(إلغاء الشهادة الابتدائية) كان أخطر وأجرأ القرارات التي اتخذها وأصدرها وتحمس لها بشدة وصدق وزير المعارف العمومية (عدلي يكن) باشا في 23ديسمبر سنة 1915والاستعاضة عنها بامتحانات قبول تلائم المدارس الأميرية التي كانت يشترط للالتحاق بها الحصول علي هذه الشهادة ! وجاء في نصوص هذا القانون الذي نشرته وقتها صحيفة الوقائع الرسمية في ملحقها الصادر بتاريخ 13 يناير 1916 ما يلي وبالحرف الواحد : وبناء علي هذا القرار أصبح الغرض الأساسي الوحيد المقصود من شهادة الدراسة الابتدائية، هو التأهيل للدخول بالمدارس الثانوية والمدارس الخصوصية السالفة الذكر ليس إلا، غير أن اختلاف هذه المدارس بعضها عن بعض لايزال آخذا في الازدياد، إذ من الواضح أن العلوم التي تؤهل للدخول بتلك المدارس ليست واحدة من حيث نوعها ودرجتها بالنسبة للبنين والبنات، ولا بالنسبة للمدارس الثانوية ومدرسة الفنون والصنائع أو مدرسة الزراعة المتوسطة مثلا، ولهذا يكون من المفيد، بل من الضروري لمصلحة هذه المدارس ولمصلحة التعليم بوجه عام، أن يستعاض عن شهادة الدراسة الابتدائية بامتحانات قبول تلائم حالة تلك المعاهد علي اختلاف أنواعها. هذا من جهة ومن جهة أخري فإنه لا يصح اعتبار الدراسة الابتدائية في حد ذاتها تامة تبرر منح شهادة ما، ومما تجب ملاحظته عدا ذلك أن كشف الدرجات التي تعطي للتلاميذ عند إتمام دروس السنة الرابعة بالمدراس الابتدائية كاف للدلالة علي حضورهم الدروس بهذه المدارس. وستنظم امتحانات القبول المقترحة لكل مدرسة علي القواعد العامة نفسها المقررة لامتحان شهادة الدراسة الابتدائية، وبحسب مناهج التعليم الابتدائي، أما المدارس الثانوية فإن تفاصيل هذه الامتحانات قابلة للتعديل علي سبيل التجربة. ومما ينبغي التنبيه إليه، أنه نظرا للضائقة المالية الآن، ستبقي رسوم الامتحان جنيهين مصريين كما هي الآن. وأما المدارس الخصوصية فمن الواضح أنه يحصل بكل منها امتحان قبول تعلن تفاصيله في الوقت المناسب بقرار وزاري، والمشروع يتلخص في الاقتراحين التاليين: 1- إلغاء شهادة الدراسة الابتدائية. 2- الاستعاضة عن هذه الشهادة بامتحانات قبول تلائم حالة المدارس الأميرية المتنوعة التي يشترط للقبول بها الحصول علي شهادة الدراسة الابتدائية. والمأمول أن تعديل النظام بهذه الصورة يأتي بمزايا جمة، منها تحسين انتخاب التلاميذ وتقدم المدارس الموضوع لأجلها، مع تعيين الصفة المميزة لكل مدرسة منها، والمساعدة علي تقوية هذه الصفة وإنمائها. وبما أن مجلس المعارف الأعلي وافق في جلسته المنعقدة في الثاني والعشرين من ديسمبر 1915 علي مشروعي القانون والقرار اللذين أعدا لذلك، نتشرف بعرضهما علي مجلس الوزراء للتصديق عليه.) انتهي النص الكامل لقانون إلغاء الشهادة الابتدائية عام 1915 والذي لم يكن متاحا معرفته أو حتي قراءته حتي أعادت مجلة «ذاكرة مصر المعاصرة» نشرة في عددها الأخير، هذه المجلة الوثائقية والمعرفية المحترمة التي تصدرها مكتبة الإسكندرية بحماس مديرها العام المثقف الكبير الدكتور «إسماعيل سراج الدين» ورئاسة تحرير الدكتور «خالد عزب» المثقف المحترم والكاتب اللامع، وكل التحية لأسرة تحرير هذه المجلة الفصلية الرائعة. ويجرني الكلام والكتابة عن «عدلي يكن باشا» وزير المعارف العمومية إلي الإشارة والإشادة بكتاب مهم وفريد وبديع اسمه «عدلي يكن : الارستقراطية والحركة الوطنية المصرية» تأليف الدكتور «إبراهيم العدل المرسي» وقد صدر عن دار الكتب والوثائق القومية في سلسلة مصر النهضة التي يرأس تحريرها الأستاذ الدكتور «أحمد زكريا الشلق» والكتاب يقع في 376 صفحة. وربما كان هذا الكتاب الذي كان في الأساس رسالة الماجستير لصاحبه هو أول دراسة علمية جادة عن «عدلي يكن» الذي يعد من أبرز السياسيين المصريين خلال النصف الأول من القرن العشرين، أو كما يقول المؤلف نفسه: «إن «عدلي يكن» من الشخصيات التي برزت بصورة أو بأخري علي مسرح الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر خلال تلك الفترة التي حفلت بثورة مصر القومية عام 1919، بل لقد ارتبط بهذه الحقبة اسمي «سعد زغلول» و«عدلي يكن» حتي أن مصر أصبحت إما «سعديينش وهم الكثرة أو «عدليين» وهم القلة وليس هنا مجال استعراض المشوار الوطني والسياسي لهذا الزعيم الوطني الكبير، والذي يتناسي الكثيرون دوره الوطني والسياسي وزيرا ورئيسا للوزراء، بل كانت - ومع كل الأسف - تنطلق المظاهرات تهتف ضده قائلة الاحتلال علي يد سعد ولا الاستقلال علي يد «عدلي» ! وفي غمرة تجاهل تاريخ الرجل نسينا إنه وزير المعارف الوحيد الذي فكر في تعميم التعليم الأولي ونشره بالبلاد، وكان ذلك عام 1917 لأن الأمية كانت متفشية بالبلاد، وكانت نسبة العالمين بالقراءة والكتابة إذ ذاك 8% من مجموع سكان القطر المصري، ومن ثم بدأت وزارة المعارف العمومية في دراسة هذه المسألة بعد أن اتضح أن الوقت قد حان لتعميم التعليم بين طبقات الشعب !! وحسب ما جاء في كتاب الدكتور إبراهيم العدل المرسي فقد أعد «عدلي يكن» باشا تقريرا وافيا عن هذا الموضوع في 21 مايو 1917، وكان التقرير مفاجأة سارة ومدهشة بكل المقاييس ! تقرير عدلي لا شارع «عدلي» أيها السادة يستحق مقالا آخر !!