في الحلقة السابقة تعرضنا إلي الخطاب الذي ألقاه السكرتير العام للحزب الشيوعي البلغاري زفكوف يوم 14 يونيو 1967 أي بعد العدوان الإسرائيلي بأسبوع ولام فيه القيادة المصرية بالذات لعدم تنسيقها في خطواتها مع الاتحاد السوفيتي وقال إن قياداتها كانت تؤمن بالقومية أو الوطنية وهو ما عرقل اتخاذ إجراءات حاسمة ومنسقة! بعد ذلك تعرض زفكوف إلي تحليله للوضع إلي إسرائيل قبل نشوب الحرب فقال إن إسرائيل استعدت سياسيًا جيدًا قبل أن تقوم بالتواطؤ مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا بمهاجمة مصر والعرب، فاستخدمت الأكاذيب والأساليب القذرة من أجل خداع الشعوب العربية، وعلي سبيل المثال قبل هجومها المسلح بعدة ساعات قليلة أكد وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان أنه لن يحدث أي هجوم عسكري وأن الدبلوماسية هي التي ستتبع، وواضح أنه في نفس وقت هذا التصريح كانت الأوامر قد صدرت لسلاح الطيران الإسرائيلي ببدء الهجوم دون انتظار لقرار مجلس الأمن الذي كان يبحث الأزمة. وأضاف: إن التقارير الأخيرة تشير إلي أن إسرائيل قامت بتقوية سلاحها الجوي بنسبة كبيرة بمعدات بين بريطانيا والولاياتالمتحدة وغالبًا تلقت مساعدة من طيارين يهود من هذين البلدين، وعلي عكس العرب فإن اليهود متعلمون!! إضافة إلي أن إسرائيل اتبعت خططًا مدروسة جيدًا حيث قامت باستخدام الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية أي الحرب الخاطفة والضربات المنسقة في اتجاه واحد، وهي الاستراتيجية التي اتبعتها القيادة السوفيتية من أجل هزيمة جيش هتلر. وعن طريق هذا الهجوم الخاطف استطاعت إسرائيل تدمير 70% من سلاح الطيران المصري علي الأرض، وفي هذا الصدد فإن حالة الإنذار في مصر كانت في المستوي الثالث فقط حيث سمح للطيارين أن يبيتوا في منازلهم، وهنا قاطعه الجنرال إيفان ميخالوف قائلاً: «وأيضًا يصلون في المساجد»! استأنف زفكوف حديثه قائلاً: إن إسرائيل بعد هجومها المفاجئ علي سلاح الطيران المصري، قامت بهجمات علي طول جبهة واسعة في سيناء والأردن مدركة مدي ضعف الجيش الأردني الذي كان يتكون من 12000 جندي فقط مدربين ليس علي الحرب ولكن من أجل حماية الملك حسين، ولذلك أمكن للإسرائيليين هزيمة هذا الجيش خلال ساعات قليلة فقط. وبعد أن قامت بالضربة الرئيسية ضد مصر قامت بتجميع قواتها الجوية وهاجمت سوريا، وقال إنه لا يعرف تقديرات الآخرين حول هذه الحرب ولكنهم في المكتب السياسي للحزب كانوا مدركين منذ البداية أن إسرائيل ستنتصر وقمت بإبلاغ الرئيس اليوغوسلافي تيتو بتقييمنا، وكان رد فعله عصبيًا وأعرب عن عدم اتفاقه مع هذا الرأي قائلاً: إنه متفائل جدًا حول إمكانيات الدول العربية ولكن كان من الواضح لهم أي بلغاريا أنه إذا فشلوا في تقديم المساعدات فإن الجيش المصري سيمني بالهزيمة، وللأسف فإن الأحداث التي وقعت فيما بعد فاقت بكثير توقعاته المتشائمة حيث إن الجيش المصري هزم في وقت قصير ولذلك لم يكن أمام إسرائيل سوي الاتجاه إلي الأمام حيث كان الجيش الإسرائيلي يتقدم بمعدل 60 كيلو مترًا في اليوم. ومع ذلك أثار زفكوف إنه عند تقييم هذه الحرب لا يمكن اعتبار أنها كانت مجرد حدثًا منعزلاً، فلم تكن ببساطة حربًا بين إسرائيل والدول العربية وإنما كانت صراعًا بين القوي الاشتراكية والقوي الامبريالية، صراع للسيطرة علي المنطقة، فالعالم العربي له أهمية سياسية واستراتيجية واقتصادية كبيرة، فهو يربط بين ثلاث قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا، وخطوط