النائب العام ينعى المستشار باسل أشرف صلاح الدين    بدأت بهجوم وانتهت بتقبيل الرأس.. القصة الكاملة لخلاف آية سماحة ومشيرة إسماعيل    مفتي الجمهورية: التمسك بأحكام وحدود القرآن الكريم هو السبيل للحفاظ على الأمن الروحي والاجتماعي    ثلاثي بشتيل يقترب من الدوري الممتاز    بعد الارتفاع الأخير.. خبير اقتصادي يكشف توقعات أسعار الذهب الفترة المقبلة (فيديو)    حريق هائل يلتهم محل أحذية في المنيا (تفاصيل)    "حزب الوعي" يدين قرار الاحتلال بإنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة المحتلة    محمد ممدوح وطه الدسوقي في فيلم "دافنينه سوا" بعد العيد    إكسترا نيوز تطلق تجربة جديدة.. مذيعات بالذكاء الاصطناعى عن مستقبل السينما    حماس: مستعدون لإطلاق سراح جميع الرهائن في حالة واحدة    اتحاد النحالين يقاضى صناع "العسل المغشوش".. ما القصة؟    النقل تكشف أبرز 8 نقاط بالمرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    مصرع شابين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم دراجتين بخاريتين ببني سويف    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    باكستان ترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع أفغانستان إلى مرتبة سفير    العمل: مستعدون لتوفير الكوادر المصرية المُدربة لسوق العمل الصربي    من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟    "قبل نهائي الأبطال".. تاريخ مواجهات إنتر ميلان وباريس سان جيرمان    العشر من ذى الحجة    بتواجد ثلاثي ليفربول.. محمد صلاح يتصدر فريق الجماهير في الدوري الإنجليزي    بالمجان| الكشف الطبى على 800 مواطنًا خلال قافلة طبية بعزبة 8 في دمياط    وزير الخارجية يلتقي بسفراء الدول الأوروبية المعتمدين في القاهرة    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة «بلدك معاك» لدعم الأسر الأولى بالرعاية    سوريا تُرحب بقرار اليابان رفع العقوبات وتجميد الأصول عن 4 مصارف    برنامج توعوي مخصص لحجاج السياحة يشمل ندوات دينية وتثقيفية يومية    عالم بالأوقاف: كل لحظة في العشر الأوائل من ذي الحجة كنز لا يعوض    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    4 مشاهدين فقط.. إيرادات فيلم "الصفا ثانوية بنات"    نادي مدينتي للجولف يستضيف الجولة الختامية من دوري الاتحاد المصري للجولف    ألمانيا تربط تسلم أسلحة إسرائيل بتقييم الوضع الإنساني بغزة    محمد حمدي لاعب زد يخضع لجراحة ناجحة فى الكوع    هام بشأن نتيجة قرعة شقق الإسكان الاجتماعي 2025| استعلم عنها    سقوط المتهم بالنصب على المواطنين ب«الدجل والشعوذة»    الحدائق والشواطئ بالإسكندرية تتزين لاستقبال عيد الأضحى وموسم الصيف    شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    أزمة تايوان تتفاقم.. واشنطن تعيد تشكيل الردع وبكين تلوّح بالرد    وزير الزراعة يستعرض جهود قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة خلال مايو الجاري    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    أسعار النفط تتجه لثاني خسارة أسبوعية قبيل قرار أوبك+    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    مصرع طفل بصعق كهربائى داخل منزل أسرته بجرجا فى سوهاج    طقس مائل للحرارة اليوم الجمعة 30 مايو 2025 بشمال سيناء    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    فرنسا تحظر التدخين في الأماكن المفتوحة المخصصة للأطفال بدءًا من يوليو    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإمام محمد عبده «3»

مع مرور الأيام وتعاقب الأزمان يظل التاريخ يحمل لمصر فكرها وفقهها الوسطى الذى أنارت به الدنيا فكانت مهدا للوسطية من خلال فقهائها الذين حملوا صحيح الدين ونشروا وسطيته, حتى أصبحت مصر مهدا لتلك الوسطية ، ورغم المحاولات التى تتم من قبل جماعات وتيارات لتشويه الفكر الدينى المصرى إلا ان جميعها تبوء بالفشل بفضل فقهاء الوسطية المصريين الذين جعلوا من بلدهم ابية على التشدد والتطرف





«العلماء ورثة الأنبياء» هذا التقرير النبوى الصريح يعبر عن مكانة العلماء فى الأمة الإسلامية ودورهم الرائد فى قيادتهم علمياً وفكرياً، وإذا تكلمنا عن تاريخنا المعاصر ومن برز فيه من العلماء العالمين لدين الله، فإننا لا نستطيع أن نغفل الإمام محمد عبده رحمه الله.
