تمر الأيام ويأتى اليوم ليذكرنا برحيل فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى عن عمر يناهز سبعة وثمانين عاما حيث توفى فى 17-6-1989. ويعد الشعراوى من العلماء الأجلاء الذين ساهموا فى تفسير القرآن الكريم ببراعة ويسر حيث استطاع أن يحفر اسمه فى التاريخ، حفظ القرآن فى الحادية عشرة من عمره حيث نشأ بقريته دقادوس وتدرج فى التعليم حتى حصل على الإجازة العالمية 1941م، ثم حصل على شهادة العالمية «الدكتوراة» مع إجازة التدريس 1942م. وتوالى عدة مناصب أهمها، وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر بجمهورية مصر العربية 1976م. ثم عين عضوا بمجمع البحوث الإسلامية 1980م واختير عضوا بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية 1980م، رفض منصب مشيخة الأزهر وكذا مناصب فى عدد من الدول الإسلامية وقرر التفرغ للدعوة. شارك عام 1934 فى حركة تمرد طلاب الأزهر لإعادة الشيخ المراغى إلى مشيخة الأزهر، وأودع بالسجن الانفرادى فى الزقازيق بتهمة العيب فى الذات الملكية بعد نشره مقالا يهاجم فيه الملك لمواقفه من الأزهر.. ذاع صيته من خلال برنامج نور على نور بالتليفزيون المصرى لينتقل إلى برامج وإذاعات العالم الإسلامى جميعها. لقد عاش محباً للخير عطوفا على الفقراء متواضعا يتحلى بخلق القرآن فأحبه الناس واحترموه وأجلوه وقدروه جمع بين روح الدعابة والبساطة وقوة الشخصية ووقار الشيخ.. روزاليوسف حاولت معرفة بعض التفاصيل والمواقف المتعلقة بالشيخ حيث التقت عددًا من أصدقائه ومحبيه. قال الدكتور محمود معوض جامع تربطنى بالشيخ علاقة صداقة وطيدة حيث امتدت صداقتى للشيخ منذ أن كان مدرساً فى جامعة طنطا وأنا كنت طالب ولم تنقطع الصداقة بيننا بل كانت كل يوم فى ازدياد، وكان الشيخ يعتز بنفسه ويعتمد على شخصيته وكان كثير الإطلاع على أمور الحياة ومتغيرات العصر، وكان الأساس عنده القرآن الكريم قرأة وتفسيراً وشريعة أى كان يختلق بخلق القرآن، ولم يكن منغلقًا على نفسه بل كان متفتحًا على كل الاتجاهات وكل الأعمار وكل الأديان له مثلاً ليس له تعلق بالدنيا ولا ينبهر بالمظاهر وكان خلقه الشريعة والسنة. وأضاف كان يقرأ فى كتب المسيحية واليهودية وغيرها ويقوم بعمل مناظرات فى الحدود التى لا يكون فيها تعصب، وقد حضرت له مناظرات كثيره فى فرنسا وانجلترا أجراها مع جماعات دينية وفى أمريكا ليثبت أن الإسلام دين السماحة وليس دين العنف والإكراه والديكتاتورية والتسلط إنما دين الإقناع والرحمة وكان ينجح فى المناظرة ويغلب من يناظرونه ببراعة جعلت الكثير والكثير يحضر له وتذاع تكرارا فى القنوات الغربية والإسلامية. وأشار أن الشيخ محمد متولى الشعراوى فى شبابه لم يكن شابا عاديًا بل كانت له مواقفه، وكان يشارك فى العديد من المظاهرات بل ويقودها بنفسه حيث كان وفدياً صميمًا ينتمى لحزب الوفد، وكان محباً للنحاس باشا جداً وأذكر فى إحدى المرات أن النحاس باشا جاء بالقطار فى طنطا وسأل على الشعراوى وعلم أنه مريض فنزل من القطار وذهب إليه فى منزله وكان الشعراوى فى مرحلة صغيرة من العمر أى فى العشرينيات. فكانت علاقة الصداقة بينه وبين النحاس باشا وطيدة فكان يقبل يد النحاس باشا كلما راءه منذ أن كان طالباً فى الأزهر وكان هناك موقف ظريف حيث شاهد النحاس باشا عقب حصوله على عالمية الأزهر، فسلم على النحاس باشا ولم يقبل يده وكأنه أحس أنه أصبح ذو «مقام عالى» ولا يصح أن يقبل يدى أحد فقال له النحاس باشا على الفور قبل يدى ياولد، وبالفعل قبل يده على الفور وتلك الواقعة حدثت أمامى. وله قصة أيضاً عندما أصيبت الجزائر بالقحط فجمع الناس وصلى صلاة من أجل تساقط المياه وبالفعل نزل المطر بعدما جمع الناس ودعا وكان القحط والجفاف سيأكل الأرض فى الستينيات فنزلت المياه وغمرت الجزائر. السعودية وأرادت نقل مقام سيدنا إبراهيم من الكعبة بحجة أنه يزحم المكان ويعطل المطاف