إليها يراودنا الحنين، عشق أبدى، حلم قومى، درس فى كل مناهجنا العربية، تربية دينية، رحلة الإسراء والمعراج، المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ومريم العذراء وميلاد عيسى عليه السلام، كنيستا القيامة وبيت لحم، فى الذاكرة بقايا من حصص التاريخ، التى لم تمح بمجرد حصد الدرجات فى لجان الامتحانات، صفحة بيضاء من الانتصارات وأخرى حمراء خضبت بدماء الشهداء.. صلاح الدين الأيوبى، حملات المحتلين، ومعركة حطين، موجات من الاحتلال لنهب الثروات الاقتصادية على مدار التاريخ، غلفت بشعارات دينية، ولم لا فكيف يساق القابع فى روما وباريس والمجر ليحمل السلاح ويقاتل فى أرض عربية يقتل بدم بارد ويقتل بلا قضية.. ليجنوا المال قالوا لهم تقاتلون من أجل السماء من أجل «أورشليم القدس»، فى الذاكرة العهدة العمرية، شهداء 48 و67 انتصارات 73، فلسطين الجرح الغائر، صمت قاتل للحظات متقطعة وسيارة تلتهم الكيلو مترات المعدودة من رام الله إلى القدس 15 كيلو مترًا تفصلنا عن مدينة الصلاة، زهرة المدائن. كلما اقتربنا تجلت ملامح الصراع، بين العرب مسلمين ومسيحيين أصحاب الأرض والاحتلال الصهيونى، فى اللافتات على الطرقات، «القدس» تصارع «أورشليم» تتقلص المسميات العربية أمام العبارات العبرية، ومحاولات التهويد، مساع لمحو الذاكرة، طرق ملتوية، منحدرات ومرتفعات، سائق ماهر يقود سيارة، تحمل لوحات صفراء، لون مرخص له بعبور الحواجز إلى داخل الاراضى المحتلة، صوت فيروز يشدو «لأجلك يا مدينة الصلاة أصلى لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن، يا قدس يا مدينة الصلاة أصلى.. عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور فى أروقة المعابد تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد».
الاحتلال يحفر ثغرة فى حائط البراق لمرور المدرعات عند اقتحام «الأقصى»
السائق: اقتربنا من الحاجز الزموا الصمت والهدوء، لا تنظروا لجنود الاحتلال، دعواتكم ان يعمى الله أبصارهم عنا، إنهم مجرمون إذا اكتشفوا أمرنا، فسيتم سجنى، ومصادرة السيارة، ويعلم الله ماذا سيكون مصيركم، فى المخالفات المرورية تسجن السيارة لأشهر، وتسحب رخص السائق، لكن فى حالات التسلل أمر آخر. الجدار العازل يتمدد.. يتلوى كالأفعى بمحاذاة الطريق، بطول 780 كيلو مترً، يعزل خلفه 12٪ من أرض الضفة الغربية التى يقطنها عرب فلسطين، بما يعادل مساحة 680 ألف كم 2، يقسم القرى ويمزق الوطن، 173 قرية وتجمعًا سكانيًا باتت فى عزلة عن الأهل والأشقاء زينب سيدة بلغت من الكبر عتيًا، ابنتها باتت مع زوجها خلف الجدار، لا تفصلها عن فلذة كبدها غير أمتار قسمها جدار، رؤيتها تحتاج شهورًا من المعاناة على الحواجز والبحث عن تصريح، ودموع وقلب يحترق على وطن يلتهم، وأبناء فى غربة الاحتلال.. تتنهد الحاجة زينب من الأعماق «آه الله كريم قادر ينصرنا».. لا يستسلم المقاومون