الفنان عصمت دواستاشي دائما ما يقدم مفاجآت في كل معرض جديد له، ولم لا وهو الفنان الأكثر ثورة علي فنه وعلي كل ما يدور حوله في المجتمع، ومن يتابع أعمال دواستاشي سيدرك مدي ثورته في تجربته التي امتدت لست سنوات تحت عنوان "معرض x كتاب"، التي بدأت بكتيب (إبداعات x لون أسود) وانتهت بسلسلة كتيبات بعنوان "ثورة يناير مستمرة" أهداه إلي ابنه الذي أصيب مرتين أثناء أحداث ثورة يناير، هذه التجربة الفنية التي يصفها الفنان بأنها بمثابة توثيق للثورة تعد في مجموعها عملاً فنياً حداثياً متكاملاً، تؤكد أن الفنان المخلص لا ينفصل عن مجتمعه ويحرص علي التعبير عما بداخله من أفكار وأحاسيس وينقلها لجمهوره المتلقين بالوسائط المعاصرة . استكمالا لهذه المسيرة الثورية للفنان دواستاشي يأتي معرضه المقام حالياً بقاعة "اكسترا" بعنوان "لوحات قبل وبعد الثورة " صاحبه حفل توقيع لكتابه بعنوان "الرملة البيضاء" من إصدارات دار الياسمين. في معرضه يقدم داوستاشي مجموعة لوحات أنجزت قبل الثورة وأثناء أحداثها وبعدها، يكشف فيها عن شخصيته الصوفية المحبة للتأمل، والتي لا تخلو من الفكر الفلسفي العميق، عبر أسلوب زخرفي تجريدي يحمل ملامح من التراث المصري الفرعوني والقبطي والإسلامي، مستخدماً خطوطاً مبسطة ومساحات لونية متداخلة غاية في الاتساق وحبكة التكوين، ركز فيها علي العنصر الإنساني يعبر من خلاله عن كل ما يجيش بروحه المتمردة والرافضة والقلقة بكل الأحاسيس التي تنتابه، لوحاته لم تخل من الرموز والعنصر الزخرفي من خلالهما يعطي لمشاهده أعماقًا أرحب واحتمالات لا منتهية في التفكير حول موضوع اللوحة، ولم ينس دواستاشي شهداء الثورة الذين ضمنهم في لوحتين بطريقته البسيطة التي لا تخلو من العمق . عن عنوان المعرض يقول الناقد السفير يسري القويضي: يأتي اختيار الفنان لعبارة "لوحات قبل وبعد الثورة " عنواناً لمعرضه دليلاً علي البعد السياسي الذي تنطوي عليه أعماله، فهو رغم ابتهاجه وترحيبه بثورة يناير فإنه لا يخفي شعوره بالقلق والخوف عليها، وفي لوحاته قبل الثورة مباشرة صور فيها نفسه بضربات فرشاة غير مستقرة، بألوان باهتة تكاد تحتفي ببعض المواضع وكأنه يقول إن الثقة مازالت مهزوزة وأن الإجراءات الإصلاحية لاتزال غير مكتملة وغير واضحة، وفي لوحة أخري وقع الفنان إمضاءه عليها دون أن يخط فيها ولوخطاً واحداً، تركها بيضاء علي حالها وهو في تلك اللوحة يعكس حيرته ويحاول توصيل ما يشعر به، لم يجد أبلغ من أن يترك الفراغ للتعبير عن تغيير قادم". ويستطرد القويضي أن دواستاشي لن يتغير وسيظل يطل علينا كل مرة بجديد يستمده من مستودع خياله الخصب، وخبراته العريضة وأحاسيسه الفياضة، ليسهم بذلك في إثراء حركة الفنون البصرية في مصر.