مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    المستشار محمود فوزي: لا يمكن تقنين الخلو.. ومقترح ربع قيمة العقار للمستأجر به مشاكل قانونية    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    5 بروتوكولات تعاون لاستغلال أصول غير مستغلة بشركة المياه في سوهاج (صور)    معلومات استخباراتية تكشف عن تجهيز إسرائيل ضربة ضد النووي الإيراني    ترامب يتهم مساعدي بايدن بالخيانة ويتوعدهم ب«أمر خطير»    عمر مرموش أفضل لاعب فى مباراة مان سيتي ضد بورنموث بالدوري الإنجليزي    اغتيال مستشارة عمدة مكسيكو سيتي في هجوم مرتبط بالجريمة المنظمة    ترامب ل زيلينسكي: الرئيس الأمريكي وحده المخول باتخاذ قرارات العقوبات    متحدث الحكومة يكشف عن سبب زيارة رئيس مجلس الشورى السعودي لمصر    غزل المحلة يوضح حقيقة تلقيه عروضًا لبيع الجزار وبن شرقي للأهلي والزمالك    عودة رمضان صبحي ومصطفى فتحي.. قائمة بيراميدز في رحلة جنوب أفريقيا لمواجهة صن داونز    الغندور يكشف مفاجأة بشأن اقتراب الزمالك من ضم محترف الدوري الإنجليزي    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    نظر طعن عمر زهران على حبسه في قضية "مجوهرات شاليمار شربتلي" اليوم    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    تفسير رؤية شخص يطلق عليَ النار ويصيبني.. دلالات مختلفة    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    وزارة الثقافة تحتفى بالكاتب الكبير محمد سلماوى فى عيد ميلاده الثمانين    تعرف على شخصية آسر يس في فيلم الست بطولة مني زكي    وزير الشؤون النيابية عن الإيجار القديم: سيتم رفع الأجرة السكنية إلى 1000 جنيه حد أدنى في المدن و500 جنيه بالقرى    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض في الأسواق اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    اليوم.. فتح باب حجز شقق سكن لكل المصريين 7 (تفاصيل)    غرق طفل أثناء الاستحمام بترعة نجع حمادي في المراغة    امتحانات الثانوية العامة السابقة pdf.. امتحان الكيمياء 2023 للصف الثالث الثانوي علمي علوم (أسئلة وأجوبة)    تجديد حبس المتهم بقتل طفل بكرداسة    عاجل.. روجيرو ميكالي: أرحب بتدريب الزمالك ولكن    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    أسعار الذهب اليوم في السعوديه وعيار 21 الآن في بداية تعاملات الأربعاء 21 مايو 2025    مفاجأة من شخص تعرفت إليه مؤخرًا.. برج العقرب اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    عائلة عبدالحليم حافظ تكشف عن تسجيلات نادرة وتحضّر لبرنامج درامي عن حياته    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    خبر في الجول - بسبب التمسك ب 40 مليون جنيه.. تعطل مفاوضات الزمالك مع السعيد    صاروخية مرموش تقود مانشستر سيتي لتخطي بورنموث في الدوري الإنجليزي    إصابة 6 أشخاص فى حريق بشقة شرق الإسكندرية    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق: ما تفعله إسرائيل في غزة يقترب من جريمة حرب    المجلس الوطنى الفلسطينى يرحب بإعلان بريطانيا فرض عقوبات على مستوطنين    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا الجديدة

تركيا في الشرق الأسط هي نموذج أكثر منها دولة عادية ضمن المنظومة الإقليمية.فهي كانت في مطلع العصر الحديث مركز الخلافة في دورتها الأخيرة، وبدءا من مطلع القرن العشرين أصبحت النموذج الذي قدمه النظام العالمي للدولة القومية في المنطقة، والتي يعتبر فيها الجيش هو الحامي للنموذج.
لكنه لم يكن أبدا نموذجا ساحرا أو أخاذا، فكل شئ فيه مقيد، الحريات والحقوق والتطور الاقتصادي والقدرات العسكرية والثقافة والإبداع، إلى غير ذلك.
كل شيئ مقيد لمصلحة النظام العالمي وليس لمصلحة سكان الدولة ولا شعوب المنطقة. كما لو أن النظام الدولي الذي استقر بعد حربين عالميين أراد أن يُجمد تلك المنطقة في الحالة التي كانت عليها لحظة انهيار الدولة الكبرى التي كانت تقودها، وهي الدولة العثمانية.
