيرة وقسموا هذه المقامات تبعا لمراحل بلوغ الوجد الصوفي.
وكان المنشد في حلقات الذكر يمسك بمفاتيح أجساد الذاكرين تبعا لقوة موهبته الصوتية ودرجة ثرائه النغمي فينفض الأجساد نفضا:يحولهم على أوتاره الصوتية إلى ريش في مهب الريح ولم تكن جهود المنشدين - كما يؤكد خيري شلبي - نابعة من فراغ أو قائمة على اجتهاد عشوائي يتصادف نجاحه إنما هناك أكبر رصيد علمي موسيقي في التاريخ العربي الحديث سكت عنه المؤرخون لسبب أو لآخر ذلك هو رصيد "جماعة إخوان الصفا".
وهذه الجماعة كانت تضم لفيفا من خيرة كبار المثقفين والأدباء ولاسيما ذوي الميول الصوفية، وكلهم كانوا على درجة عالية جدا من الثقافة الرفيعة والتقدم العلمي المذهل في الفلسفة والرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء وعلوم اللغة والتفسير والحديث، وقبل ذلك علم الكلام وهى شخصيات من طراز أبي حيان التوحيدي.
ومن يقرأ رسائل إخوان الصفا يفاجأ بأن رسالتهم في الموسيقى رسالة فذة حتى أن الكاتب الراحل خيري شلبي وصفها بأنها لم يسبق لها مثيل في الدقة العلمية والوصول باللغة العربية إلى مرحلة من الشفافية استطاعت به تقنين ما لا يخضع لقانون.
رسالة "إخوان الصفا" عن الموسيقى - كما قال الكاتب الراحل خيري شلبي - كانت ولا تزال أهم مصدر لدراسة هذا الفن واستلهامه إبداعيا ومما لا شك فيه أن تلاميذهم ومريديهم ودراويشهم من الأجيال التالية قد ورثوا هذا العلم وأضافوا إليه وأبدعوا من خلاله ووظفوه في خدمة الروح الإنسانية وتهذيب النفوس أعظم توظيف.
وللصوفي الشهير محيي الدين بن عربي قول مأثور ضمن رسالة كاملة من مأثوراته حيث يقول:"كل فن لا يخدم علما لا يعول عليه"، وفي ضوء هذه المقولة يتبين أن إبداع الصوفية في الموسيقى كان يخدم علم الموسيقى".
ومن عباءة المنشدين خرج الذين طوروا الغناء العربي ووصلوا به إلى ذروة عالية من القدرة على التأثير القوى في الوجدان حتى أن الذين نبغوا في الغناء الدنيوي هم أولئك الذين هضموا المقامات الصوفية واستوعبوا تجلياتها كابرا عن كابر كما يقول التعبير العربي الشهير، ومعظمهم كان يعمل في بطانات المنشدين القدامى ثم أصبحوا بدورهم إعلاما لهم بطاناتهم الخاص التي يتخرج فيها إعلام جدد، فليس صدفة إذن أن إعلام فن الموسيقى والغناء في مصر في أوائل القرن العشرين وأواسطه كانوا شيوخا ومنشدين مثل الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب والشيخ درويش الحريري والشيخ يوسف المنيلاوي والشيخ محمود صبح والشيخ أبو العلا محمد والشيخ على محمود والشيخ زكريا أحمد والشيخ سيد درويش.
ومن هنا لم يكن من الغريب أن يلفت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين للأهمية الثقافية لفنون التلاوة والتجويد والإنشاد والموسيقى على وجه العموم كتشكيل للزمان، وهو مجال أسهم فيه المتصوفة بالكثير بقدر ما تتوزع إسهاماتهم الثقافية على مجالات عدة وبعضها لا يخلو من تداخل وتشابك مثل مجالات البلاغة والفن والجمال.
وكما في نشوة الصبا تبدع اللغة أجمل الأشياء فإن الصوفية الحقة وهى تحمل المتعة الروحية والراحة والسلوى من آلام الحياة تقترن أيضا بالتفاؤل والإيجابية، فيما سيبقى دور الطرق الصوفية في نشر الإسلام بأفريقيا وآسيا محفورا بحروف من مجد في الذاكرة الإيمانية للأمة.
وتجليات المشاعر الصوفية قد تجعل بعض الناس من أصحاب الأذواق الرفيعة يحسون بالحقيقة كما لو كانت شيئا ماديا وعندئذ تختلط المادة بالمجرد، فإذا بهؤلاء الذين لا يتصورون المجرد يبصرونه ويلمسونه وقد انزاح الفاصل بين المجرد والمادي.
