فرض الله سبحانه وتعالي الحج علي كل مسلم بالغ, عاقل, قادر ليكون في معية الله سبحانه وتعالي قلبا وقالبا, ليتعرض لبركة وكرامة ذلك المكان وذلك الزمان ولو لمرة واحدة في العمر, وليتمكن من أداء هذه الفريضة وهو يعيش معانيها, ويعي ما يفعل ويستشعر الحكمة من كل نسك يؤديه ليكسب خيري الدنيا والآخرة, فالحج هو الركن الوحيد الذي يتضمن جميع العبادات والأركان الأخري, فالحج إنما هوتربية لضمير المسلم وحسن الخلق والتسامح ولكي تؤدي هذه الشعيرة ثمارها وأهدافها المرجوة, يجب علي كل مسلم أن يستعد لها ويهيئ نفسه لها كل التهيئة. يقول الشيخ عبد الجواد الرفاعي من علماء الأزهر, ورد في ثواب الحج الكثير من الاحاديث النبوية منها سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل قال ايمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال حج مبرور وقال صلي الله عليه وسلم( العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وهذه الأحاديث متفق عليها( البخاري ومسلم), وحكم الحج في الإسلام أنه ركن من أركان الإسلام قال تعالي( ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران97 وقول النبي صلي الله عليه وسلم بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج لمن استطاع سبيلا متفق عليه والإجماع علي ذلك ومن أنكر الحج فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة الدليل علي وجوب الحج قول الله تعالي( ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران97, وقف رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب الناس فقال: أيها الناس إن الله عز وجل فرض عليكم الحج فحجوا, فقال رجل: أكل عام يا رسول الله فسكت حتي قالها ثلاثا, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم, ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه رواه البخاري, وقد وردت بعض الأحاديث تحذر من التسويف في أداء الحج كقوله صلي الله عليه وسلم من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة أو سلطان جائر أو مرض حابس فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا شاء نصرانيا وحكمة مشروعية الحج قال عنها الله سبحانه وتعالي( ليشهدوا منافع لهم) والمنافع كثيرة وأول هذه المنافع توحيد الله عز وجل وإفراده بالألوهية وطهارة النفس والتقرب إلي الله ورسم خطط العلم والثقافة وجمع الكلمة وإظهار سماحة الإسلام والحج اذن مؤتمر اسلامي عالمي كبير ينبغي علينا ان ننتهز الفرصة فيه للحصول علي خير الأمة الإسلامية والمسلمين ففي الحج يلتقي المسلمون مع اختلاف ألسنتهم وألوانهم وجنسياتهم ليتعارفوا تأكيدا لقول الله تعالي( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)( الحجرات13) ويقول الله سبحانه وتعالي( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله)البقرة197 فكل خير يقبل عليه المسلم يعلمه الله ويجازيه به ويرفع به درجاته فهو إذن تزكية النفس وتطهيرها بعد تخليتها من الرفث والفسوق والجدال, والمسلم يكون في هذه الحالة أثناء الحج وتمحي من نفسه آثار الذنوب وظلمتها وإن للذنوب لظلمة وإن للذنوب لظلمة في القلب وسوادا في الوجه وبغضا في نفوس القوم وإذا شعر المسلم أن الله يعلم ما يفعله العبد من الخير فهو يفرح ويسعد لقوله صلي الله عليه وسلم أروا الله من أنفسكم خيرا ويضيف الشيخ عبد الجواد الرفاعي قائلا إن الحاج اثناء طوافه وسعيه أو وقوفه بعرفة أو رمي الجمرات أو عند المشعر الحرام أو عند ذبح الهدي لا يكف عن الذكر والتلبية معاتبا نفسه ومحاسبا إياها علي ما فرطت في حق الله يوما أو قصرت في حق من حقوق العباد وهذا من أهم وسائل تربية ضمير المسلم ليظل متيقظا ويكبح جماح النفس حتي بعد العودة من الحج فهو اذن رقابة ذاتية فتكون السلطة التي تضبط سلوك الحاج هي سلطة الضمير فيستحق بذلك المغفرة بتركه كل مظاهر المخالفة والذنوب والحج يزكي النفس ويربط المسلم بكتاب ربه ورسوله صلي الله عليه وسلم حيث مهبط الوحي وبداية الرسالة وهو يتخيل أنه بين أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم حيث أنه فعلا يسير في الطرقات التي سار فيها النبي صلي الله عليه وسلم يدعو أصحابه وهو يطوف بالبيت ويسعي بين الصفا والمروة رافعا صوته لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك.. فتستغرق هذه التلبية كل وجدانه فيشعر كأنه يغتسل من داخله من دنس الذنوب والخطايا.