أما «المُستقال» فهو من طلب منه تقديم استقالته، وأما الوزير فهو المستشار محفوظ صابر الذى كان حتى ساعات قليلة مضت وزيرا للعدل، قبل أين يدفع فاتورة صراحته فى حوار تليفزيونى قال فيه: إن ابن عامل النظافة لا يمكن أن يتولى منصبا قضائيا ليقدم استقالته - مجبرا - من منصبه الرفيع. صحيح أن ما قاله المستشار الجليل يخالف نصا دستوريا ثابتا يقضى بأن التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، ويلزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، لكن هذه المخالفة الدستورية - شئنا أم أبينا - أصابت كبد الحقيقة العملية، فالرجل استند إلى الواقع فيما ذكره خاصة أنه أضاف فى ذات الحوار «كتر خير عامل النظافة إنه ربى ابنه وساعده للحصول على شهادة، لكن هناك وظائف أخرى تناسبه».. وهى عبارة كاشفة عن حساسية منصب القاضى ووكيل النيابة وتعرضه لضغوط مادية ومعنوية - لن يعفيه منها بالمناسبة ألا يكون ابن عامل نظافة - لكن سدا للذرائع يقتضى تحقيق مجال نفسى واجتماعى أمثل للمنصة الرفيعة وضغوطها. قبل الإطاحة بصابر، حاول رئيس الوزراء التخفيف من صدمة صراحة وزيره بالقول إنها «زلة لسان» لكن دخول وسائل التواصل الاجتماعى على خط المواجهة بهاشتاج «أقيلوا وزير العدل» ثم بالحديث الفضائى المتواصل فى ساعات الثرثرة المسائية أعطت للواقعة أبعادا أخرى، فارتفعت حصيلة المزايدات الإعلامية لينتهى الأمر بتقديم الرجل استقالته ومعها تأكيده على تمسكه بآرائه. المؤكد أن الوزير كان صريحا أكثر من اللازم ولم يعط أهمية لمبدأ المواءمة فى مجتمع ينتظر تحقيق أى انتصار على حكومته وهو المجتمع فى معظمه ضحية نخبة وزادتها - أيام ما بعد يناير وحتى الآن - أمراضا على أمراض. الصراحة «الجارحة» للوزير هى الحقيقة التى يعلمها مذيعو «التوك شو» الذين نصبوا سيركا ليليا للرجل، فاستضافوا فى برامجهم - وبالساعات - من قالوا إنهم مستبعدون من النيابة العامة والإدارية لأسباب اجتماعية، وخرجت بعض المذيعات لتهتف على الشاشة «عيش - حرية - عدالة اجتماعية»، ولم تعدم برامج المساء والسهرة شخصيات تتساءل فى براءة.. هل هذا ما وصلنا إليه بعد ثورتين؟ حسنا.. هم يستندون إلى مخالفة السيد الوزير لنص دستورى، فلماذا إذن وبنفس المنطق الصمت عن تطبيق نص دستورى آخر لا يقل أهمية عن النص سبب إقالة الوزير، وهو منع الأحزاب المؤسسة على أساس دينى.. أليس «النور» حزبا دينيا؟ وهل يكفى انضمام بعض الأقباط - جهلا أو لتحقيق مصلحة - للحزب لننفى عنه صفة الحزب الدينى.. وهل مقتضيات المرحلة بعد 30 يونيو تستلزم وجود واستضافة شخصيات منفرة فكريا من أعضاء الحزب ومرجعياته فى شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد أم أن ضرورة وجود ممثل للتيار الإسلامى فى المشهد الحالى يجعلنا نتغاضى عن إفساح المجال لأفكار خربة لتتصدر ساحات الزوايا والمساجد الصغيرة فى قرى ونجوع مصر، حيث يعشش الفقر والجهل. خطأ الوزير أيضا لا يقل أهمية عن خطأ الدولة حيث تتجاهل نصا دستوريا يجرم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون، وهم يرون أن حرائق تشعل وبيوتا تهدم فوق رءوس أصحابها لمجرد أنهم أقاموا بها طقوسا كنسية أو شيعية.. وما إفراد صفحات وساعات بث تليفزيونى لمتسلفين متشددين لسب الشيعة وتكفيرهم إلا نذير لتكرار جريمة قتل والتمثيل بجثة القطب الشيعى حسن شحاتة وعدد من أنصاره فى عهد «الإخوانى» محمد مرسى، وما فتاوى تكفير الأقباط إلا تكرار لمناخ سمج سخيف نهايته مأساوية. دعك الآن من المناخ الذى سمح لصبية بالتبول على مقابر اليهود فى حضور رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون وعليك أن تتجاهل أيضا مناخا عنصريا بطبيعته يسخر من أصحاب البشرة السمراء دون سبب غيرها، وينظر للمعاقين بنظرة غير سوية غالبة. نعم أخطأ وزير العدل «المستقال».. لكن المؤكد أنه ليس وحده.