صدرت تصريحات، من قلب قمة أمنية في سنغافورة، أعادت إلى الأذهان سيناريوهات الحرب الباردة، حيث خرج الجنرال الألماني كارستن بروير بتحذير ناري قائلا: «استعدوا، فروسيا قد تطرق أبواب الناتو قبل 2029»، ما أشعل التساؤلات حول، هل القارة العجوز ماضية نحو مواجهة جديدة مع الدب الروسي؟ وهل أوروبا مستعدة فعلاً لحرب قد تندلع في أي لحظة؟ في تحذير غير مسبوق، دعا وزير الدفاع الألماني، كارستن بروير دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» للاستعداد لهجوم روسي محتمل خلال السنوات الأربع المقبلة. وأكد في تصريحات لشبكة «بي بي سي» أن موسكو تنتج مئات الدبابات سنويًا، وقد تستخدمها في شن عملية عسكرية ضد دول البلطيق الأعضاء في الحلف، مُشيرًا إلى أن الهجوم قد يقع في أي وقت قبل عام 2029. اقرأ أيضًا| الغاز مقابل الغذاء والسلاح.. مقايضة تجارية بين واشنطن وبروكسل.. فما القصة؟ قمة شانجريلا تُطلق أجراس الإنذار الدفاعية جاءت تصريحات الجنرال الألماني خلال مشاركته في "حوار شانجريلا" وهي قمة دفاعية رفيعة تقام في سنغافورة. وقال إن الناتو لا يزال مُوحدًا رغم الخلافات الأخيرة التي أبدتها دول مثل المجر وسلوفاكيا، مشددًا على أن التحالف الغربي يواجه تهديدًا روسيًا غير مسبوق خلال الأربعين عامًا الأخيرة من خدمته العسكرية. وكشف بروير أن روسيا لا تكتفي بتعزيز قواتها في أوكرانيا، بل تبني ترسانة استراتيجية ضخمة لمواجهة الغرب، حيث تنتج نحو 1500 دبابة قتال رئيسية سنويًا، وأشار إلى أن هذه الدبابات تُخزّن أو تُنشر في مواقع عسكرية جديدة تواجه دول حلف الناتو مباشرة، ما يعكس نية حقيقية لتوسيع رقعة المواجهة. تحذير من صراع شامل قد ينفجر من دول البلطيق أوضح الجنرال أن موسكو أنتجت أربعة ملايين قذيفة مدفعية من عيار 152 ملم في عام 2024 وحده، مُؤكدًا أن هذه الكميات لا تُستخدم بالكامل في أوكرانيا، بل يتم تخزينها استعدادًا لمعركة أوسع، وجاءت المعلومات التي كشف عنها بدعم من تحليلات استخباراتية مشتركة بين ألمانيا وحلفائها. وأشار بروير إلى أن المُحللين العسكريين في الغرب يقدّرون أن الهجوم الروسي المتوقع قد يحدث بحلول عام 2029، لكنه لم يستبعد أن يكون أقرب. وقال: "إننا علينا أن نكون جاهزين للقتال الليلة"، وأشار إلى ضرورة التأهب الفوري في صفوف الناتو. هل المادة الخامسة من ميثاق الناتو في خطر؟ لطالما شكلت المادة الخامسة من ميثاق الناتو درعًا دفاعيًا يردع أي هجوم على دولة عضو، حيث يعتبر الهجوم على أي منها بمثابة اعتداء على الجميع. إلا أن تزايد التهديدات الروسية يثير مخاوف من إمكانية اختبار هذه المادة فعليًا لأول مرة، إذا ما استهدفت موسكو إحدى دول البلطيق مثل ليتوانيا أو إستونيا. ووصف بروير المنطقة الحدودية الحساسة بين بولندا وليتوانيا، المعروفة باسم "فجوة سووالكي"، بأنها من أكثر المواقع عرضة للخطر. وقال إن التدخل الروسي في هذه المنطقة قد يكون بوابة لاشتعال مواجهة مباشرة مع الناتو، خاصة أنها تمثل نقطة فصل بين روسيا وبيلاروسيا من جهة، ودول الحلف من جهة أخرى. اقرأ أيضًا| قمة 19 مايو.. هل تُحقق «وثبة سياسية» جديدة بين بريطانيا وبروكسل؟ الخطر محسوس شرقًا ومشوَّش عليه غربًا عند حديثه عن اختلاف مواقف الدول الأوروبية، قال بروير، إن الإستونيين يشعرون بالخطر كما لو كانوا يقفون بجوار حريق هائل "يشعرون بحرارته ويرون لهبه"، في حين أن الألمان يرون فقط "دخانًا بعيدًا في الأفق"، وهو بالتأكيد توصيف بليغ يوضح التباين الكبير في تقدير التهديد الروسي داخل أوروبا. وبحسب بروير، فإن روسيا لا تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية صراعًا مُنفصلًا، بل تراها امتدادًا مباشرًا لمواجهة أكبر مع الناتو. وأشار إلى أن موسكو تُواصل اختبار الدفاعات الغربية من خلال هجمات إلكترونية، واستهداف البنية التحتية، والطائرات المسيرة التي تظهر بشكل غامض في أجواء محطات الطاقة والمنشآت الحيوية. إعادة تسليح الجيوش الأوروبية دعا الجنرال الألماني دول الناتو إلى "تحرك حقيقي وسريع"، قائلاً: "علينا أن نقول بوضوح: عزّزوا قدراتكم فورًا"، وأكد أن إعادة بناء الجيوش الغربية ليست فقط للحماية، بل لردع أي تحرك روسي محتمل، مشيرًا إلى أن صمت الغرب قد يُغري روسيا بالتصعيد، بحسب شبكة «بي بي سي» البريطانية. ورغم تقارب المجر وسلوفاكيا مع موسكو، أصر بروير على أن تماسك الناتو لم يتأثر، وأشار إلى انضمام كل من فنلندا والسويد مُؤخرًا للحلف كدليل على وحدة غير مسبوقة، وقال: "لم أرَ من قبل هذا القدر من التماسك بين الدول الأعضاء". ألمانيا تغير جلدها الدفاعي تحت ضغط التهديد الروسي بحسب هيئة الإذاعة البريطانية ذاتها، فإن تصريحات بروير تعكس تحوّلًا واضحًا في الموقف الألماني تجاه التسلح والدفاع، بعد عقود من تخفيض الإنفاق العسكري. ويُلاحظ أن حتى حزب الخضر البريطاني المعروف بمواقفه السلمية صوت مُؤخرًا لصالح رفع القيود على الميزانية الدفاعية، في مُؤشر قوي على إدراك الجميع لحجم التحديات المقبلة. ورغم هذه الدعوات المتزايدة للتسليح، فإن الواقع يكشف فجوة حقيقية، حيث إن أوروبا تحتاج سنوات عديدة لتعويض الفارق في الإنتاج العسكري أمام روسيا، كما أكدت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أن الولاياتالمتحدة قلّصت تدريجيًا التزاماتها الدفاعية في القارة الأوروبية، مُفضّلة التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يزيد الضغوط على الجيوش الأوروبية. اقرأ أيضًا| حروب الشرق الأوسط وأوروبا تكشف تحولًا مفاجئًا في استراتيجيات التسليح العالمي