«سعديون أم عدليون؟!» كتاب (سياسي/إنساني/اجتماعي) ممتع يؤرخ بالصور للعلاقة التي جمعت بين رجلين كانا وقتها علي قمة الهرم السياسي في مصر، سعد زغلول باشا وعدلي يكن باشا. علي مدي نصف قرن ومن واقع مذكرات سعد زغلول يكشف لنا المؤلف عمرو سميح طلعت عن طبيعة العلاقة بين الزعيمين، كيف توطدت وتوثقت وبلغت ذروتها في المودة في العقد الثاني من القرن العشرين، وكيف تزلزلت وأثرت في الحياة السياسية في حقبة حرجة من تاريخ مصر المعاصر. يبحث هذا الكتاب في «أثر العلاقات الشخصية علي السياسة المصرية في التاريخ الحديث» بحسب المصطلح الذي استخدمه الراحل الدكتور يونان لبيب رزق في مقدمة الكتاب المدونة بتاريخ عام 2008، إلا أنه ليس عملا تاريخيا بالمعني التقليدي، وتفسير ذلك لدي د. يونان هو حرص المؤلف علي اختيار عناوين جذابة لفصول كتابه ال12، فكانت ذات طابع أدبي صحفي مثل «غمامة في الأفق» و«معا في عرين الأسد» و«طبول الحرب» و«وقعت الواقعة» و«فارس بلا جواد». تطرح الدراسة التي يقدمها الكتاب قضية فريدة وعلي جانب كبير من الأهمية وهي «الصداقة من ميدان السياسة»، ومنبع الفرادة هنا ألا يلتفت إليها كثيرا في حقل الكتابات التاريخية. وقد جرب الشارع المصري تداعيات هذا النوع من الصداقة ذات مرة في العلاقة التي يستعرضها الكتاب بين سعد زغلول وعدلي يكن، إلي درجة أن سارت المظاهرات في سائر المدن المصرية وهي تردد هتافها العجيب «الاحتلال علي يد سعد ولا الجلاء علي يد عدلي». وحدث مرة أخري بعد أكثر من عشرين عاما بين مصطفي النحاس ومكرم عبيد، لدرجة أن وصف البرلمان الوفدي مكرم عبيد بأنه أسوأ مثل لنائب في تاريخ البرلمان المصري بعد أن كانت صحف الحزب الكبير تلقبه ب«المجاهد الكبير»، وكان العاملون في السياسة المصرية في المرتين ينظرون إلي الشقاق الذي وقع في أكبر الأحزاب المصرية وقتها باعتباره من المستحيلات السياسية، لكنه حدث وانتهي في المرتين بما يشبه الكوارث الوطنية. هل يحق أن نسأل: هل الوفد حزب منذور للشقاق دوما؟ تتصدي الدراسة كما يشرح المؤلف في مقدمته لواحدة من أخصب فترات تاريخنا المعاصر وأثراها حراكا بأحداثها وزخما بشخوصها، وهي الفترة التي أعقبت الإفراج عن سعد زغلول باشا ورفاقه من منفاهم في مالطة في أبريل 1919 في أعقاب الثورة العظيمة وحتي صدور تصريح 28 فبراير 1922. يحلل المؤلف الأحداث والمجريات السياسية والاجتماعية في تلك الفترة من خلال العلاقة الطويلة المتشابكة بين أبرز رجال السياسة المصرية في هذه الفترة، وهي العلاقة التي تباينت وتلونت بين صداقة حميمة وعداوة مريرة عبر رحلة قوامها 45 عاما. أما أهمية الصراع الذي نشب بين الرجلين تأتي من كونه أول صراع في تاريخ مصر المعاصر بين رجلين علي قمة هرم السياسة في مصر، وهو الصراع الذي وصل إلي الشارع واعتصر وجدان المواطن العادي. يسأل عمرو سميح مواقف المعسكرين السعدي والعدلي، ويقف بينهما موقفًا وسطيا، يمتدح صلابة سعد باشا حين رفض العودة إلي مصر لمفاوضة ملنر، وينتقد عدلي باشا الذي مال إلي إهدار ورقة مقاطعة ملنر مع أول تنازل إنجليزي ضئيل. ومن هنا يتصدي المؤلف لأسئلة صعبة في إطار هذه الفترة التاريخية مثل: علي من تقع المسئولية في انشطار الأمة: سعد زغلول أم عدلي يكن؟ يقول المؤلف أن دراسته تلك دعوة إلي إعادة النظر في منهج «الشخصية المطلقة» والثوابت الفكرية في الكتابات التاريخية، ولهذا فهو يقدم بتعبيره «صيحة فكرية» تدعو إلي وضع شخصياتنا التاريخية في إطار بشري وإنساني. يتتبع عمرو قصة واحدة من أعقد الأزمات السياسية وأعنفها في تاريخ البلاد خلال النصف الأول من القرن العشرين، حتي أن خريطة القوي السياسية في مصر في تلك الحقبة رسمت في أثناء أزمة 1921، وهي الخلاف بين سعد زغلول وعدلي يكن «الثاني أصغر من الأول بست سنوات» علي رئاسة وفد المفاوضات مع بريطانيا. فبسبب تلك الأزمة وقع أول انقسام في الوفد بعد أقل من عامين علي تأسيسه، ويسأل المؤلف هل كانت رئاسة وفد المفاوضة هو السبب، الفتيل الذي أشعل بقية الحرائق، أم أنها إرهاص لصدام كان واقعا وحتميا لا محالة؟ تتصاعد الأحداث وتتهاوي ويعلن سعد الهدنة، ويلقي بيان «الأخوة ضد الإنجليز» إن صح تسميته بذلك الاسم، و«ترجع المياه إلي مجاريها» بين أشهر رفيقين في التاريخ السياسي، لكن الأهم من وجهة نظر المؤلف أن مضمار السياسة يحسن أن نؤمن فيه بالأفكار لا بالأشخاص.