تعرف على الضوابط الإعلامية لتغطية انتخابات مجلس النواب 2025    "تعليم القليوبية": طالبة ب"النور للمكفوفين" تحرز المركز الثاني في "تحدي القراءة العربي"    ملك بريطانيا وزوجته يبدآن زيارة رسمية للفاتيكان بلقاء البابا لاون الرابع عشر.. صور    وزيرة التضامن تتلقى طلب الاتحاد المصري لتمويل المشروعات للانضمام لبرنامج المنظومة المالية    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة "أنت الحياة" بقرية نيدة بأخميم    أسعار النفط تسجل 65.94 دولار لخام برنت و61.95 دولار للخام الأمريكى    تنفيذ إزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بكفر الشيخ    أبو الغيط يدين خطوات الاحتلال نحو ضم أراضٍ فلسطينية بالضفة    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 238 ألفا و600 شهيد وجريح    7 أخبار لا تفوتك اليوم الخميس 23- 10 - 2025    باسم مرسي: تألق بن شرقي وزيزو؟.. المنافس لديه 8 مليارات.. والزمالك مديون    هانيا الحمامي ويوسف إبراهيم يتأهلان لنصف نهائي بطولة كومكاست بيزنس للاسكواش    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    الداخلية تضبط سائق ميكروباص قاد السيارة بباب مفتوح في سوهاج (فيديو)    الأحد .. ندوة وورشة عمل "في الحركة حياة" بمكتبة الإسكندرية    هاملت وأشباحه يحصد المركز الأول بملتقى شباب المخرجين    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    وزير الصحة يستعرض تنسيق الجهود لتقديم خدمات صحية لمرضى فلسطينيين    الألم وتيبس المفاصل والإحمرار.. أهم أعراض التهاب المفاصل الروماتويدى    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    لقاء حول نظام البكالوريا الجديد خلال زيارة مدير الرقابة والتفتيش ب«التعليم» لمدارس بورسعيد    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في الشرقية    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    تحرك شاحنات المساعدات إلى معبري كرم أبوسالم والعوجة تمهيدًا لدخولها غزة    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    اندلاع حرائق كبيرة بسبب الغارات الإسرائيلية على البقاع    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    البيطريين: إجراء تعديلات شاملة لقانون النقابة وطرحها لحوار مجتمعي    طريقة عمل الأرز البسمتي بالخضار والفراخ، وجبة متكاملة سريعة التحضير    الداخلية تواصل حملاتها لضبط الأسواق ومواجهة التلاعب بأسعار الخبز    رفع 3209 حالة اشغال متنوعة وغلق وتشميع 8 مقاهي مخالفة بالمريوطية    لعدم استيفائهم الأوراق.. الهيئة الوطنية للانتخابات تستبعد 3 قوائم انتخابية    عندنا أمم إفريقيا.. محمد شبانة يوجه رسالة هامة ل ياسر إبراهيم    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    نقابة السجون الفرنسية تندد بوجود ضباط مسلحين لحراسة ساركوزي داخل السجن    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    عاجل- قرارات جديدة من رئيس الوزراء.. تعرف على التفاصيل    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    بشير التابعي: زيزو أفضل لاعب في الأهلي    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    كل ما تريد معرفته عن منصب المفتى بالسعودية بعد تعيين الشيخ صالح الفوزان    من بيتك.. سجّل الآن فى حج القرعة 2026 بسهولة عبر موقع وزارة الداخلية    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    كنت بقلد فيلم أجنبي.. طفل المنشار بالإسماعيلية: أبويا لما شاف المنظر تحت السرير بلغ الشرطة    تامر حسين يوضح حقيقة خلافه مع محمد فؤاد بعد تسريب أغنيته    أستاذ علوم سياسية: القمة المصرية الأوروبية تعكس مكانة مصر ودورها المحورى    اتحاد الثقافة الرياضية يحتفل بنصر أكتوبر وعيد السويس القومي    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحج عبادة العمر


د. على جمعة
مفتى الجمهورية السابق
يعتبر الحج عبادة العمر ، فلما كانت هناك عبادة فردية بين العبد وربه (الصوم)، وعبادة جماعية على مستوى محلة السكن (الصلاة)، وأخرى على مستوى البلدة والقرية (الزكاة)، كان (الحج) عبادة جماعية على مستوى العالم أجمع، ولأجل هذا كانت هى العبادة المتممة والمشتملة على معانى العبادات التى تمثل أركان الإسلام، ففيها التلبية بتوحيد الله تعالى، الذى هو أحد ركنى الشهادة، وفيها أخذ المناسك عن النبى صلى الله عليه وسلم مما يعنى الإقرار برسالته، وهو الركن الثانى من الشهادة، وفيها الطواف والدعاء الذى هو روح الصلاة، وفيها بذل المال وإطعام الفقراء الذى هو لب الزكاة، وفيها ضبط النفس وإمساكها عن الرفث والفسوق والجدال بما يمثل جوهر عبادة الصوم، مع ما فى تلك العبادة من مشقة السفر والتعرض لمخاطره؛ لأجل تمجيد الله تعالى وتوحيده، فأشبه الغزو والجهاد فى سبيل الله. وعبادةٌ هذا شأنها لهى عبادة عظيمة جليلة.
ولسماحة الإسلام وتميزه برفع الحرج عن المكلفين لم تُفرض هذه العبادة إلا مرة واحدة فى العمر على المستطيعين، فالحج يمثل الأنموذج الكامل للتعبد والتسليم والفناء فى طاعة الله تعالى، والتقرب إليه بكل سبيل، لذا كان ثوابه هو الثواب الكامل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» ( ).