وللكلمة عند الصوفية مجد وأي مجد، ولعل فهم ثقافة التصوف يقدم إجابة لسؤال مثل:"كيف يمكن لكلمة بفضل ما تعنيه من شكل وموسيقى وعلاقة بغيرها من الكلمات أن تكون صاحبة شخصية ككائن حي وقوة سحرية بقدر ما تعبر عن نفس إنسانية"؟!.
وثمة حاجة أيضا لفهم الأسس الفلسفية للمتصوفة والتنظير المعرفي - الوجداني لحقيقة السجال بين "أهل الظاهر وأهل الباطن" فيما يؤكد أصحاب الأقلام من المتصوفة على أنه "من الخطأ تناول المسألة وكأن هناك منافاة حقيقية بين أهل الحق من كلا الجانبين".
ويقول الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية ومستشار الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف "الأزهر تعانق منذ 8 قرون مع الصوفية لما تمثله من قيم روحية وأخلاقية".. موضحا أن "التصوف الحق قوة بالمعنى الاجتماعي".
وقد يكون أحد أسباب الالتباسات في العلاقة بين التصوف والشريعة أو بين ما يسمى "بأهل الحقيقة وأهل الشريعة" أن "البعض من المتصوفة يتحدث عن التصوف بصورة جعلت الآخرين يظنون خطأ أنه دين آخر داخل الدين فنفروا وتخوفوا منه"، وثمة اتفاق على أن هؤلاء الذين أساءوا للتصوف من داخله "لم يأخذوا منه إلا اسمه ورسمه" مع تأكيدات واجبة على أن "الصوفي الحق هو الذي كملت لديه التربية النبوية والأخلاقية تماما كما أنه لا تصوف بلا تشرع".
وحسب تقديرات الدكتور عبد الهادي القصبي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر فإن عدد المتصوفة على مستوى العالم ككل في ضوء البيانات المتاحة يصل إلى 200 مليون شخص فيما ينوه الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي الأستاذ بجامعة القاهرة بانخراط عديد من المتصوفة المصريين في الأنشطة الثورية ذات الطابع الوطني.
وإذا كان الدكتور حسن الشافعي قد ذهب إلى أن "التصوف الحقيقي هو أقوى القوى الاجتماعية في العالم الإسلامي"، فإن هناك حاجة ماسة لتأمل الصورة الحقيقية للصوفية بكل زواياها وعمقها التاريخي واستخدام أدوات معرفية عربية - إسلامية في التفسير والتحليل والتنظير بدلا من الاعتماد المخجل على أدوات الباحثين في الغرب ناهيك عن أن هذه التبعية تؤدي لمزيد من الهيمنة الغربية والتشوهات البنيوية والضلال المعرفي وهى مسألة مختلفة عن التواصل المطلوب والانفتاح المنشود من موقع الندية لا التبعية وبإدراك أصيل للحقيقة المتمثلة في أن أي نص يتكون أصلا في مجال ثقافي هو بدوره جزء من بنية مجتمع.
وإذ يدرك الغرب أن التصوف جزء حيوي في نسيج العالم الإسلامي ومن ثم فهو أحد العوامل المؤثرة في تشكيل الخطاب الثقافي والعلاقات الدولية فاللافت بالفعل أن التصوف الإسلامي أمسى موضع دراسات متعددة في جامعات الغرب وتتردد هناك مصطلحات مثل سياسات التصوف وانعكاساتها على الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط كما تتردد أسماء الطرق والجماعات الصوفية في هذه الدراسات مثل النقشبندية والجيلانية والقادرية.
ومن الذي بمقدوره أن ينكر دور الحركات الصوفية في نشر الإسلام في أفريقيا وبآسيا الوسطى ووصولا لنهر الفولجا في روسيا وحتى تخوم الصين، وأن الصوفية في جوهرها كما أشار الإمام أبو حامد الغزالي منذ القرن ال(11) الميلادي هي علاقة بالغة الخصوصية بين العبد والرب؟!.
ويمكن الانطلاق من هذا التوصيف للقول إن التصوف الحق يوسع من نطاق الحرية الإنسانية ويخدم قضية الحرية في مواجهة كل أشكال الطغيان فيما لا يجوز تناسي أن أحد الأسئلة الكبرى لثقافة التصوف كجزء من التقاليد المعرفية الإسلامية ككل وهو:"كيف السبيل للمعرفة الحقة وما الذي نستطيعه ويجوز لنا معرفته كبشر؟".
فالتصوف الحق ثورة إنسانية تماما كما أن عملية النمو الروحي بكل مجاهداتها ومجالداتها هي اختيار للإنسان بكامل حريته وملء إرادته ولا يجوز فرضها من خارج الإنسان ولا موضع فيها لنفاق أو مراءة ومن ثم فهى "عملية ديمقراطية تماما".