فقد أدركت السياسة الدولية أهمية التجميد في العلاقات الدولية لعلاج بعض القضايا أو للتخلص من منافسين لا يمكن محوهم. فلو كانت شعوب المنطقة يُمكن محوها كما مُحيت شعوب أخرى كالهنود الحمر، فإن النظام العالمي لم يكن ليتردد في محوها، لكن ذلك المحو متعذر لأسباب متعددة، أهمها القوام الثقافي والحضاري الصلب الذي يشكل وجدان تلك الشعوب.
فالقاعدة أن ما لا يُمكنك محوه فعليك تجميده في ثوب الدولة العسكرية.
وفي نقاش حاد بين النخب المصرية، فإن الفريق الذي يؤيد بقاء الجيش في المجال السياسي كان دائما ما يتخذ تركيا نموذجا يُحتذى، فالجيش يحمي الدستور ويحمي العلمانية؛ بينما هو لا يحمي في الحقيقة سوى صيغة التجميد المفروضة على المنطقة. فالمدقق في الحالة التركيا تاريخيا لا يُمكنه أن يكتشف ملامح علمانية حقيقية ليحرسها الجيش، ذلك بالإضافة إلى تناقض العلمانية بأصولها الغربية مع مفهوم أن تقوم مؤسسة عسكرية بحمايتها، فالعلمانية تمثل تمردا على هيمنة المؤسسات، دينية كانت أو عسكرية.
وقد أشرنا في دراستنا حول "العلمانية في الفكر الغربي" أنها لم تتمرد على الكنيسة باعتبارها معبدا دينيا وإنما باعتبارها مؤسسة للهيمنة والسيطرة على نظام الدولة وعلى عقول سكانها.
وكنت قد انتويت أن أتبع تلك الدراسة بجزء ثاني عن العلمانية التركية، لكني اكتشفت سريعا أنه لا يوجد ما يُكتب عنه، فلا تطور لأي مفهوم خاص أو مفاهيم محددة لعلمانية متميزة أو حتى قريبة الشبه للعلمانية الغربية في لحالة التركية.
وبالتالي فلم أنظر من وقتها لتركيا كحالة علمانية، وإنما كحالة للدولة المجمدة في ثلاجة أيا كان العنوان المكتوب على تلك الثلاجة.
فبينما كانت العلمانية في الغرب وسيلة لتخليص الغرب من حالة التجمد والجمود الذي فرضته الكنيسة، وبالتالي معادلة لتحرير العقل والوجدان وإطلاق روح الإبداع والمبادأة لدى الشعب، بما يسمح بتحقيق طفرات حضارية، فإن عنوان العلمانية في تركيا، كما في كافة الدول العربية التي تتخندق بعض نخبها خلف راية العلمانية وتطالب الجيوش بحمايتها، ليست إلا وسيلة لتجميد الأوضاع السياسية والثقافية التي تولدت عن النزاعات العسكرية والحضارية حتى منتصف القرن العشرين. وبالتالي اُستغلت العنواين العلمانية لتقييد شعوبنا عن الإبداع والانطلاق لصياغة رؤاها الحضارية التي تُعبر عن طبيعتها وخصوصيتها.
العلمانية الغربية هي وليدة تطور وكفاح في مواجهة الهيمنة، بينما أن العلمانية لدينا هي بذاتها وسيلة للإبقاء على الهيمنة ومنع التطور الطبيعي لشعوبنا.
وربما لم أجد تطبيقا لفكرة هيجل عن الديالكتيك أو التناقض الموِّلد مثلما هو في الحالة التركية، فإن صعود الإسلامية منذ مطلع الثمانينات في مواجهة معادلة التجميد تحت عنوان العلمانية أدى لخلق حالة ثالثة تعبر عنها النخبة السياسية الحالية في تركيا، وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية، دون استبعاد بقية الأحزاب. فالجميع يتفق على رفض حالة التجميد التي فُرضت على تركيا منذ الحرب العالمية الأولى لكنهم أيضا لا يتبنون رؤى خاصة تقوم على الهدم والاستبدال للانتقال لنموذج جاهز آخر، فثمة اتفاق ضمني على إطلاق ملكات الشعب ليتطور بصورة طبيعية وصحية دون فرض أي نموذج عليه؛ فلا العدالة والتنمية يمتلك صورة مسبقة لنموذج إسلامي للدولة، كما لم تعد الأحزاب الأخرى تتخندق خلف معادلة العلمانية الأتاتوركية.