ساهم محمد عبده بعلمه ووعيه واجتهاده فى تحرير العقل العربى من الجمود، وشارك فى إيقاظ وعى الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهى لمواكبة التطورات السريعة فى العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره فى مختلف النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويقول الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق فعندما نتحدث عن الإمام محمد عبده، فإننا لا نتحدث عن فيلسوف عبقرى، ولا عن مصلح مكافح، ولا عن عالم بارع، ولا عن مفت واع، بل نتحدث عن كل هؤلاء فى شخص ذلك الإمام العالم المجدد، ولنتعرف على جانب من حياته ونشأته.
ويوضح أن الإمام محمد عبده ولد فى عام (1266ه - 1849م) لأب تركمانى الأصل، وأم مصرية تنتمى إلى قبيلة «بنى عدى» العربية، ونشأ فى قرية صغيرة من ريف مصر هى قرية «محلة نصر» بمحافظة البحيرة.
ويشير د. جمعة فى بحثه عن الإمام محمد عبده إلى أن أباه أرسله إلى الكتاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شب الابن أرسله أبوه إلى «الجامع الأحمدى» - جامع السيد البدوى - بطنطا، لقربه من بلدته، ليجود القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئاً من علوم الفقه واللغة العربية.
انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدى إلى الجامع الأزهر عام (1282ه - 1865م)، وكانت الدراسة فى الأزهر - فى ذلك الوقت - لا تخرج عن هذه العلوم فى شىء إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة من صعوبة بعض المتون العلمية عليه، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة، ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما تأكد من إصرار أبيه على موقفه، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه، وهناك التقى بالشيخ الصوفى «درويش خضر». - خال أبيه - الذى كان له أكبر الأثر فى تغيير مجرى حياته.
استطاع الشيخ «درويش» أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون، وقربها إلى عقله بسهولة ويسر.
وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهما للدروس التى يتلقاها هناك، بل لقد صار شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.
انتقل محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التى يتلقاها هناك، بل لقد صار شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.
انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدى إلى الجامع الأزهر عام (1282 ه -1865 م) وقد كان الأزهر غاية كل متعلم وهدفاً لكل دارس، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.
جهاده الفكرى والفلسفي
رأى محمد عبده توجه العديد من المثقفين لتبنى آراء الفيلسوف الفرنسى (كونت) التى كانت تتوجه لهدم النظام اللا هوائي»، فواجه هذا الاقتحام التحديثى الأوروبى الذى انتشر فى كل مكان: فى المدارس العصرية، وفى الصحافة والفنون ووضع المرأة الخ، بتحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولي، واعتباره ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه.
وكان بارعًا فى مناظراته قوى الحجة سهل الأسلوب، ويتضح فى مناقشته مع «هانوتو» قنصل فرنسا فى مصر والتى تعد مظهرًا يجسد وعى محمد عبده، وذلك من خلال رده على حديث أجرته صحيفة الأهرام سنة 1900، مع هذا القنصل، حيث كانت فرنسا تزعم أنها قدمت للبلدان الإسلامية التى استعمرتها شروط اجتماعية وثقافية أكثر تطورًا وقربتها من الحداثة، فيما اعتبرت الاستعمار البريطانى مصعدًا للشبكات الدينية المحافظة.
