يسفر مسار الأحداث عن ثلاثة سيناريوهات متوقعة , الأول أن تنحسر حركة المظاهرات تدريجيا مع التجاهل الذي يبديه الإنقلابيون و يأس المشاركين من الكتلة الصامتة و عودتهم تدريجيا إلى صمتهم و بالتالي تبقى النخبة الثورية وحدها في الشوارع فيبدأ سحقها بقسوة . و مع هذا القمع تنزل الثورة تحت الأرض و يتفرق الثوار حسب خلفياتهم الفكرية و توجهاتهم إلى تنظيمات مسلحة سرية تبدأ حرب عصابات ضد العسكر و تنظيمات سياسية سرية تعمل على تجنيد أفراد جدد و بناء . قاعدتها إنتظارا للحظة مناسبة أخرى . و حركة الشارع الحالية تجعل هذا السيناريو - حتى الآن- مستبعدا . السيناريو الثاني أن تستمر حركة الإحتجاجات في تصاعدها الحالي مع الحفاظ على السلمية حتى تسبب ضغطا هائلا على الإنقلابيين قد يصل إلى حد الإنهيار الإقتصادي الذي يفقد الحكم شرعيته تماما و هنا إما أن يتدخل المجتمع الدولي لفرض حل كما حدث في الحالة اليمنية , و إما أن يستجيب العسكر للضغط بطريقتهم المعهودة فيرتكبوا عدة مجازر أخرى و يعتقلوا آلاف أخرى . و ساعتها إذا حافظ الثوار أيضا على سلميتهم في مواجهة البطش سيتدخل الخارج بضغط أكبر على العسكر لفرض الحل الذي يحقق مصالحه . و السيناريو الثالث هو المواجهة المسلحة المفتوحة على غرار النموذج السوري الحالي إذا إنفلت الثوار الذين يمثل الشباب كتلتهم الكبرى من القيادة السياسية نتيجة البطش الشديد من قبل العسكر و الوصول إلى قناعة بأن من يحمل السلاح لا يواجه إلا بالسلاح . السيناريوهات الثلاثة تمثل ثلاث إرادات , الأول يمثل إرادة العسكر و الثاني يمثل إرادة المجتمع الدولي الذي يرغب في بقاء الخيوط في يده . و الثالث يمثل إرادة الثورة و الثوار و ذلك لأنه السيناريو الوحيد الذي يوفر فرصة للإنتصار على النظام العسكري العميل و القضاء تماما على إمكانية إعادة الكرة مرة أخرى . السيناريو الثالث رغم أنه قد يكون مرتفع الثمن - مع أني لا أستطيع تعريف إرتفاع الثمن بعدما رأيت في رابعة و النهضة - و لكنه بالنظر إلى طبيعة المجتمع المصري سيكون مضمون النتائج . فالجيش المصري يختلف عن جيش بشار الطائفي و بالتالي فالمعركة بالنسبة له لن تكون معركة وجود كما هي للعلويين حول بشار . كما ان بوادر التذمر داخل الجيش بادية للعيان و ربما يحتاج من يعترض على ما يحدث إلى من يدفعه إلى الثورة فعليا على قياداته الفاسدة و تحمل المواجهة المتوقعة , و ما يوفر ذلك ان يراها حتمية عندما ينفذ صبر الشعب و يبدأ في الدفاع عن نفسه ضد مجازر السيسي , ساعتها عندما يرى من هم حول السيسي الموت فبالتأكيد لن يختاروا الموت من أجل العميل . كما يجب أن نضع في الإعتبار طبيعة الصعيد الذي يمثل معظم مساحة مصر و ينتشر السلاح به بصورة كبيرة مما يوفر قاعدة جيدة للثورة المسلحة . و بالتالي فالمتوقع أن ينحسم الصراع في وقت قياسي و ينتهي بتطهير الجيش تماما من كل المجرمين و تحل المشكلة من جذورها . و رغم هذا.. فإن طبيعة قيادة الثورة الحالية و طريقة تفكيرهم تجعل سيناريو الحل الدولي هو الأكثر ترجيحا , و الحقيقة أن المزايدات غير مجدية و لا تليق فقيادة التحالف لدعم الشرعية هي مجموعة من الوطنيين الذين لا غبار عليهم و لكن هناك العديد من الأسئلة المشروعة التي تجب الإجابة عليها . أولا و هو الأهم هل تتوقعون أن يوفر الحل الدولي قصاصا عادلا من كل من قتل مصري خلال هذه الأحداث ؟ فإن كانت الإجابة المنطقية هي لا , فمن يدفع إذن ثمن دماء آلاف الشهداء ؟ أم أن دماءهم بلا ثمن ؟ الحقيقة أن أحد مقومات النظام العسكري التي يجب إلغائها حتى تنجح الثورة هي أن دماء أصحاب الزي العسكري خط أحمر مهما أجرموا , هذا فضلا عن أننا سئمنا من أن يموت إخواننا فقط لنبكيهم و نحتسبهم عند الله عز و جل .. يجب أن نرى القصاص هذه المرة . هل ستكون الشرعية المنتخبة هي العامل المتحكم في إعادة هيكلة الجيش بعد نهاية الإنقلاب بناءا على الحل الدولي أم القيادة العسكرية الحالية ... نفس القيادة التي دعمت السيسي أو صمتت على إجرامه ؟ ألا تتوقعون أن تقوم النخبة العسكرية الموالية للولايات المتحدة بإعادة تموضع خادع آخر داخل الجيش ...؟ أم أنكن تعلمون كل أفراد هذه النخبة ؟ و في حال حافظت هذه النخبة العميلة على كيانها داخل الجيش فما الإنجاز الذي حصلنا عليه و المشكلة التي قمنا بحلها في مقابل كل التضحيات ؟ إننا مقبلون على عملية عسكرية أمريكية ضد سوريا سيخفي " ضجيجها أي قمع يقوم به الإنقلابيون في مصر و بالتالي ف "جنة المسيرات " الحالية لن تستمر طويلا و سيستغل السيسي إنشغال وسائل الإعلام العالمية ساعتها لإرتكاب مجازر جديدة .. فإلى متى نظل نقتل وحدنا ؟ و هل سيقبل الشعب المصري هذا الهوان ؟ يجب على قيادة التحالف الإجابة بدقة عن هذه الأسئلة قبل الذهاب إلى طاولة المفاوضات حتى لا تفلت الأمور من أيديهم و يفقدوا كل شيء . إن الحل الدولي و إن كان ظاهره الرحمة و حقن الدماء فغن باطنه عذابا يستمر سنينا طويلة . إن إصرار الثوار على إستمرار التحرك في الشارع حتى عودة الشرعية الدستورية كاملة يجب دعمه و إستغلاله بالكامل . لا تقدموا أي تنازلات تصيب معنويات الثوار في مقتل فالناس لا تخاطر بحياتها من أجل نصف ثورة . إن أقل ما نقدمه لشهدائنا هو إنهاء الإنقلاب بالكامل و تطهير الجيش و الشرطة بأجندة وطنية ثورية خالصة .