لكل تصاريح، فالعمليات الفدائية تهدم أجزاء من الجدار، فتحات لا تتجاوز بضعة مترات، وتقص فتحات بالأسلاك المكهربة، لكن سرعان ما يعاود الاحتلال غلقها. فى الجانب الفلسطينى حولته المقاومة إلى جدارية وصفحة للتاريخ تسجل قصص الصمود، فهنا رسم جرافيتى، صور للأسرى والشهداء وهناك كتبت عبارات القدس عربية والمقاومة مستمرة حتى تعود الأرض حرة، الحاجز يقترب، اسلاك شائكة مكهربة، تجدها حيث يوجد المحتل كاشفة عن جبن فى عمق النفس وخوف من الموت بأيدى المقاومين، بوابة إلكترونية تكشف المتفجرات، فتاة شقراء قصيرة القامة تقترب، تحمل رشاش آليًا معلق فى كتفها يقترب من الأرض، وجندى ملامحه أوروبية منشغل بحديث مع فتاته، الصمت يخيم، الأنفاس تحبس، تنظر إلى السيارة، ولا تأبه وتشير بعلامة المرور، الركب يتنفس الصعداء، السائق صامت لعشرات المترات، ينظر خلفه بحذر من مرآة سيارته خشية أن يتبعه أحد أو يحاول إيقافه، حمد لله على سلامتكم ها أنتم الآن داخل مدينة القدس.. وماذا بعد؟ لا تقلقوا بالداخل سيستقبلكم أخوه لنا من أهل القدس وسيتولون باقى المهمة فقط سيروا حيث يرشدونكم. نحن الآن فى القدس ورغم انف الاحتلال دون أن تدنس جوازات سفرنا، أو نحصل على تصريح، على حافة الطريق يجلس حاخام يهودى، يقرأ فى كتاب وفى الجانب الأخر يسير ترام طرازه أوروبى عكس اتجاه سيرنا، نهم بتجهيز الكاميرات فتأتى التحذيرات: انتظروا قليلا لازال الخطر قائمًا اكتفوا بالمشاهدات، مجموعة من اليهود يعبرون أنهم يسيرون فى مجموعات، ومن آن لآخر تظهر وجوه عربية تزداد كلما أقتربنا من القدس القديمة، نحو ثلث ساعة من السير بالسيارة، داخل مدينة القدس، الساعة تقارب الحادية عشرة ظهرا، أحد شباب المقاومة فى انتظارنا، يغادر السائق ويتركنا مع الدليل، لا تقلقوا أنتم الآن فى القدس العربية، اتبعوني. عبق التاريخ يفوح من الطرقات، الأطفال العرب يلهون فى الشوارع القديمة، والنباتات تزين الشرفات، رائحة التوابل والبخور، عبر وادى الجوز وشارع الشيخ جراح نسبة إلى طبيب صلاح الدين الأيوبى، فى خط فاصل بين القدسالغربية والشرقية، نسير فى طرقات تاريخية، ارض نهبت، ومبانى تحمل اسماء عبرية، مستشفى هداسة، وأخرى شاهدة على الصمود، هنا كان مقر وزارة الداخلية الإسرائيلية قبل ان يهجرها الاحتلال إلى مكان أكثر أمنًا من المقاومين، وفى الطريق فيللا من طابقين ملك لعائلة الشهيد فيصل الحسينى ومقر سابق لمنظمة التحرير الفلسطينية، استولى عليه الاحتلال لسنوات قبل ان تتمكن عائلة الحسينى من استعادة، شريطة ألا يستخدم فى اى أنشطة سياسية فتم تأجيره لمنظمة الصحة العالمية. لافتة فى الطريق عبق التاريخ، جبل الزيتون الذى يقال إن السيدة مريم العذراء والسيد المسيح عليه السلام عاشوا به لفترة، من اعلى الجبل نشاهد المسجد الأقصى كاملاً بأسواره وقبابه ومأذنة وقبة الصخرة الذهبية، دقات قلبى تزداد، انشراح