وفى حديث القنصل الجملة المهمة التالية: «فكما تقدمت أوروبا تأخر الشرق، لأن المواقف يتأخر ما يسير الماشى وإن كل حكومة انفصلت عن الشرق وسارت على النظام الأوروبى علماً ومدنية فإنها نجحت، بل كل ما يود التنبيه إليه أن أوروبا تقدمت، إنما مرجع تقدمها محاربة السلطة الدينية مدة ثلاثة قرون وذلك لكى تفصلها عن السلطة المدنية». ويرد محمد عبده بذكاء على آراء السياسى الفرنسى مذكرًا بأن فرنسا اعتبرت نفسها حامية للكاثوليك فى الشرق، وملكة إنجلترا تلقب بحامية البروستانت، فأين العلمانية؟
ويحدد محمد عبده العلاقة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية بالشكل التالي: «إن الخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم، ولا هو مهبط الوحى ولامن حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة»، «إن الإسلام لم يجعل للقاضى أو المفتى أو شيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام وكل سلطة تناولها هؤلاء فهى سلطة مدنية قررها الشرع الإسلامي، ولايجوز لواحد منهم أن يدعى حق السيطرة على إيمان أحد عبادته لربه، أو يتنازعه فى طريق نظره، هذه نماذج من رؤيته الفلسفية، وقضيته الفكرية، ودفاعه عن الإسلام، ولنظر إلى جانب آخر من حياته وهو الحياة العلمية والدعوية.
حياته العلمية والدعوية
استمر «محمد عبده» يدرس فى «الأزهر» اثنى عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294 ه - 1877م ) ثم انطلق ليبدأ رحلة كفاحه من أجل العلم والتنوير، فلم يكتف بالتدريس فى الأزهر، وإنما درس فى «دار العلوم» وفى «مدرسة الألسن»، كما اتصل بالحياة العامة، وكانت دروسه فى الأزهر فى المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يدرس فى دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما ألف كتابًا فى علم الاجتماع والعمران.
وحينما تولى الخديوى «توفيق» العرش تقلد «رياض باشا» رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح «الوقائع المصرية» واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم «محمد عبده» إليه «سعد زغلول» و«إبراهيم الهلباوي» والشيخ «محمد خليل» وغيرهم، وأنشأ فى الوقائع قسمًا غير رسمى إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ «محمد عبده» هو محررها الأول. وظل الشيخ «محمد عبده» فى هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل «الوقائع» منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.
كما اتصل محمد عبده بعدد من الجرائد، فكان يكتب فى «الأهرام» مقالات فى الإصلاح الخلقى والاجتماعي، فكتب مقالًا فى «الكتابة والقلم» وآخر فى «المدبر الإنسانى والمدبر العقلى والروحاني» وثالثًا فى «العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية».
الإمام محمد عبده مفتياً للديار المصرية:
نستطيع أن ننظر للإمام محمد عبده من أكثر من جهة، فيمكن أن ننظر إليه باعتباره مصلحاً، ويمكن أن ننظر إليه باعتباره مقاوما للاستعمار، وغير ذلك إلا أن أفضل ان نلقبه به هو مفتى الديار المصرى، إذ يعنى ذلك كونه حجة ومرجعية فى ربط الدين بالحياة، وهو ما توج مسيرته الطاهرة.
بعد وفاة الخديوى توفيق سنة (1310ه - 1892م)، ولى الخديوى عباس، الذى كان متحمسا لمناهضة الاحتلال، سعى الشيخ «محمد عبده» إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الاصلاحية التى تقوم على اصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ «حسونة النواوى» وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وهكذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وهو الحلم الذى تمناه منذ أن وطئت قدماه ساحته لأول مرة.
