مع دخول العشر الأواخر من رمضان يصبح التحسر على انتهاء الشهر الكريم متجسدًا فى العديد من المظاهر، خاصة فى الإنشاد، ويطلق مصطلح «التوحيش» على فراق رمضان، حيث إن معظم الأقوال والقصائد التى يجرى إنشادها تبدأ-عادة- بالمطلع: لا أوحش الله منك. ولا يقوم بهذا التوحيش المنشدون المحترفون فحسب، بل يلجأ المسحراتى إلى تغيير موضوعات أدائه أثناء جولاته إلى التوحيش، كما يملأ المؤذنون المنشدون فضاء الحى بتوحيشهم الذى يواصلونه من الإمساك حتى آذان الفجر؛ ولهذا صار التوحيش وأساليب إنشاده مجالًا للتجويد والتنويع والتنمية سواء فى نظم عباراته أو فى موسيقى أدائه، وصار أحد مجالات التقاطع الذى تلتقى فيه الثقافة الشعبية بالثقافة الرسمية. وأبرز مظاهر ذلك الالتقاء أن معظم المنظومات التى تتردد فى التوحيش كانت من الشعر الفصيح، كما أن موسيقى أدائها تتأسس على تقاليد الموسيقى العربية التقليدية. وفى صوت ملؤه الأسى والحزن كان المسحرون يرددون عبارات التوحيش، التى تحمل حزن الناس على انقضاء الشهر الكريم وإحساسهم بالوحشة لغيابه، وافتقادهم لأجوائه العامرة بالخشوع والمحبة والتواصل، ومن أشهر هذه النصوص: لا أوحش الله منك يا شهر الصيام / لا أوحش الله منك يا شهر القيام / لا أوحش الله منك يا شهر الولائم / لا أوحش الله منك يا شهر العزائم / لا أوحش الله منك يا شهر الكرم والجود. ويلاحظ أن معظم البيئات الشعبية لم تكتف بإنشاد التوحيش مظهرًا لتوديع رمضان، وإنما أضافت إلى هذه المظاهر سمات أخرى، ففى واحة «باريس» التابعة للواحات الخارجة بمحافظة الوادى الجديد جنوب مصر، يقيم الأهالى مأدبة وداعية، وبعد أداء صلاتى العشاء والتراويح فى جماعة يتحلقون فى جانب المسجد للإنشاد الاحتفالى مثل: شهر الصيام مفضل تفضيلا/ نويت من بعد المقام الرحيلا/ قد كنت شهرًا طيبًا ومباركًا / ومبشرًا بالعفو من مولانا / بالله يا شهر الهنا ما تنسانا / لا أوحش الرحمن منك. كما يقيم الأطفال فى قرية «منديشة» بالواحات البحرية قبة من الطوب تتسع لوضع ما جلبوه من طعام داخلها ثم يشرعون فى الدوران حول القبة منشدين: يا رمضان يا بو صحن نحاس / يا داير فى بلاد الناس/ سقت عليك أبو العباس / تخليك عندنا الليلة. كما ينعونه بمزيد من الأسى قائلين: يا رمضان يا ابن الحاجة / يا ميت على المخدة/ يا رمضان يا ابن عيشة / يا ميت على العريشة.