وأرادوا نقل المقام لمكان آخر، فثار الشيخ الشعراوى رحمة الله ثورة عارمة وأرسل برقية للملك فيصل وكلمه فى التليفون وقال هذا لا يصح مقامه داخل الكعبة موجود فى القرآن ولايمكن نقله، واستجاب له الملك فيصل ولم ينقل المقام وكان صاحب الفضل الشعراوى. وعندما كان وزيرًا للأوقاف رفض أن يجلس على المكتب الفخم الخاص به كوزير بل كان يجلس على الأرض، ويأخذ البسطة وهو على الأرض كان يقصد حتى لا يتكبر على الناس وليذكر نفسه دائما أنه رجل بسيط. عندما عين فى إدارة الوعظ أخذ طريق الدعوة عندما يشعر بالتكبر كان يذهب إلى بلدته ويمسك الفأس ويفحت حتى تنكسر نفسه، وكان يذهب لتنظيف دورات المياه فى المساجد وشاهدته بعينى فى مسجد الحسين ينظف دورات المياه وهو مدرس فى الأزهر. وعن أكثر ما كان يؤلم الشعراوى ويبكيه هو فقدانه لزوجته حيث كان يحب زوجته وأبناءه وتزوج الشعراوى وهو فى الثانوية بناء على رغبة والده الذى اختار له زوجته، لينجب ثلاثة أولاد وبنتين، الأولاد هم سامى وعبدالرحيم وأحمد، والبنتان فاطمة وصالحة. وعن دوره فى توبة بعض الفنانات قال لقد شاهدت أمامى مشهدين حيث كنا نؤدى العمرة معاً ووجدنا الفنانة شادية فى الأسانسير وجاءت لها حالة عصبية عندما شاهدت الشيخ الشعراوى وقالت له إنها تابت وستأتى لزيارته وبالفعل رحب الشعراوى واستقبلها فى منزله ودعاها للهداية وبارك لها طريقها الجديد وثبتها عليه. وأيضاً كنا فى فندق الحرم بالمدينة المنورة وراته الراقصة تحية كاريوكا حيث كانت قد تحجبت وقتها وشاهدت الشعراوى فنادته وأخذت تهرول إليه واخترقت الصف وذهبت إليه وقالت له ضاحكة «انصب طولك وشوف الناس اللى بتنادى عليك أنا كل الناس تحب تكلمنى» فقال لها لو أعرف أنك انتى لجئت إليكى راقصاً «فضحكت وزارته وثبتت على يديه وحفظت القرآن وأصبحت شخصية أخرى وايضاً الفنانة وسهير البابلى. وكان ثابتًا على مبادئه واتذكر أن زوجة مفيد فوزى الإعلامى طلبت إجراء حوار معه فطلب منها أن تتحجب قبل أن تأتى إليه وبالفعل ذهبت لزيارته وتحجبت حتى تقابله وأخذت منه حديثًا. وكان الشعراوى يحب أن ينفق على طلاب العلم وعمل مؤسسة وعيادة ومدرسة فى قريته من نفقته الخاصة وعن زيارة الناس لقبره قال: الناس تزور قبره تبركا به وهو إنشاء مسجد ومعهد دينى ومستشفى وعيادات طبية على نفقته الخاصة وكانت إيرادته كلها للخير وكان له محبون من جميع دول العالم ظل لآخر لحظة فى حياته يدعو ويكتب كتبا للعلم. وحقيقة ما تردد حول لحظة وفاته قال وقت صعود روحه جاء أولاده لرؤيته فطلب منهم الخروج وبقى معه ابنه ليلقنه الشهادة، وقال أشهد أن لا إله إلا الله وظل يرددها فندهش نجله وطلب منه اكمالها ولكنه رددها أكثر من مرة دون أن يكملها ثم أشار بإصبعه تجاه الحائط وكأنه يرى أحدًا بالحجرة، وقال وإنك رسول الله وشاهدانه من وراء الباب وكأنه يرى الرسول «ص» لا أحد يقدر أن يوفى الشعراوى رحمه الله حقه، تاريخه، وشخصيته، والخير الذى قدمه كان فاتح بيوت، وجميع مكاسبه كان ينفقها فى سبيل الله. وعن منصب رئيس الجمهورية فى نظر الشعراوى أكد قاعود أنه كان يرى دائما أن منصب رئيس الجمهورية هو اختبار من الله يعطى الملك لشخص ليرى ماذا سيفعل. وعن بعض الاتهامات التى وجهها له البعض تلك الأيام وهى عدم العمل على تنقية التراث الإسلامى من الأحاديث غير المؤكدة قال قاعود إنه لايوجد شىء اسمه تنقية التراث بل التراث سمى بهذا الاسم لانه مثل التاريخ يجب أن يذكر ويترك بكل مافيها لهذا سمى تراثًا ليبقى كما هو بأخطائه اللغوية واللفظية فمثلا هل يمكن تغيير أن هناك حملة فرنسية بكل مافيها من أخطاء أى تاريخ به الحلو والوحش فليس من المنطقى تغير أو تنقية التاريخ وأضاف أن الشعراوى رحمة الله كان يعتمد فى التفسير على دراسته للغة العربية ودراسته الأزهرية وقرأة إحدى الدراسات والأبحاث وعلى الفتح الربانى الذى منحه الله وكان محبا لعمله بل وعاشقا له.