أرجو ألا ينزعج الدكتور «أحمد زكى بدر» وزير التربية والتعليم وهو وزير جدع يستحق الاحترام والتقدير والمساندة فى معظم قراراته التعليمية والتربوية، أرجوه بجد ألا ينزعج من عنوان هذا المقال، بل أرجو وأتمنى أن يقرأه كاملاً - وبعيداً عن ضغوط وهموم ومشاكل الوزارة والمناهج والمدرسين والطلبة ووجع الدماغ اليومى. جرت أحداث ووقائع هذه الحكاية قبل 94 عاماً بالتمام والكمال عندما نشرت صحيفة «الوقائع» الرسمية فى ملحقها الصادر بتاريخ 13 يناير 1916 القانون الخاص بإلغاء الشهادة الابتدائية والاستعاضة عنها بامتحانات قبول تلائم المدارس الأميرية التى كانت يشترط للالتحاق بها الحصول على هذه الشهادة! كان وزير المعارف العمومية فى ذلك الوقت هو السياسى الكبير «عدلى يكن باشا» - والذى أصبح بعد سنوات قليلة واحدا من رموز ثورة 1919 التى قادها الزعيم «سعد زغلول»! ونعود إلى وثيقة «إلغاء الشهادة الابتدائية»، وكما انفردت بنشرها مجلة ذاكرة مصر المعاصرة فى عددها الأخير أكتوبر 2010 والتى تصدر عن مكتبة الإسكندرية ويرأس تحريرها المثقف البارز واللامع د. «خالد عزب» - والمشرف أيضاً على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، وهو مشروع يستحق الحفاوة والتحية وكل التقدير. جاء فى نص القانون ما يلى وبالحرف الواحد: «من مقتضى الأحكام الجارى العمل عليها الآن أن يكون الحصول على شهادة الدراسة الابتدائية شرطاً للقبول فى المدارس الثانوية الأميرية ومدرسة الممرضات والقابلات ومدرسة المعلمات السنية، ومدرسة الفنون والصنائع بالقاهرة، ومدرسة الزراعة المتوسطة بمشتهر، ومدرسة المحاسبة والتجارة المتوسطة وكانت الفائدة من تحويل حق الدخول بالمدارس المذكورة لحامل هذه الشهادات القليلة القيمة غير مقصودة بالذات، بل الغرض الأصلى من وجودها هو أن تكون مؤهلة للاستخدام بالوظائف الصغرى بالحكومة، كما قضى بذلك أولا قرار مجلس النظار - الوزراء - الذى صدر فى السادس والعشرين من فبراير سنة 1892 أى من عهد إنشائها - ثم الأمر العالى الذى صدر فى الرابع والعشرين من يونيو 1901، وذلك لأن درجة التعليم ما كانت تسمح إذ ذاك باشتراط الحصول على شهادات أرقى!! وقد كانت الوزارة ترى على الدوام أن الاستخدام بهذه الشهادة إنما هو حكم مؤقت يتحتم إلغاؤه عندما يتيسر انتخاب موظفين للوظائف الصغرى، يكونون أكثر كفاءة من الحاصلين على شهادة الدراسة الابتدائية فقط، ولذلك فهى لم تأل جهداً فى العمل على تحقيق هذه الغاية، أما الآن وقد اتسع نطاق التعليم، ولاسيما منذ عهد تعديل نظام التعليم الثانوى المصدق عليه بقرار من مجلس النظار فى 22 يونيو 1905 فيمكن القول بأننا قد أدركنا الغاية التى نسعى وراءها، فإن عدد التلاميذ بالمدارس الثانوية الأميرية لم يزل آخذاً فى الازدياد من ذاك العهد، فبعد أن كان 1345 فى عام 1905 أصبح 2637 فى عام 1914، وإذا أضيف إلى هذا العدد الأخير عدد تلاميذ المدارس الثانوية المصرية الحرة، يكون المجموع 6266 فى عام 1914. وكذلك عدد الطلبة الذين نالوا شهادة الدراسة الثانوية، فبعد أن كان 177 طالبا فى 1905 أصبح 535 فى سنة 1915، وقد دلت الاختبارات الحديثة على أن الوظائف ذات المرتب الضئيل يتقدم لها الحاصلون على شهادات أرقى من الشهادات الابتدائية، حتى زاد عددهم كثيراً علي المطلوب «!!!». فهذه وزارة الأشغال أعلنت عن امتحان لعشرين وظيفة مؤقتة لكتبة تحت التمرين، براتب شهرى قدره جنيهان مصريان، فتقدم إليه فى العاشر من يناير 1914 «153 طالباً منهم 74 حاصلون على شهادة الدراسة الثانوية قسم أول» أى من الذين تلقوا الدراسة الثانوية مدة سنتين على الأقل و49 طالباً حاصلون على الشهادة الثانوية قسم ثان أى من الذين تلقوا الدراسة الثانوية مدة أربع سنوات على الأقل، هذا ولقد زادت نسبة الطلبة الحاصلين على الشهادة الكاملة للدراسة الثانوية الذين لم يتيسر لهم الاستخدام «التوظف» فبعد أن كانت 1% سنة 1905 أصبحت 27% سنة 1915 «!!!». ويستنتج من هذه الزيادة السريعة أنه لم يبق ثمة مسوغ لبقاء شهادة الدراسة الابتدائية باعتبارها مؤهلة للقبول فى وظائف الحكومة، ولهذا قرر مجلس الوزراء فى التاسع من يونيو 1915 أن تكون شهادة الدراسة الثانوية «قسم ثان» أقل مؤهل للتوظيف بالوظائف العالية، وشهادة الدراسة الثانوية «قسم أول» أقل مؤهل للاستخدام بالوظائف الصغرى وذلك لحين صدور أمر جديد». ولايزال فى قصة وحكاية «إلغاء الشهادة الابتدائية» ماهو أكثر إثارة وتشويقاً!!