صدر، دمعة عين، ونسيم عطر يصافح وجهى، ما بين حسرة عجز عن فك اسره وشوق لقائه، مسافات ومساحات وشحنات مشاعر عصيبة لا تعسفها كلمات الوصف، هناك بعيدا تظهر، وعلى مرمى حجر، مقابر اليهود، قطعة ارض استأجروها فى عهد السلطان العثمانى، ليوارى أجسادهم الثرى وسرعان ما نهبوها واستولوا على وطن، بنظرى تخطيت مقابرهم إلى مقابر المسلمين المجاورة باتجاه الأقصى، «هناك انظروا جبل المكبر» يقول مرافقنا، وسمى بهذا الاسم بعد أن وقف عليه سيدنا عمر بن الخطاب مكبرًا عندما رأى قبة المسجد الأقصى وهو قادما فاتحا، حول الأقصى سور يشمل فناء يحوى أشجارًا ضاربه بجذورها فى عمق التاريخ شاهدة على الآف السنين إحداها سقطت مقتلعة بجذورها من أيام، قال المهندسون: إن احتمالا كبيرًا يشير إلى أن السبب حفريات للأنفاق سرية يقوم بها الاحتلال بحثا عن هيكلهم المزعوم ومختطاتهم لهدم الأقصى، وداخل السور التاريخى الذى يحتضن 200 معلم تاريخى المسجد القبلى ذو القبة الرصاصية المعروف ب«الأقصى» ومسجد قبة الصخرة الذهبية التى تشع نورا مع بزوغ شمس الجمعة، والمآذن والأقبية والسبل والآبار، يقولون كل ما داخل السور التاريخى يسمى المسجد الأقصى، ويشغل ما يقارب سدس البلدة القديمة، على مساحة تبلغ 144 دونما والدنم يساوى ألف متر فتبلغ مساحة المسجد الأقصى 144 ألف متر، أعلى هضبة مرتفعة عن المبانى القديمة، تشرف على وديان عميقة، ارتفاع وانخفاض تدريجى. فى الشورارع الضيقة بالمدينة القديمة نسير، المبانى لا تجاوز الطابقين من الاحجار تميل للاصفرار بفعل التعرية وعوامل، وجوه عربية واحيانا تصادف غربية عرب ويهود، مسلمين ومسيحيين، سائحين جاءوا من اوروبا لزيارة الكنائس، الطريق يأخذ فى الانحدار لاسفل، نحو باب العمود أحد أبواب القدس الخمسة عشرة، منها خمسة مغلقة من زمن بعيد وعشرة مفتوحة اغلبها بالجهة الشمالية والغربية تسمح بالنفاذ من أسوار المسجد الأقصى المرتفعة، حيث يقف التاريخ شامخا، «العامود» هو الباب الرئيسى الذى يصل بك إلى كنيسة القيامة ومسجد عمر بن الخطاب وحائط البراق ثم إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة، نهبط 34 سلمة رخامية، لنعبر جسر لقرابة 10 أمتار، للدخول من الباب، عبارة عن قوس ضخم نصف دائرة من الأعلى يرتكز على عمودين من الاحجار المنحوتة بعرض قرابة 4 أمتار وضلفتا باب ضخم من الخشب المطرز بالنحاس منقوش عليه عبارة «لا إله إلا الله محمدًا رسول الله»، بمجرد الولوج من الباب تستقبلنا شوارع القدس القديمة الضيقة، المغطاة بشكل متقطع، روعة المكان حارات القدس القديمة تقبلك رائحة العطور، والأعشاب والتوابل، دكاكين قديمة، وانخفاض تدريجى يتخلله حارات فى كل الاتجاهات، أسواق عدة سوق العطارين واللحامين والقطانيين والصاغة» على الجانب لافتة عتيقة كتب عليها طريق الآلام نسبه إلى الآم السيد المسيح فيعتقد المسيحيون أن النبى عيسى بن