وفى عام (1317ه - 1899م) تم تعيينه مفتياً للبلاد، وجاء الأمر العالى من المعية السنية بتاريخ 24 محرم 1317 الموافق 3 يونيه 1899 نمرة 2 سايرة صورته.
فضيلة حضرة الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية بناء على ما هو معهود فى حضرتكم من العالمية وكمال الدراية قد وجهنا لعهدتكم وظيفة إفتاء الديار المصرية وأصدرنا أمرنا هذا لفضيلتكم للمعلومية والقيام بمهام هذه الوظيفة عطو فتلو الباشا رئيس مجلس النظار بذلك.
الختم عباس حلمى
ونص هذا الأمر العالى موجود فى المجلد الثانى من مجلدات دار الإفتاء المصرية، وهو المجلد الأول من فتاوى الشيخ محمد عبده رحمة الله، وكان أول تسجيل للشيخ فى هذا الدفتر يوم 2 صفر 1317ه - أى بعد أسبوع من صدور الأمر العالى - وبالدفتر 487 فتوى آخرها فى 23 صفر سنة 1320ه، ويبدأ الدفتر الثالث بالنسبة لدار الإفتاء، وهو الثانى بالنسبة للشيخ محمد عبده من 27 صفر 1320، وفى صفحة 160 من الدفتر تنتهى فتاوى الشيخ محمد عبده وعددها فى هذا الدفتر 457 وآخرها فى تاريخ 4 ربيع الثانى سنة 1323ه وبذلك يكون مجموع فتاوى الشيخ 944 مسجلة فى 360 صفحة تقريبا، فى المجلد الثانى والثالث من مجلدات دار الإفتاء، ثم أكمل الدفتر الثالث الشيخ بكرى الصدفى بعد توليته منصب مفتى الديار المصرية.
وفاته
وكانت علاقته بالخديوى عباس يشوبها شىء من الفتور، الذى ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوى من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوى للوقف عشرين ألف فرقا بين الصفقتين.
وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديوى، فبدأت المؤامرات والدسائس تحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجوما قاسيا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة، حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر فى سنة (1323 ه - 1905م).
وإثر ذلك شعر الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض، الذى تبين أنه السرطان، وما لبث أن توفى بالإسكندرية فى (8 من جمادى الأولى 1323ه - 11 من يوليو 1905م) عن عمر بلغ ستة وخمسين عاماً رحمة الله تعالى، ورزقنا الاستفادة من علمه وفكره وجهاده آمين.
سمات الإمام محمد عبده وأثرها فى نتاجه الإفتائي
تميز الإمام محمد بعده بسمات نبيلة أصيلة أثرت فى منهجه العلمى وتراثه الإفتائى وهذه الصفات واضحة جلى تتيح لكل من طالع تراثه الإفتائى أن يقرأ تلك السمات بوضوح ولتعداد تلك السمات نتخير أهمها ونمثل لكل سمة منها بفتوى.
