** نحن مع القصاص العادل.. فى كارثة بورسعيد.. وفى أى حادث، أو أى خروج على القانون.. مسألة بديهية جدا، ولا يمكن أن يختلف عليها أحد، إلا لو كان هناك من قرر أن يخالف المستقر من القواعد، وهى من الأساسيات التى حرصت عليها الأديان، وعلى رأسها الدين الإسلامى، الذى يقدم لنا الآية الكريمة "ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب"، وقد راجت كلمة القصاص كثيرا، أو بمعنى أصح لم يكن هناك سواها، بعد وقوع 74 من الشباب المحب لناديه، فى مباراة المصرى والأهلى، فى مدينة بورسعيد، وهى بالفعل صحيحة.. ومنطقية، ومطلوبة، لأن البلاد المحترمة فى أرجاء الأرض، هى التى تطبق الشعار الأكثر أهمية على الإطلاق، وهو أن من يخطئ يعاقب، والقانون موجود لكل تصرف يندرج تحت الخروج عن القانون، أو مخالفة القواعد، أو الخروج عن الآداب والتقاليد.. طبيعى أن يكون هناك عقاب، منطقى أن يكون هناك قصاص، وغير ذلك هو انحراف وخروج عن ناموس البشر. وقد جرى.. وربما لا يزال الأمر قائما حتى الآن.. أن قام البعض، بربط عودة بطولة الدورى، أو أى بطولة غيرها.. أو حتى أى نشاط كروى، حتى يتم القصاص لكل من سقط فى بورسعيد من الضحايا الذين نحتسبهم عند الله من الشهداء، وكان الكلام واضحا.. لا عودة للدورى قبل القصاص، وقد يكون ما قيل صحيحا بنسبة مائة فى المائة فى نظر البعض.. أو حتى فى نظر الأغلبية، أو لعله يفتقد الحكمة، ويبتعد عن المنطق فى نظر البعض الآخر، باعتبار أنه لن يفلت أحد بجريمته.. مهما كان، وفى دولة يطبق فيها القانون، ولا يعنيها أن تتستر على أحد.. خاصة بعد ثورة 25 يناير.. فمن الطبيعى أن يكون العقاب قائما، وقادما.. مهما كانت تلك الجريمة، ومهما كان فاعلها.. أما أن يتم الربط بين القصاص وعودة النشاط.. فهذا ما ينبغى التوقف عنده، ليس لأننى أريد أن أناصر فكرة عودة مسابقة الدورى كما يسعى البعض ويستعجلون ذلك فلا ناقة لى ولا جمل فى عودتها، أو عدم عودتها.. وأملك من الشجاعة أن أقف ضد عودة المسابقة، حتى لو كان فى هذه العودة مصلحة أو فائدة شخصية، بينما المصلحة العامة ستتضرر من هذه العودة.. وعندها سأقف ضد قرار عودتها.. وأملك من الموضوعية للاعتراف بذلك، وأملك من الإخلاص ما يدفعنى إلى الوقوف إلى جانب المصلحة العامة، وليس المصلحة الشخصية، وأملك أيضا القدرة على إعلانه على الملأ.. لو كان الوضع فى الاتجاه العكسى.. أيا كان! ما يعنينى هنا أمران.. الأول هو أهمية تعريف معنى القصاص؟ وهو أمر فات الكل تقريبا عندما كان اللفظ يتداول أمامهم.. وأعنى ليس تعريف معنى القصاص كتعريف إجرائى، كما يقول الأكاديميون.. إنما أعنى ما المقصود بالقصاص على أرض الواقع فى حادثة بورسعيد تحديدا؟ هل هو القبض على المجرمين؟ هل هو التحقيق معهم فى النيابة وتوجيه الاتهام لهم؟ أم هو الوصول إلى مرحلة محاكمة الجناة ومشاهدتهم وهم واقفون خلف القضبان الحديدية؟ أم أنه الحكم عليهم بالعقوبة الواجبة التى تتناسب مع حجم جرمهم؟ أم هل سيكون المعنى الحقيقى للقصاص هو الانتظار حتى تكون الأحكام نهائية على كل مجرم ارتكب أو شارك فى هذه الفعلة؟ من المهم أن نحدد المعانى، ونحدد ما هو المقصود بالقصاص.. لأن الكلمة فضفاضة جدا.. وتؤدى بالبعض إلى ممارسة الموضة الشائعة السائدة فى مصر حاليا، وهى توجيه الاتهامات والإساءات لكل من يقول كلمة، تخالف آراء أو قناعات أصحاب الصوت العالى، بمعنى أن كل من يتكلم عن عودة الدورى، أو يناقش مستقبل الكرة من هذه الزاوية.. يتعرض للتشكيك، والهجوم، والتجاوز.. لأنه فى هذه الحالة ضد القصاص، ومن هنا لابد أن نعرف ما هو القصاص عند من وضعوا القاعدة.. لأننا بالفعل فى ورطة حقيقية بكل معنى الكلمة، لأنه لو كان المقصود هو الحكم على هؤلاء المجرمين بأحكام نهائية، فقولوا البقاء لله على كرة القدم فى مصر.. لأن أى فترة يمكن أن تستمر فيها المحاكمة حتى تكون الأحكام نهائية.. لن تقل عن عامين بأى حال من الأحوال، من هنا.. أطرح السؤال: ما معنى القصاص يا سادة؟ أم أن هناك أزمة الآن بسبب الانفعال الذى دفع البعض إلى اتخاذ مواقف متشددة، سيظهر على المدى الطويل صعوبة.. إن لم يكن استحالة تنفيذها أو الأخذ بها.. وربما تجد من يهاجم، وينتقد من نادى بها من الأصل!! الأمر الثانى.. هو التنبيه والتحذير من ضرورة الأخذ فى الاعتبار أنه لا ينبغى أن يتم استئناف النشاط الكروى تحت أى ظرف من الظروف، بعيدا عن قضية القصاص، قبل أن تكون هناك ثورة بكل معنى الكلمة تغير كل ما يتعلق بالرياضة فى مصر، وبالتحديد كرة القدم.. فلن يكون مقبولا أن نعود بنفس القواعد السائدة يوم أن وقعت حادثة بورسعيد.. لن يكون منطقيا ولا مقبولا أن تحكمنا.. بعد تلك الكارثة الشنعاء.. نفس اللوائح، أو نفس العقليات، أو نفس السلوكيات، ولا يمكن أبدا قبول ما كان يحدث من قبل.. لا من الجمهور.. ولا من المدرب.. ولا من اللاعب.. ولا من الإدارى.. ولا من الإعلام.. ولا من الحكم.. لا يمكن أن تبقى تلك القواعد العرجاء المضحكة بعد ما جرى فى بورسعيد.. لا يمكن أن نقبل بنفس الوجوه، أو من على شاكلته ليحكم اللعبة، ويقرر مصائرها.. لن نقبل هتافات الجماهير الخارجة عن النص.. أيا كان الجمهور، وأيا كان حجمه ووزنه.. ولن نقبل بأن يكون العلاج، هو قيام مخرج المباراة بخفض صوت الشتائم والهتافات التى تدوى من الآلاف فى الاستادات المختلفة.. حتى لا تصل إلى مسامع الناس فى البيوت، وكأننا رضينا أن ندفن رءوسنا فى الرمال.. ولا نقوم بحل المشكلة، وليست هناك أى غضاضة فى ذلك بالمرة.. أهو دفن الرءوس أسهل من علاج المشكلات.. لن يكون مقبولا أن يعترض الرائح والغادى على قرارات الحكام، وأن يشوح اللاعب فى وجه هذا أو ذاك.. أو يقف المدرب، ليستفز بحركاته المدرجات المتحفزة ضد كل صافرة يطلقها الحكام.. أعرف أن هذا كله من الأولويات التى ينبغى التعامل معها.. بكل جدية، فمن المستحيل ألا تتعلم الشعوب إلى هذه الدرجة، أليس هناك أكثر من موت كل هذا العدد، لنبدأ فى إعادة النظر، ومراجعة كل شىء.. حتى لا تتكرر الحادثة، أو على الأقل.. احتراما لدماء من سقطوا من ضحاياها. أخشى أن يمر الأمر هكذا دون أى رد فعل.. ساعتها والله ستكون الكارثة بحق، ستصبح والله وصمة عار فى جبينهم، وسيحاسبهم التاريخ كما لم يفعل من قبل.. وساعتها سيكفينى أننى عشت وسط هؤلاء الناس.. وكتبت ما يمليه الضمير.. فيذهب ما كتبت ليقيمه التاريخ.. ويذهبون هم إلى المكان الذى يستحقونه من التاريخ أيضا.. وأظنكم تعرفونه!! * صفحة الكاتب * مقالات أخرى للكاتب - ملعون أبو كرة القدم مائة مرة!! - الذين يتاجرون بالحقيقة.. ما هو هدفهم ولماذا أبوتريكة؟! - كلنا شركاء فى الكارثة.. وهؤلاء أول المتهمين!!