مريم سار منه حاملاً الصليب وهو يعذب مفترق طرق الأول إلى خان الزيت والثانى إلى طريق الواد فالمسجد الأقصى ومنه تتفرع حارة إلى تل المغاربة يطل على حائط البراق، وشارع آخر ضيق يسير بك إلى مسجد عمر بن الخطاب والى جواره كنيسة القيامة، فى الطريق الضيق تجلس السيدات الفلسطينيات تبيع النعناع الأخضر وورق العنب بحثا عن رزق، بصوت أجهده الزمن، وعزيمة لا تلين، وعينين غائرتين، فى وجه تحدٍ عبث تجاعيد الزمن، فمازل مضيئًا بالإيمان، قالت الحاجة فاطمة 65عاما «نبحث عن قوتنا بالحلال، منه لله الاحتلال يريدنا أن نجوع لكن لن نستسلم ولن نركع ولن نترك القدس وبيوتنا لليهود». على الجانب الآخر وقف طلال عابدين على بأب محل الإكسسوارات والفضيات ينتظر مشترى، قليل ما يأتى فى وضع اقتصادى خانق وحصار من اليهود، يقول «اليهود يخنقونا اقتصاديا، لكى نترك القدس ونهاجر، فهم يأخذون منى ومن كل محل عربى 17٪ ضرائب على المبيعات ويقدرونها جزافيا فالاحتلال لا يقتنع بسجلات المبيعات، إضافة إلى ضرائب 20٪ على كل متر مساحة بالمحل سنويا، تقدر بسعر المتر، والترخيص 330 شيكل وإيجار المحل ألف دولار ماذا سيتبقى لى وأولادي؟!» على بعد أمتار وإلى جوار حائط بحارة ضيقة بالقرب من المسجد الأقصى جلس، مرتديا عقالاً وشالاً فلسطينيين يغطى الرأس وجانبى الوجه، ولحية الشيب أتى على أغلبها، وعصى يتوكأ عليها، وبجواره زوجته بزيها الفلسطينى تبيع مجموعه من حزم الخضر فجل وجرجير ونعناع والفقر المدقع يظهر على ملامحهما وملابسهما، سألته كيف حالكم فى القدس فأجاب « كم عدد المسلمين فى العالم كام مليار؟! اطلع شوف اليهود فى القدس إيش بيسوو، هدول اليهود بيخربو فى الأقصى، واليوم ما ايجوا لانه الجمعة والمسلمين كتار، من بيت لحم باجى انا والحجة كل أسبوع لنصلى الجمعة، أيش عمل المجرم بشار للقدس وايش عمل مبارك ولا ابو مازن» زوجته تتمتم بصوت مسموع « مالنا ومال دول اسكت يا حاج بدنا نصلي» يتجاهل الحاج نمر تحذيرات زوجته التى تخشى عليه من ملاحقة أذان قد تسترق السمع، لا يأبه «من بيت لحم بنيجى كل أسبوع، لغير صلاة الجمعة ما بنقدر نحصل على تصاريح من الاحتلال للصلاة، وينهم القادة العرب عايشين فى قصور ونحن بنبيع خضار لنقدر نيجى للصلاة؟» حاخام يهودى يسير مهرولا فى الطرقات بضفيرتين مجدولتين، وفتيات يبدو عليهن اسرائيليات، وجه عربى يستوقفى، مبتسما فى وجهى «انت عربي؟!» نعم «من وين؟!» مصر يا هلا كيفها مصر؟ بخير، إن شاء الله دائماً بخير مصر، سائح؟ لا صحفى، يا مرحباً انا كايد أبو جمال رئيس مؤسسة الدفاع عن الأقصى الشريف والكنائس، يا مرحب أخ كايد... تعال لتشوف الهوان اللى نحن فيه، فينكم يا عرب؟ هل شاهدت حائط البراق؟ لا تعال معى، يصحبنى فى شوارع وازقة ضيقة نصعد درج، على اليسار، بوابة تفتيش إلكترونى أمامها العشرات من العجائز والشباب والشابات الأجانب من جنسيات مختلفة، يقول «انظر البوابة هناك بتدخل إلى حائط البراق المكان الذى ربط فيه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام البراق فى رحلة الإسراء والمعراج اليهود أخدوه وعملوه حائط المبكى ومنعو المسلمين من دخوله تعال نطلع بعيد عنهم هنطلع لتشاهده من فوق، نصعد درج، من بعيد تشاهد ممرًا أشبه بالنفق مغطيًا بألواح الصاج وبداخله شبه قطبان الرؤية عن بعد لا تكشف تفاصيله، لكن كايد يقول انه طريق ينتهى بفتحة فى جدار حائط البراق أعدها الاحتلال ليدخل بالمدرعات وناقلات الجنود لساحات الأقصى عندما يريدون الاقتحام ويتصدى لهم المسلمون. «هدفنا الابقاء على المسجد الأقصى عامر بالمصلين، وحمايته والكنائس من اقتحامات اليهود، أنهم يستغلون الأوقات التى بها قلة عدد المتواجدين ليقتحمون الأقصى، لذلك نقاومهم سلميا بالتواجد حتى لا يحدث اقتحام ونضطر لمواجهات وعنف، ومع كل مواجهة نتكبد من 20 إلى 25 ألف شيكل إصلاحات فهم يخربون الأبواب والساحات، ولذلك نتواصل مع المدارس والجامعات لتنظيم رحلات يومية للطلاب لزيادة عدد المتواجدين فى الصلوات» يقول كايد. الشارع الضيق يرتفع تدريجيا، كنصف قوس، طرفه عند باب العامود والاخر يصعد لمسجد قبه الصخرة، القبة الذهبية على تلوح فى الأفق عن قرب، قشعريرة تدب فى جسدى، درج رخامى تصعده دون ان تشعر، فعيناك مأخوذة، باتجاه المسجد الاخضر، حيث الصخرة إقرب نقطة فى الأرض إلى السماء، ومنها عرج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى بعد أن صلى بالأنبياء يقال 120 ألف نبى ورسول، العيون تدمع تذهب إليها تحتضنها،الروح تسبق الخطى. على جدران مسجد قبة الصخرة من الخارج بقايا حفر يقول الحاج محمد ابو قطيش احد خدام وحراس المساجد فى الأقصى « ناجمة عن رصاصات الاحتلال الصهيونى عندما اقتحم شارون و20 ألف جندى المسجد الأقصى عام 2000 فقامت الانتفاضة» وفى داخل المسجد الأقصى أشار قطيش لصندوق خشبى واجهته زجاجية فوجدنا بداخله فوارغ الرصاص والقنابل قال هذه بقايا همجية الاحتلال. زخارف نباتية قمة فى الروعة تزين مسجد قبة الصخرة مجموعات من النساء فى حلقه درس، سيدة تجاوزت الستين تنتبه من لهجتنا إلى أننا مصريين، بلهفة انتم من مصر؟! الإجابة نعم السعادة تغمرها « يا هلا ياهلا بالمصريين كيفها مصر ان شاء الله عمارة دائماً مصر أمنا وأبونا وأيش يعمل اليتيم، ربنا يحفظ مصر وتظل أم وأب لينا» تسرع إلى حقيبة بيدها وتخرج مسابح توزعها خذوا هذه منى هدية من القدس. أتحسس الخطى عسى أن تطأ قدمى موضع قدم نبى، قشعريرة تسرى فى بدنى، الأعين تذرف العبرات، الصخرة المشرفة التى عرج منها الرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلة الإسراء والمعراج، هى أقرب نقطة فى الأرض إلى السماء، يقال من أراد النظر لصخور الجنة فلينظر إلى صخرة الأقصى، أسفلها غار تنزله بدرج رخامى، به ثلاث محاريب هنا اسفل الصخرة أم