المواصلات الرئيسية بين هذه القارات سواء عن طريق البحر أو الأرض أو الجو تمر عبر هذه المنطقة، وقناة السويس لها أهمية اقتصادية واستراتيجية قصوي وتحقق أرباحًا كبيرة للأمبرياليين حيث إنها تجعل من النقل البحري أرخص بمقدار 40% وتخفض فترة أي رحلة للسفن ما بين 14 و16 يومًا. فضلاً عن أن أهمية هذه المنطقة تكمن أيضًا في وجود ثروات طبيعية هائلة حيث إن 60% من احتياطيات العالم من البترول موجودة بها وهي تنتج أكثر من 470 مليون طن من النفط (هذا عام 1967) كل عام أي ثلثي احتياجات العالم الرأسمالي، ولذلك فإن السيطرة علي الشرق الأوسط هي معركة حياة أو موت بالنسبة للأمبرياليين مما دعا بريطانيا إلي إنشاء قواعد عسكرية لها في قبرص ومالطة وعدن، والولاياتالمتحدة لها قواعد في ليبيا وتركيا، ولهما الحق في استخدام القواعد العسكرية في السعودية في حالة نشوب أي حرب. وتحدث زفكوف مطولاً كيف أن إسرائيل تخدم مصالح الغرب والأمبريالية ولذلك فهي تحصل علي الأسلحة الغربية ويسعي الغرب إلي الإبقاء علي بعض المشاكل دون حل مثل موضوع استغلال مياه نهر الأردن واللاجئين الفلسطينيين حتي يظل النزاع العربي الإسرائيلي مستمرًا. كما سعي إلي توحيد القوي الرجعية في العالم العربي عن طريق إحياء ما يسمي بالحلف الإسلامي وهم يسعون أيضًا إلي إسقاط الأنظمة التقدمية في العالم العربي وخاصة مصر وسوريا والجزائر، ونظرًا لقرب هذه المنطقة من بلغاريا فإنها مع الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو الأخري قدمت مساعدات ملموسة إلي حركات التحرر الوطني في العالم العربي. وفيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي فإن الاتحاد السوفيتي بالتشاور مع الدول الأعضاء في حلف وارسو قام بخطة دبلوماسية كبيرة من أجل وقف إطلاق النار، كما قامت القيادة السوفيتية بالتعامل مباشرة مع الأمبرياليين الأمريكيين والبريطانيين وأجرت مباحثات مع ديجول الزعيم الفرنسي وبالطبع مع القادة العرب. وعندما تبين للاتحاد السوفيتي أن هذه الخطوات لم تنجح، قام بالدعوة إلي اجتماع للدول الاشتراكية في موسكو وحذر إسرائيل مباشرة، وتبع ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدولة وإسرائيل وهو ما أدي إلي وقف إطلاق النار خلال ساعات قليلة. وأنهي زفكوف خطابه بأنهم مقبلون علي معركة كبيرة في الأممالمتحدة حيث دعا الاتحاد السوفيتي إلي عقد دورة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة سيصرون خلالها علي الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية إلي خطوط الهدنة أي ما قبل هدنة 1949، وأشار إلي أنه كانت هناك محاولات في الأيام الأخيرة لإلقاء مسئولية الهزيمة علي عبدالناصر. ومن ناحية أخري في مصر لإلقاء اللوم علي الاتحاد السوفيتي بعدم مساعدة العرب، ولكن عبدالناصر تدخل شخصيًا وأوقف هذه الحملات وهناك مقالة في الصحافة المصرية اليوم تمتدح موسكو، كما قام الرفاق السوفيت بالتحدث مع الرئيس الجزائري هواري بومدين حول هذا الموضوع. وأشاد من ناحيته بدور بلغاريا مع العالم العربي وأنهم ينسقون مع الاتحاد السوفيتي وهم علي اتصال مع الزعيم السوفيتي برجنيف يوميًا تقريباً، وكذلك عبدالناصر. من العرض السابق يمكن اعتبار بلغاريا نموذجًا لموقف دول حلف وارسو الأخري، منتقدة وتلوم عبدالناصر ولكنها واجهت الأمر الواقع وتوصلت إلي ضرورة مساعدة مصر كل ذلك في إطار التنافس الشيوعي الغربي بصفة أساسية. أمين عام الجمعية الإفريقية