وكان من أهم سمات الإمام محمد عبده فى الفتوى بعد النظر واعتبار المآلات
كان رحمه الله فقيها بارعا ينظر إلى العواقب والمآلات وإلى المفاسد والمصالح وهناك أمثلة كثيرة تؤكد تلك السمة الأساسية فى فكر الإمام محمد عبده نتخير منها تلك الفتوى حيث سئل عن زوجه ارتدت عن الإسلام بقصد فسخ النكاح وعادت إلى الإسلام فورا فهل يفسخ النكاح ردا لقصدها أولا يفسخ ولا ينفذ قصدها؟ وإذا فسخ فما حكم الصداق؟ هل يقر على الزوج بالدخول أو يلزمها حيث إن الفسخ من جهتها وأن الزوج تركها من مدة ثلاثة شهور ولم يسأل عنها إلى الآن؟
فأجاب: قال فى الفتح قد أفتى الدبوسى والصفار وبعض أهل سمر قند بعدم وقوع الفرقة بالردة ردا عليها وغيرها مشوا على الظاهر ولكن حكموا بجبرها على تجديد النكاح مع الزوج ولما كان الإجبار على النكاح غير متيسر ولا نفاذ له وكان كثير من الزوجات قد اتخذن دينهن لعبة يخلعنه كلما أردن التخلص من أزواجهن وهى وسيلة من أقبح الوسائل وجب لذلك إقفال هذا الباب فى وجوههن خصوصا مع تعذر إجراء أحكام الردة عليهن كما هو معلوم فلهذا لا ينفسخ النكاح ولا تقع الفرقة بمجرد ردة الزوجة بل تبقى الزوجة فى عصمة زوجها والمهر واجب عليه بالدخول لا يسقط بردتها كما هو ظاهر والله أعلم.
ويؤكد تلك السمة كذلك إجابته عن هذ السؤال، حيث سئل عن: رجل أقر أنه كان من طائقة الدروز ويريد الآن أن يترك ما كان عليه من الاعتقادات الدرزية ويعتنق الدين الإسلامى الحنيف المبين فهل والحالة هذه إذا أتى بالشهادتين مع عبارة التبرى من جميع ما يخالف دين الإسلام يعتبر بنظر الشرع مسلما ويعامل معاملة المسلمين فورا ولا يعد منافقا وإذا صح إسلامه بتلك الصيغة فما حكم من لم يقبل إسلامه من المسلمين وهل يشترط لقبول إسلامه أن يكون رسميا أرجو الجواب؟
فأجاب: الذى قالوه إنه متى جاء الدرزى ونحوه طائعا معلنا بأنه كان على عقيدته وأنه رجع عنها متبرئا من كل دين يخالف دين الإ»لام وجب قبول قوله واعتبر مسلما وقالوا كذلك إن من لم يقبل رجوع من يريد التوبة إلى الإسلام يكون راضيا ببقائه على الكفر وقالوا إن أقل ما في ذلك أن يكون أثما مسيئا ثم إنه ليست لنا سنة نتبعها فى اعتبار المتحول إلى الإسلام مسلما منا له مالنا وعليه ما علينا فى إخوة الدين إلا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان عليه السلام يقبل الرجعة إلى الإسلام بعد الردة والإخلاص بعد النفاق ولم يكن ينظر إلى من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن القرآن حق والأخرة حق وأن جميع ما فرضه الله فى كتابه واجب الأداء وما منعه يجبعنه الانتهاء إلا نظرة المسلم للمسلم ولم يكن يفرق بين المسلمين فى الإسلام إلا أن يطلعه الله على مكان شخص من نفاق أو قامت له على ذلك شواهد قاطعة. وكتب السنة شاهدة بذلك فكيف لا نقنع من الناس ما قنع صلى الله عليه وسلم منهم وكيف نطالبهم بأكثر مما طالبهم به وهو صاحب الشريعة وإليه المرد عند النزاع.
فهذا الدرزى الذى اعترف بما كان عليه وجاء الآن طائعا من نفسه يشهد أنه على الدين الحق وأنه ينبذ كل دين يخالفه يعد مسلما حقا ومن لم يقبل منه ذلك يخشى أن يبوء بها نعوذ بالله فيتق الله المسلمون وليرجعوا إلى حكم الله وحكم رسوله ولا يكونوا كالذين تقرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم والله ينقذهم مما صاروا إليه وهو يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
أما اعتبار الراجع إلى العقيدة الصحيحة مسلما فلا يحتاج إلى أن يكون ذلك من طريق رسمية بل يكفى أن يعلم الله عنه ذلك ثم فى حريان أحكام المسلمين عليه لا يحتاج إلا إلى أن يعرف الناس منه ذلك وتبين أمره بين من يعرفونه، والله تعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.