الحمد لله الذي عشنا لنري اليوم الذي يستمد فيه رئيس وزراء مصر المكلف بتشكيل حكومة جديدة شرعيته من الشعب مباشرة في ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية ، رأينا رئيس وزراء أفرزته مظاهرات الثورة التي قلبت البلد في عدة أيام علي حكم راسخ منذ عدة عقود لم يظن ابدا أن قوة تستطيع زحزحته ، ولم يكن أكثرنا تفاؤلا بقدرة العمل الثوري في مصر يظن أن من الممكن اقتلاعه بهذه السهولة رغم تقديرنا لدم الضحايا من الشهداء. رئيس الوزراء المصري الجديد عصام شرف قال لسكان ميدان التحرير الذين حظوا بتمثيل الشعب المصري في الفترة الانتقالية: أستمد شرعيتي من ميدان التحرير. قال عصام شرف لمئات الألوف من المتظاهرين في الميدان أتمني أن أري مصر حرة وأمن المواطن علي القمة، وأن تكون أجهزة الامن خادمة للمواطن والوطن وأرجو من الجميع المساعدة في ذلك. تقدم شرف بالتحية لأرواح الشهداء ولاهالي الضحايا والمصابين ، ووعد شرف بتحقيق طلبات المحتشدين في ميدان التحرير. كما وعد الجماهير بالعودة اليها في ميدان التحرير اذا فشل في تحقيق أهدافها. التجربة المريرة في النظام السابق ربما تدفع الي التطرف بعض الوقت في رفض احتمال الوزارات لوقت طويل نسبيا يسمح لها بأداء مهمتها، وقد يؤدي ذلك الي عدم استقرار عدة وزارات متتالية اذا لم ينجح المجلس العسكري الحاكم في الخروج بسرعة من مرحلة شرعية المطالب عن طريق المظاهرات الي استلام المؤسسات الشرعية المنظمة المعروفة الانتماءات والقيادات لزمام المبادرة من جديد. لعل هذا هو السبب الذي دفع البعض الي الاعتراض علي دفع حكومة شفيق الي الاستقالة قبل ان تتمكن من أخذ فرصتها ، كما عبر آخرون عن رفض الاحتكام الي ميدان واحد في القاهرة في اتخاذ القرارات المهمة مثل تغيير الوزارة، البعض طالب بإجراء استفتاء شعبي كامل حول القرارات المهمة المتعلقة بحياة المصريين، وليس بميدان التحرير فقط. أنا شخصيا أميل الي رأي المستشار طارق البشري رئيس لجنة تعديل الدستور في ضرورة العودة الي مجلس شعب منتخب لبدء الاصلاحات الدستورية والسياسية المطلوبة ، المحاذير كثيرة حيث لاتزال الساحة السياسية خالية من الكتل المنظمة، لكن لابد ان نتحمل المخاطرة ونتيح الفرصة لتمثيل منظم للشعب لأن الاعتماد علي التمثيل عن طريق التظاهر شديد الخطورة ويؤدي الي نوع آخر من ديكتاتورية القادرين علي التظاهر. الجدير بالذكر أن موجة صحية من التباين في وجهات النظر والآراء ظهرت بين الناشطين الجدد وبين المواطنين بوجه عام حول التطورات الأخيرة ، فبينما عبر اتجاه عن فرحته الكبيرة إزاء نزول رئيس الوزراء إلي ميدان التحرير وخطابه الذي لاقي استحسانا من الكثيرين وأبدي تفاؤله بمستقبل مصر مع ضرورة أن يعرف شرف أن ميدان التحرير هو من أتي به ويمكن له أن يقيله في أي وقت ، عبر أصحاب اتجاه آخر عن استيائه من استقالة الفريق أحمد شفيق والذين وصفوه بأنه رجل محترم وأن مصر خسرت كثيرا بتركه لمنصبه، وأبدوا قلقهم وانزعاجهم من الاستجابة للمتظاهرين في ميدان التحرير وأن من في التحرير لا يمثلون جميع المصريين. هذا التنوع في الاتجاهات سيكون سمة العهد الجديد دون أن يكون سببا لازعاج أي طرف من أطرافه من جانب دوائر رسمية تشجع طرفا علي طرف آخر ، أما الأكثر أهمية في هذا الموضوع فهو قبول المواطنين لآراء بعضهم البعض دون حساسيات أو تبادل اتهامات.