أشار تيتو خلال مقابلته يوم 30 مايو 1967 للسفير المصري في بلجراد طبقا لتقرير الرئاسة اليوغوسلافية أنه واضح أن موقفا صعبا للغاية سينشأ إذ ما دخلت القوات الإسرائيلية الأراضي السورية في الوقت الذي مازالت فيه القوات الدولية في مواقعها(في سيناء) ولذلك فإن التاريخ سينصف الرئيس عبد الناصر. وفيما يتعلق بمضايق تيران قال تيتو إن هذه مياه إقليمية تابعة للجمهورية العربية المتحدة ولا توجد أي اتفاقية تنظم الملاحة عبر المضايق وهذه نقطة ضعف الامبرياليين فالقاهرة تحارب فقط من أجل احترام حقوقها وإسرائيل نفسها مازالت في حالة حرب مع مصر. وبالرغم من أن إسرائيل أوقعت خسائر وأضرت بمصر إلا أنها لم تدفع أي تعويضات عن ذلك، ولذلك من الغريب ويبعث علي الدهشة أن تصر إسرائيل الآن علي سماح مصر بعبور شحنات الأسلحة لها عبر المياه الدولية والتي ستستخدمها ضد الجمهورية العربية المتحدة نفسها. أوضح تيتو أن الرئيس عبدالناصر لديه مشاغل كثيرة وهو سعيد بأنه سيحضر إلي يوغوسلافيا في أجازة للراحة في شهر أغسطس المقبل. وهناأعرب السفير المصري أنه يأمل أن يكون الوضع قد تحسن حينئذ، هذا بالاضافة إلي أن الرئيس عبد الناصر في حاجة فعلا للراحة. من الجدير بالذكر أن المقابلة تعرضت إلي موضوعات أخري غير النزاع العربي الإسرائيلي، فقد اشار تيتو إلي موضوع النزاع بين أثيوبيا والسودان وأنه سيستفسر من الامبراطور هيلا سيلاسي عما يحدث معربا عن اعتقاده أن هناك جهات معينة تناور من أجل احداث قلاقل بين البلدين. أجاب السفير أن هناك من يدعون أن مصر تحاول تحسين علاقتها مع الصومال لأن الرئيس عبد الناصر يريد السيطرة علي البحر الأحمر. وهنا رد تيتو قائلا أنه من الواضح من أين تأتي هذه الادعاءات، وقد يكون يشير في هذا الصدد إلي الولاياتالمتحدة التي كانت علاقاتها وثيقة مع الحبشة في ذلك الوقت وأنشأت أكبر محطة اتصالات وتنصت في اريتريا التي كانت الحبشة قد ضمتها إليها، وكانت لا ترضي عن نمو العلاقات بين القاهرةوموسكو وزاد تيتو القول إنه يبدو أن بريطانيا لا تريد مغادرة عدن، حيث لم تكن بريطانيا قد اخلت قواتها من هناك بل كانت هناك حركة تحرير قوية ضد الاستعمار البريطاني تؤيدها القاهرة، فضلا عن تخوف البريطانيين من تواجد القوات المصرية في اليمن (هذا تعليق مني). في تقييمه للوضع قال إنه بالنسبة لبعض المسائل المعلقة، فإنه من الأفضل البحث عن حلول لها فيما بعد، وغير ذلك فالأمر سيؤدي إلي تصاعد الوضع أكثر مما هو عليه حاليا. ومن الضروري إجراء حوارات والاتصالات الشخصية هامة من أجل أن نري بوضوح ما هو أولوية وما ليس له هذه الأولوية. تعرض تيتو إلي الوضع في فيتنام قائلا إن الأمريكيين في ورطة هناك فالأمور لا تسير طبقا لما خططوا له بالرغم من القوات الكبيرة لهم هناك حيث إن خسائرهم ضخمة. ولذلك فإن الولاياتالمتحدة تهدف - كما قال - إلي القيام بطبخة مافي اماكن أخري من العالم مما يتيح لها القيام بتصعيد آخر للوضع في فيتنام. واضح - وهذا تعليق مني - أن تيتو كان مصيبا في رؤيته حيث إن التورط الأمريكي في فيتنام وقصف فيتنام الشمالية بأكبر عدد من الطائرات إلي جانب قصف لاوس وكمبوديا خلال الفترة اللاحقة لم ينفع في دحر قوات فيتنام الشمالية ضد الحكومة العملية للأمريكان في فيتنام الجنوبية وزادت خسائر القوات الأمريكية حتي وصلت إلي مستويات غير مسبوقة تقدر بأكثر من خمسين ألف قتيل ومئات الألوف من الجرحي، وهذا الجرح الدامي لا يزال يؤرق الأمريكان حتي الآن لأن قواتها لأول مرة تلقت هزيمة موجعة من دولة في العالم الثالث كما يحدث في افغانستان الآن. في نهاية المقابلة استرعي نظري في محضرها أنه بالرغم من أن تيتو عبر بوضوح عن تأييده لمصر والرئيس عبدالناصر، إلا أنه كان كما يبدو يستشعر الأمور ورأي أن يوجه رسالة غير مباشرة إلي «صديقة» عبد الناصر عندما قال للسفير إنه واثق إن الرئيس عبد الناصر يدرك كما أدرك في السابق كيف سيقيم الأمور وينجح في المحافظة علي ما حققه وسيعيد ما فقده في السابق، وهذا سيؤدي إلي مزيد من الاحترام تجاه الجمهورية العربية المتحدة كدولة محبة للسلام سواء ضمن اصدقائها أو ضمن الدول الأخري. هل كان تيتو يرغب في أن يقنع عبد الناصر بالتوقف عن تصعيد الوضع وهو ما استشعرت القاهرة بالفعل بوادره وخطورته (أسبوع قبل العدوان) خاصة أنه علي ما يبدو فإن تيتو كانت له سفارة مقيمة في إسرائيل لاشك أنها كانت تتابع عن كثب التعبئة العسكرية داخل اسرائيل وهو أمر لم يكن خافيا عن أحد في هذه الفترة الحرجة. هذا مجرد تكهن وتخمين من جانبي. في المقال المقبل سنتعرض إلي التقييم السوفيتي للوضع في الشرق الأوسط بعد حر ب 1967 ونتائجها علي مصر موسكو أيضا. امين عام الجمعية الافريقية