النبى محمد كل الأنبياء والرسل وفقا لبعض العلماء، هنا من أراد الصلاة فليصلى ويكثر الدعاء، وفى وسط الصخرة فتحة مستديرة قطرها متر مربع منها عرج خاتم المرسلين، وعلى حافة الصخرة آثار موضع قدمه الشريفة حيث تفوح روائح المسك والعنبر، ويبتهل الزائرون بالدعاء ومنهم من يترك أمنياته فى ورقة يضعها خلف الساتر. أعلى الصخرة صنعت القبة فى عهد عبد الملك بن مروان، ثمانية، خشبية، مغطاة بألواح معدنية من النحاس والبرونز مطلية بطبقة ذهبية، ترتفع عن الأرض 35.5 متر، للمسجد أربعة أبواب بعدد أسابيع الشهر، الشرقى ويقع تجاه قبة السلسلة ويسمى باب النبى داود، والغربى يقابل باب القطانيين ويسمى باب الجنة والباب الشمالى يقابل المسجد الأقصى والباب الرابع بالشمال، ويحمل القبة 12 عمودًا بعدد أشهر العام، على الجدران والأسقف روعة الزخارف والألوان صاغتها أنامل فنانى العمارة الاسلامية، ونقش عليها الآيات القرانية وأسماء من عمر بالمكان مثل صلاح الدين الأيوبى وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبدالملك. تحيط بأسوار الأقصى أربعة مآذن متباعدة، كان فى السابق يعتلى كل منها مآذن، ومع التكنولوجيا وضع عليها مكبرات الصوت، 150 مترًا و19 سلمة من الدرج الرخامى تفصل بين المسجد القبلى المعروف ب«الأقصى» ومسجد قبه الصخرة، فى الممر نافورة محاطة بدائرة وسياج حديدى ومقاعد رخامية وصنابير تستخدم فى الوضوء، سبعة أبواب للمسجد العتيق، وعلى جدرانه، اسماء العشرة المبشرين بالجنة، وآيات من الذكر الحكيم وزخارف نباتية. امام المسجد العتيق جلس ثلاثة من الشيوخ متجاوزين الستين، على عجلاتهم المتحركة، أدوا صلاتهم خارج المسجد المزدحم يوم الجمعة، فى يوم من الايام القليلة التى لا يشدد فيها الاحتلال إجراءاته القمعية، فالوضع هادئ اليوم ومن ثم سمح للشباب بالدخول يقول حسن الحلاق، وهو ينظر من على عربته المتحركة للمسجد الأقصى، «أنا من هنا من بيت المقدس، ولدت وسأموت إلى جوار الأقصى فقد بارك الله حوله كنت اهرول اليه سيرا على الأقدام وبعد مرضى قمت بشراء هذه العربه أو الكرسى المتحرك لأتمكن من الصلاة بالأقصى، لابد أن نتواجد ونصلى به فمع تواجد الإعداد يتراجع اليهود». وفى المصلى المروانى ذو السقف المقسم إلى ممرات مقوس بشكل يعكس روعة المعمار الاسلامى اسفل المسجد الأقصى، أشار قطيش إلى فتحات لازالت باقية فى أعمدة المصلى موضحا هذا المصلى حوله الاحتلال الصليبى إلى اسطبل للخيول وفى هذه الحلقات المحفورة بالأعمدة كانت تربط خيولهم. الدموع تسيل، والقلوب تخشع، والأيدى تتضرع بالدعاء الآن وبعد صلاة العشاء مغادرا الأقصى، وفى أذنى استغاثة خطيب الجمعة أطلقها من على المنبر «تواجدوا توحدوا لا تتركوا المسجد خاليا خاويا العدو به وبكم متربص وأنتم غافلون». الحلقة الثالثة «روزاليوسف» فى كنيستى القيامة والمهد وتخترق حواجز الاحتلال للحرم الإبراهيمى