ويضع الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية وأحد رموز تيار التصوف المعاصر في مصر يده على نقطة بالغة الأهمية بقوله إن "التغيير الثوري إن اقتصر على الجانب السياسي فلن يحل المشكلة الأساسية.. فالتغيير لابد وأن يكون أخلاقيا".
فالعلاقة بين الصوفية وطلب الحق والحقيقة وثيقة للغاية بقدر ما تصب في مجرى ثورة العقل والضمير والوجدان وتؤسس لمزيد من ثقافة السؤال وتشد بالفضول المعرفي باحثين غربيين للكتابة عن مصر المتصوفة.
وفي دراسة مستفيضة للرؤية النقدية لابن خلدون للصوفية على مستوى الخطاب والفلسفة والسياسة - أظهر الباحث جيمس ونستون موريس المتخصص في الفلسفة الإسلامية والحاصل على الدكتوراه في لغات وحضارات الشرق الأدنى من جامعة هارفارد اهتماما كبيرا بالجوانب والأبعاد الاجتماعية - السياسية والمعرفية للصوفية.. مؤكدا أن التصوف كان بمثابة المعين الصافي والمنجم الثري للعديد من التجليات والصيغ الإبداعية البعيدة الأثر في الثقافة والحياة بالعالم الإسلامي.
وهكذا لم يكن من الغريب أو المدهش أن يقف مفكر في حجم وقامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع أمام التصوف بالتأمل والتحليل عبر الإبحار في هذه الموجات الإبداعية المتشابكة والمعبرة عن الأبعاد الثقافية للتصوف بجذوره العميقة في الوجدان العربي - الإسلامي.
وعلى طريق المعرفة - ولج مفكرون مصريون وعرب من أبواب ثقافة التصوف ساعين للنهل من هذا العالم الثري وتحتفظ الذاكرة الثقافية العربية بإسهامات جليلة لأستاذ الفلسفة الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي صاحب كتاب "شهيدة العشق الإلهي".
وكان الأديب المصري الراحل الدكتور زكي مبارك قد قدم للمكتبة العربية كتاب "بين التصوف والأدب" كما قدم الإمام الأكبر الراحل وشيخ الجامع الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود سلسلة غنية من كتب التصوف والثقافة الصوفية فيما أبحر صاحب نوبل وهرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ في التصوف ضمن بحاره الإبداعية كما يتبدى على وجه الخصوص في رواية "ليالي ألف ليلة".
وإذا كان السؤال المؤرق للمبدع العظيم نجيب محفوظ قد انصب على النظام الذي يحكم الكون فإن إجابته الإبداعية على هذا السؤال الكبير والتي تجلت في إبداعات روائية عديدة إنما اعتمدت إلى حد كبير على معين التصوف وإشراقات الصوفية.
وأوضح الباحث جيمس موريس أن العقدين الأخيرين شهدا اهتماما غير عادى على مستوى دوائر البحث في الغرب بأعمال الشيخ الأكبر للصوفية محيي الدين بن عربي بل إنه يصف هذا الجهد البحثي "بالجهد المتعدد الجنسيات لمؤرخين ومثقفين وباحثين في تخصصات مختلفة بما يعبر عن حقيقة تعدد إبداعات بن عربي في حقول ومجالات مختلفة من بينها الشعر.
وذهب موريس إلى أن المحور الأساسي في فكر محيي الدين بن عربي ومفسريه وشارحيه هو الشمول المطلق لعمليات وأنشطة الحياة الروحية الإنسانية ونموها والضاربة بجذورها في أعماق وعي كل إنسان أو "الطاقة المطمورة".
واللافت أن هناك تيارا مؤثرا في الدوائر الثقافية الغربية المعنية بالشرق انكب منذ زمن بعيد على تقصي ودراسة الإنجازات الإبداعية للتصوف الإسلامي وانعكاساتها على الحياة اليومية للعرب والمسلمين فيما ينوه موريس في دراسته التي نشرتها دورية جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة بأن هذا الاهتمام يعكس فهما للحقيقة المتمثلة في أن هذه التجليات الإبداعية لثقافة التصوف نهضت بدور بالغ الأهمية في تشكيل تصورات ومفاهيم كتلة هائلة من سكان العالم الإسلامي.
وإذا كانت الثقافة الصوفية في أحد معانيها قراءة مجاهدة للذات والوجود ثم الكتابة أو الشهادة بعد هذه القراءة فإن تلك الثقافة لها مذاقها المحبب دوما في شهر رمضان ونفحاته المباركة بقدر ما تنطوي على أهمية في موضوع هام كتجديد الخطاب الديني.. حقا ما أروع قلب ينهل من شهد المحبة ويذوب عشقا وشوقا لحبيب ليس كمثله حبيب.. ما أروعه من قال:"ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير.. وإنما العجب من حبك لي وأنت الملك القدير".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.