كشف اللواء رضا يعقوب المدير السابق لإدارة مكافحة الإرهاب الدولى بوزارة الداخلية ل«روزاليوسف»، عن أهم الأسباب التى تدفع المنظمات الإرهابية للجوء إلى التفجير الانتحارى بدلاً من المواجهات المباشرة مع قوات الشرطة والجيش، مؤكدًا أن الخسائر التى تتكبدها الجماعات الإرهابية فى إعداد الانتحارى لا تتعدى ال150 دولارا، فى حين أن المواجهات المباشرة لا تحقق أهدافهم التى أنشئت على إثرها هذه التنظيمات، مشددًا على أن الجماعات تستغل الأوضاع الحالية التى يمر بها الوطن العربى، وتدنى الخطاب الدينى، وعدم وعى هؤلاء الشباب بأمور دينهم، فمن ثم وجدوا ضالتها فى الانتماء لجماعة متطرفة تحتويها، وهؤلاء الضائعون يعدون صيدًا ثمينًا بالنسبة للأفراد الذين يقومون بعملية التجنيد فى الجماعات الإرهابية. ■ ما هى الأسباب التى تدفع المنظمات الإرهابية للجوء إلى التفجير الانتحارى؟ - أظهرت الدراسات أن الانتحارى يقتل تقريبًا 4 أضعاف القتلى من أى عملية إرهابية أخرى، لسهولة اندماجه بالمدنيين ولزيادة دقة إصابة الأهداف، إذ يفجر الإرهابى نفسه حين يرى أكبر تجمع بشرى، كما تقل فرصة إلقاء القبض عليه وعدم إفشاء أسرار المنظمة الإرهابية للسلطات، فضلاً عن أن عملية التفجير الانتحارى أقل فى التكلفة ولا تحتاج لأجهزة تحكم إلكترونية معقدة ووجود خبراء فى فك تشفير الأنظمة الأمنية لاختراق الشبكات أو محترفين فى التسلل لزرع القنابل فى الأهداف التى تكاد تكون مستحيلة مع تطور الأنظمة الأمنية حديثًا، مع سرعة التجهيز والتخطيط للعملية وكل ما يحتاجونه فقط المنتحر، وبأجر ضئيل يصل فى بعض الأحيان إلى 150 دولارا. ■ كيف يتم إقناع الانتحارى بفعلته؟ - تقوم المنظمات الإرهابية بتهيئة الضحية للتضحية بالنفس، بسلخه عن هويته الذاتية، وصهره فى الجسم الجماعى، ثم غرس الاتجاه إلى احتقار الحاضر والتعلق بالبشائر القادمة مستقبلاً، ووضع حجاب بينه وبين الحقائق، مع شحنه بالعواطف المتفجرة على نحو يجعل من المستحيل عليه أن يعيش مع نفسه، فضلاً عن أن نظام المؤسسات الإرهابية تقوم بغسل عقول المنضمين إليهم، بزرع الكراهية وجعلهم يتبنون أنماط السلوك المتشابهة فى المجموعة، حتى يصبح الشخص مؤمنًا صادقًا، والذى يقال عنهم إن اعتقاد المؤمن الصادق بعصمة العقيدة التى يعتنقها تجعله لا يقيم أى وزن للشكوك أو المفاجآت أو الحقائق غير السارة التى يمتلئ بها العالم من حوله، وهى تحقق هذا الهدف بتصوير عقيدتها فى صورة الكمال المطلق الذى لا توجد أية حقيقة أو يقين سواه، بينما فى الحقيقة هم لا يقاربون حتى طرف الحقيقة، وذلك لاتباعهم الصورة المحرفة من الدين الداعية للقتل والإرهاب والتى خالفت معتقدات الجمهور الإسلامى الوسطى، والتى تكافئ نقمتهم على المجتمع، وتجمل فى عيونهم مشاهد القتل الجائر، فتزين المنظمة للفرد الموت فى سبيل معتقداتهم وتطمس حقيقة الموت والقتل المرعبة من قلوبهم بإيهامهم بأنهم يشاركون فى صناعة منظر باهر وملحمى، وهذه كلها وسائل لفصل الإرهابى عن نفسه الحقيقية المكونة لمشاعر البشر، كما تستخدم التنظيمات القادمين من الخارج لإجراء عملياتهم الانتحارية مستغلين ضعفهم فى العلوم الشرعية، والذى يسهل عليهم عملية غسيل الفكر، وكذلك ظروفهم المادية التى جاءوا من أجلها. ■ متى تبدأ المنظمات الإرهابية فى جذب الانتحارى إلى جماعتهم؟ - بداية الطريق إلى الإرهاب تبدأ فى مرحلة مبكرة من العمر، ويظهر فى شعور قوى بالاغتراب وشعور الشخص بأنه ضحية، والإيمان بأن تصرفات وأفعال وجرائم العدو غير الأخلاقية تبرر استخدام العنف ضده، فى إطار البحث عن نموذج أخلاقى أعلى وأنقى مما هو موجود فى المجتمع، ولاحظ الباحثون أن بعض الإرهابيين لديهم عقلية إجرامية وعاشوا فترات من حياتهم كمجرمين فعليًا. ■ إذا ما هى أنواع الإرهابيين؟ - الإرهابيون ثلاثة أنواع: «المثاليون» الذين يتحركون بدافع معاناة المجموعة التى ينتمون إليها، و«المستجيبون» الذين يتصرفون ويتفاعلون بناء على أفعال المجموعة التى ينتمون إليها، كما يمكن أن تستجيب تلك الفئة لصدمة فردية، مثل إساءة المعاملة أثناء الطفولة، سواء جسديًا، أو نفسياً، أو جنسيًا، و»الضائعون» أو «النفوس الضائعة» وهى فئة جرفها التيار بعيدًا عن المجتمع «فئة منعزلة»، ومن ثم وجدت ضالتها فى الانتماء لجماعة متطرفة تحتويها، وهؤلاء الضائعون يعدون صيدًا ثمينًا بالنسبة للأفراد الذين يقومون بعملية التجنيد فى الجماعات الإرهابية. ■ ما المسارات العامة التى يسلكها الإرهابى عادة؟ - هناك أربعة مسارات ينتهجونها هى: «مسار الثوريين» الذين يبقون على ولائهم لقضية واحدة لا تتغير عبر الوقت، و«مسار المتجولين» الذين ينضمون لجماعة متطرفة بعد الأخرى، بغض النظر عن قضية كل جماعة، و«مسار المتحولين» الذين ينفصلون عن ماضيهم فجأة لينضموا إلى جماعة متطرفة، و»مسار المطيعين» حيث يرجع انضمامهم إلى إقناع تم عبر أصدقائهم أو أقاربهم أو أحد أحبائهم. ■ ما الظروف التى يمكن أن يغادر الإرهابى عندها التنظيمات الإرهابية دون أن يهجر معتقداتهم ووجهات نظرهم المتطرفة؟ - الإرهابى يهجر الجماعة بعد إصابته بيأس وخيبة أمل بالغتين بعد اصطدامه بحقيقة التنظيم نفسه، واكتشافه أنه يبتعد تمامًا عما تخيله أو عما يروج له، فغالبًا أثناء عملية التجنيد، يتم إقناع المتطرف بمدى الإثارة والمغامرة التى تنتظره، وبالفرصة التى أتته كى يغير العالم، إلا أنه سرعان ما يكتشف أنه انضم لمجموعة عادية من الأشخاص، أما الذين يضطرون للبقاء خارج الجماعة، فيعانون ضغطًا شديدًا من الحياة المزدوجة التى يعيشونها، حيث يكتشف بعضهم أن أولوياته تغيرت، وأنه يريد الزواج وتأسيس أسرة، وأن أهداف الجماعة لم تعد قابلة لأن تتحقق، فأحد أعضاء تنظيم القاعدة أصيب بالفزع عندما وصل إلى أفغانستان ووجد أن القاعدة تجبر الأطفال والشيوخ على خوض المعارك، فجأة شعر بأن ذلك التنظيم الذى كان بالنسبة له أنبل شىء فى الوجود، كالبيت الزجاجى، شرع فى التحطم إثر أول حجر ألقى ناحيته.