كما أن فى زيارة بيت الله الحرام تأكيد على ارتباط المسلم بحضارته وتاريخه، وسيره على نهج أنبياء الله ورسله {أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده قل لا اسئلكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعلمين} [الأنعام: 90]. فالكعبة المشرفة هى أول بيت وضع لهداية الناس إلى التوحيد وعبادة الله، وصَفَه عزَّ وجلَّ بقوله: {وَلايَطَّوَّفُواْ بِالبَيتِ العتيق } [الحج: 29]، وقد كان الأنبياء هم أولئك الهداة إلى توحيد الله وعبادته وشد الرحال إلى المواضع التى خصَّها الله تعالى بالطهارة والتقديس؛ قال تعالى: {وَعَهِدنَا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهر بيتى للطائفين والعاكفين والرجع السجود} [البقرة: 125]، فشد الرحال إلى هذا البيت الحرام هو توثيق لعرى الرابطة بين الإنسان والأنبياء، لا سيما خاتمهم الأعظم، عليهم جميعًا الصلاة والسلام، وفى الحديث النبوى الشريف: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِوَادِى الْأَزْرَقِ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا وَادِى الْأَزْرَقِ، قَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَام- هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى( )، قَالَ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى -عَلَيْهِ السَّلام- عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ( )، عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ( ) نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ( ) وَهُوَ يُلَبِّي»( )، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَقَدْ مَرَّ بِالصَّخْرَةِ مِنَ الرَّوْحَاءِ( ) سَبْعُونَ نَبِيًّا حُفَاةً عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ، يَؤُمُّونَ بَيْتَ اللَّهِ الْعَتِيقَ، مِنْهُمْ مُوسَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»( ).
كما يتحقق فى الحج الإخاء والسلام، ففى هذه الرحلة المباركة تأكيد على وحدة المسلمين وترابطهم؛ باجتماعهم فى مكان واحد، وزمان واحد، متوجهين إلى رب واحد، وقبلة واحدة، وقد صار البيت الحرام وطنًا أكبر للجميع، ومثابة للناس وأمنًا، وصارت مكة هى أم القرى، كما سماها الله تعالى، فلا التفات هناك إلى اختلاف الأعراق والبلدان واللغات والألوان والثقافات، ولا فرق بين غنى وفقير، فالكل سواء فى الفقر والحاجة إلى الله Ι، ويظل هذا المشهد الحضارى مصداقًا لقول الله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء: 92]، وهناك لا يعم السلام على الإنسان فحسب، بل يتسع ليشمل الحيوان والنبات والجماد، فعن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِى وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا( ) وَلَا يُعْضَدُ( ) شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ، وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ( ) لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ» ( ).
ومن حكم الحج إعمار للأرض: إن فى حث الشريعة على الحج والعمرة لَدعوةً صريحةً إلى ابتغاء الرزق الطيِّب، وذلك بالمشاركة فى العمل والإنتاج، والتنمية الاقتصادية، وخدمة المجتمعات الإنسانية، فمن المعلوم أن تكاليف هذه الرحلة ليست بالشيء القليل، وكما يحتاج المسلم إلى زاد يكفيه فى سفره للحج يحتاج أيضًا لتوفير زاد آخر يكفى أهله وعياله حتى يعود، فأولئك الذين أرادوا صلاح آخرتهم وطمعوا فيما يترتب على الحج والعمرة من ثواب عظيم -تدعوهم شريعة الإسلام -أولا- إلى العمل الطيب، وإعمار البلاد، والسعى فى الأرض بما ينفع الناس، وليس هذا فحسب، بل وتحثهم على الإخلاص والإتقان والإبداع فى العمل، وبهذا السبيل يتمكن المسلم من تحصيل نفقات الحج والعمرة، فيصلح فى دنياه من حيث يطلب صلاح آخرته، بالإضافة إلى ما ينتفع به الفقراء والمساكين من الأضحيات التى تقدم لهم فى نهاية موسم الحج، وإلى هذه المعانى يشير قول الله تعالى: {لِّيَشهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُم وَيَذكُرُواْ اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّام مَّعلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ لأَنعَٰمِ فَكُلُواْ مِنهَا وَأَطعِمُواْ البَائِسَ الفَقِيرَ} [الحج: 28].
ومن معانى الحج كذلك الشجاعة والتضحية: قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر يَأتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق} [الحج: 27]. إن المسلم الذى فارق وطنه وبلاده وقصد البيت الحرام لهو إنسان وطَّن نفسه على الشجاعة، وبرهن على استعداده للتضحية بحياته فى سبيل تلبيته نداء مولاه سبحانه، فقد كانت رحلة الحج والعمرة قديمًا محاطة بالكثير من المشقة والمخاطرة التى قد تودى بحياة الإنسان، ورغم هذا لم ينقطع المسلمون عن زيارة البيت العتيق، فتعلُّقُ قلوبهم بهذه البقعة المباركة وحبهم لطاعة الله وعبادته كانا سببين كافيين لتوكيد خُلُق الشجاعة والتضحية فى نفوس المسلمين، وإن نفوسًا لم تأبه للخطر واستعدت للتضحية فى سبيل هدف أسمى - لهى نفوس قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية، وإقامة الحضارات العريقة إذا ما تهيأت لها الأسباب واتضحت لها الأهداف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.