وإذا كانت الحركة الإسلامية التقليدية تتبنى نموذجا ذهنيا للدولة التي تريدها، فإن التجديد الذي حمله العدالة والتنمية هو أنه لا يبحث عن نموذج يفرضه، بل عن إطلاق العنان للشعب التركي ليبني نموذجه بنفسه، مستفيدا من عملية التصحيح التي أجراها الحزب للعلمانية التركية.
وهو ما يثير الدهشة والإعجاب، أن يقوم حزب ذو أصول إسلامية بتصحيح العلمانية بعدما نجح هو نفسه في تجديد الخطاب السياسي الإسلامي.
لسنا أمام مكيافيلية يمثلها السيد رجب طيب أردوغان ، بحيث يتبنى العلمانية فقط ليُسقطها كما اتهمه بعض خصومه سابقا؛ فمن ناحية لم تتوفر أسس حقيقية لعلمانية صحيحة قبل أردوغان، ومن ناحية فإن ما روّج له أردوغان لا يتناقض مع رؤاه الإسلامية، وإنما قام بعملية توفيق واسعة بين المفاهيم الإسلامية التي يؤمن بها والقيم العلمانية المتعارف عليها في الغرب، لينزع من الدولة العميقة سلاحها في مواجهة النخبة السياسية بزرع الخلاف الدائم، ولينزع من المؤسسة العسكرية حجتها بحماية العلمانية.
لم يتخلَ أردوغان عن دفاعه عن السلوكيات التي تدعو لها الحركة الإسلامية التقليدية، لكنه نقلها بكل بساطة من نطاق المعارك الأيديولوجية إلى مجال الحقوق والحريات بالمعنى المقصود في العلمانية الغربية، فربح معركة الحجاب والأذان وغيرهما دون أن يُنهك المجتمع في معارك ضد طواحين الهواء، ودون أن يمنح الدولة العميقة سببا لوقف مسيرته.
واليوم، فإنه يدخل معركة بناء الجمهورية الجديدة وإنهاء دور الجيش في الحياة السياسية بنفس المنطق، فهو لا يحمل مشروعا مناقضا للدولة القائمة، وإنما مشروعا لإنقاذها وتخليصها من هيمنة مؤسسة تعيق عملية استجماع الشعب لعناصر القوة والصحة.
يبدو إن الجميع يتوافق على قبول التغيير والانتقال من الجمهورية الأولى بمعادلتها أيا كانت تسميتها، إلى معادلة جديدة لدولة متحررة من الأشكال المفروضة مسبقا، لكنها تُحدد هدفها في تكريس الديموقراطية وحكم القانون وحماية الحقوق والحريات وإطلاق روح الإبداع لإنجاز ازدهار اقتصادي يعكس ما تتمتع به تركيا من قدرات.
شدني الخطاب الرسمي الأول لأردوغان وهو يشرح مبادئ رابعتهم والتي من بينها الدولة الواحدة بمساحتها التي أصر أردوغان على أن يحددها بالكيلومتر، وهو ما يعني أنه لا يسعى لبناء إمبراطورية وإنما للحفاظ على الدولة وتخليصها مما يُعيق انطلاقها لتفلت من نموذج التجميد "مرة واحدة وللأبد"، وفقا لما جاء في كلمته وهو يصف ما سيقوم به من إعادة هيكلة القوات المسلحة.
وفي المقابل فإن المؤازرة التي تمتعت بها الحكومة من معارضيها وهي تواجه الانقلاب، ثم الكلمات التي ألقيت تباعا من الأحزاب السياسية، عبرت عن توافق على انتهاء صلاحية الجمهورية الموروثة عن القرن الماضي، خصوصا ما منحته للمؤسسة العسكرية من وظيفة أساسية في حماية للدستور والعلمانية، ليحل محلها الشعب حاميا للدولة وللدستور ولحكم القانون ولحقوقه وحرياته، بل وحاميا لدور الجيش ضمن بقية مؤسسات الدولة.
نحن أمام تركيا جديدة بدأت توا منذ 15 يوليو 2016 ، ليست النموذج الذي تحمله الحركة الإسلامية التقليدية، ولا النموذج الذي تروج له العلمانية التركية والعربية، وإنما النموذج الذي سعى لتحقيقه الأتراك خلال العقدين السابقين.
هذا المقال لا يعبر الا عن رأي كاتبه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.