كتب: أحمد عبد الحميد مصر هبة النيل..هكذا وصفها المؤرخ الإغريقى هيرودوت عندما رأى الحضارة على ضفتيه منذ أكثر من ألفي عام، لكن دوام الحال من المحال، فشريان الحياة أصبح يهدد حياة المصريين نتيجة كم الملوثات التى تصب فيه. عندما تقترب منه بضع عشرات الأمتار لا تخطئ أنفك حدسها، ماء آسن تفوح منه رائحة كريحة لا تُطاق، يستشقها الأهالي صباحًا ومساءً..إنه مصرف "الرهاوى" الذى يصب مياه رى الحاصلات الزراعية الزائدة فى النيل، أو هكذا كان دوره منذ عقود قبل الزيادة السكانية ومد الأهالى لمواسير صرف منازلهم فيه، وقيام سيارات الكسح بإلقاء مخلفاتها طوال اليوم. نحو 4 ملايين فدان من الأراضى الزراعية تُسقى حاصلاتها بمياه مصرف الرهاوى الذى يمر بمحافظات الجيزة، البحيرة، كفر الشيخ، الغربية و المنوفية، ويبدأ الصرف من محافظة الجيزة ليسير نحو 85 كيلومترًا من منطقة الهرم مرورًا بقرية نكلا والرهاوى حتي يصل فرع رشيد، وهو ينتج أكثر من 30 مليون متر مكعب يوميًا من المياه المخلوطة بالصرف صحى غير المعالج، ناهيك عن مخلفات المستشفيات والمصانع. "أصابنا الفشل الكلوى والتهاب الكبد الوبائى بسبب المياه الملوثة التى تُلقى فى النيل، نذهب لمحطة تحلية المياه يوميًا لتعبأة "جراكن" كى نشرب، لكنها لا توفى باحتياجاتنا من المياه، بالإضافة إلى أنها رغم تنقيتها إلا أنها تحتوى على قدر من الملوثات"، هكذا يقول "أحمد فؤاد" أحد سكان قرية المناشي التابعة لمركز منشأة القناطر بالجيزة، والذى أكدت على كلامه "الحاجة مستورة" بقولها : "مياه حنفية منزلي صفراء ورائحتها متغيرة ، أنا أذهب لمحطة المياه لشراء مجموعة جراكن الواحد ب5 جنيهات" . من جانبه يقول الحاج حسين شيخ الصيادين بالمنوفية : " الأسماك تنفق بسبب التلوث، ولدينا أكثر من 100 ألف صياد، يموت منهم سنويًا نحو 100 صياد نتيجة تعرضهم لملوثات هذا المصرف على مدار سنوات، وعلى الرغم من جهود وزارة الصحة بتوفير العلاج بالمستشفيات إلا أنها جهود تذهب أدراج الرياح، وصرح وزير الصحة فى أحد البيانات الصحفية أنه استورد بقيمة مليار و 600 مليون جنيه عقار لعلاج المواطنين من فيروس سي، وأى فائدة تعود على الدولة مع وجود شعب مريض يعيش عالة على الدولة !!، الحكومة تركت الصيد الحر وتوجهت للمزارع السمكية متجاهلة مشاكل الصيادين. "أحد سيدات القرية سقطت فى المصرف ولم نجد جثتها إلا بعد أيام، وأطفالنا معرضون للسقوط والوفاة بسبب هذا المصرف المكشوف"، هكذا يقول حامد محمود أحد سكان منشأة القناطر، مؤكدًا أنه بالإضافة إلى الملوثات فالمصرف غير آمن كونه يشق التجمعات السكانية دون مراقبة. من جانبه قال المهندس صلاح عز، رئيس قطاع تطوير وحماية النيل، إن زيادة المواليد ونشأة التجمعات السكانية العشوائية دون تخطيط لإنشاء منظومة الصرف الصحي أدت بالأهالى لإلقاء مخلفاتهم المنزلية دون مراعاة للاشتراطات الصحية الآمنة، مؤكدًا أن مصرف الرهاوى فى الأصل مخصص لصرف مياه الأراضى الزراعية، وليس الصرف الصحي، وهناك مسئولية تقع على وزارة الإسكان وهيئة مياة الشرب والصرف الصحى. مصرف الرهاوي وأكد "عز" أن هناك اتفاقية مع بنك الإنماء الكويتى لتمويل ورفع أداء محطات معالجة المياه التى تزود المنازل بمياه الشرب، مشيرًا إلى أن فرعي دمياط ورشيد خاليين تماما من الصرف الصناعى، وذلك بعد تحويل جميع المصارف إلى مصبات خارج النهر بالتنسيق مع وزارة البيئة، والمشكلة مشتركة مابين سلوكيات المواطن الخاطئة والدولة التى تركت التجمعات العشوائية دون مراقبة.