رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد تواصل تونس بذل جهودها لتجاوز حالة الانفلات التي عرفتها مؤسساتها التعليمية خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حزب حركة النهضة، في حين أكدت أحدث الدراسات المتخصصة أن الأغلبية الساحقة من الإرهابيين ليسوا من الفقراء والأميين كما يعتقد البعض وإنّما النسبة الأكبر منهم تنتمي إلى عائلات من الطبقة الوسطى، وحظيت بمستوى تعليمي محترم. كما تبيّن أن عدداً مهماً من الأطباء والمهندسين وأخصائي تقنيات الاتصال والرياضيات وغيرهم من خريجي التخصصات العلمية والتقنية تبنّوا الفكر المتطرف واتجهوا للانضمام إلى صفوف جماعات متطرفة مثل داعش وجبهة النصرة، علماً أن نحو 2500 تونسي يوجدون حالياً في بؤر القتال في سورياوالعراق بينما نجحت السلطات الأمنية في منع تسعة آلاف شاب تونسي من الالتحاق بتلك البؤر حسب ما ذكرت صحيفة البيان الإماراتية. ويجمع المراقبون على أن نسبة التطرف لدى طلبة أو خريجي الاختصاصات العلمية والتقنية تفوق بكثير نسبة خريجي الآداب والعلوم الإنسانية، وردّ الباحث الاجتماعي التونسي هشام الحاجي. ذلك إلى أن العلوم الإنسانية أعطت للطالب فرصة أكبر للتفكر والبحث والاجتهاد النقدي من خلال رؤى فكرية وفلسفية متقدمة ومنفتحة على التجارب الإنسانية وعلى نتاج الفكر البشري في حين أن الاختصاصات العلمية تجعل العقل متجهاً للحفظ أكثر من التأمل وللتبلور في اتجاه تبني المعلومة على أنه نظرية صحيحة غير قابلة للقراءة النقدية. في العام 2013، قال الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي خلال كلمة ألقاها بمناسبة انعقاد المؤتمر السابع والثلاثين لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو"،إن على المنظومة التربوية أن تؤسس للسلم في العقول حتى يستطيع العالم مواجهة خطر التشدّد والإرهاب، مشدداً على ضرورة أن تتلاءم المنظومة التربوية مع التحديات التي يواجهها العالم في محاربة الاستبداد والتطرف والتشدد. ويرى وزير التربية التونسي الجديد ناجي جلول، أن إصلاح المناهج التعليمية بات ضرورياً لتحقيق ثورة فكرية حقيقية من شأنها أن تحول دون تغلغل التطرف والإرهاب في الأجيال الصاعدة. وقال جلول ل "البيان" إن طبيعة التحديات التي تواجه العرب تفرض على وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام الاجتماع حول مشروع قومي تنويري وإصلاحي لضمان الخروج من المأزق الحضاري الذي تمر به الأمة وساعد على انتشار فكر متطرف وإرهابي وإقصائي وعدواني يمثل تنظيم داعش أحد وجوهه. وأضاف أن مواجهة التطرف والإرهاب لن تنجح باعتماد الحل الأمن أو العسكري وحده وإنما تحتاج إلى رؤية بيداغوجية وثقافية متقدمة ومناهج تعليمية مستنيرة وخطاب إعلامي يحترم العقل ومنوال تنمية يحقق الكرامة للجميع وعدالة اجتماعية تقطع مع سياسات التهميش والإقصاء. ويشير جلّول إلى أن على الدول العربية أن تجتمع حول مشروع إصلاحي قادر على مجابهة المدّ الظلامي الزاحف، خصوصاً أن المعركة الحالية هي معركة فكر قبل كل شيء في ظل الفضاءات المفتوحة والتقنيات الحديثة التي تستعملها الجماعات المتطرفة والإرهابية. مضيفاً أن التحدي لا يتعلق ببلد أو نظام ولكن بالأمة كلها، خصوصاً أن ما يحدث في الشرق يؤثر في المغرب وما يحدث في سوريا أو العراق يعكس صداه على تونس والجزائر والمغرب. ويعتقد أغلب المراقبين في تونس أن السياسات التعليمية باتت تحتاج إلى مراجعة جذرية نظراً لعجزها على بلورة الفكر النقدي القادر على التحليل، كما أنها لا تخلو من نصوص متحجرة، وهو ما أشار إليه وزير الشؤون الدينية التونسي السابق منير التليلي، عندما أكد أن إصلاح المنظمة التربوية يقتضي بالضرورة إصلاح مادة التربية الإسلامية التي تم تهميشها أخيراً من حيث عدد ساعات تدريسها ومن حيث الضوارب وتأثيرها في التلاميذ. وبحسب المحلل السياسي جمال العرفاوي فإنه و إضافة إلى الاختراقات الكبيرة التي تحققها دولة الخلافة الإسلامية المعروفة اختصاراً بتسمية داعش في مجال الإعلام والاتصال، عرف هذا التنظيم القروسطي من أين تؤكل الكتف وهو يتجه إلى تغيير المناهج التعليمية في المواقع التي يسيطر عليها. ولكن مقابل ذلك ما زالت العديد من الحكومات العربية تعاني من نظام تعليمي متخلف لا ينتج إلا التطرف، ففي تونس مثلاً بقيت العلوم الصحيحة في الصدارة وهمشت المواد الأخرى كالفلسفة والتربية المدنية والتاريخ والجغرافيا واللغات. ويمكن للملاحظ العادي أن يكتشف أن الأغلبية العظمى من شبابنا ممن انخرطوا في التنظيمات الإرهابية غالبيتهم هم ممن مروا بالمدارس والمعاهد العلمية وخاصة الهندسة والإعلامية والطب وكانت آخر جريمة إرهابية شهدتها بلادنا تكشف لنا أن الفتيات المتورطات من خريجات المعاهد العلمية فأمينة العامري "التي تم القبض عليها بعد أن كانت تدير الجناح الإعلامي لتنظيم أنصار الشريعة المرتبط بداعش" مثلاً كانت متفوقة في الهندسة. استقطاب الطلبة. وفي يوم 15 يناير الماضي، أكد وزير الداخلية التونسية السابق لطفي بن جدو، أن المقاربة الأمنية في تونس تبقى عاجزة عن القضاء على ظاهرة الارهاب اذا لم تتم دراستها من مختلف الزوايا ووفق مقاربات متعددة منها التربوي والتعليمي والسياسي والاجتماعي والنفسي، وبين خلال اليوم الدراسي المنتظم في مقر الإدارة العامة لوحدات التدخل بباردو حول الشباب ومخاطر التطرف الاستقطاب الوقاية وآليات التصدي أن الجهود المبذولة في المعركة ضد الإرهاب غير كافية سواء في مقاومة أماكن الاستقطاب الافتراضية الإنترنت أو في الفضاء الواقعي وخصوصاً المدارس والمساجد. وخصص الأستاذ في علم الاجتماع صلاح الدين بن فرج محاضرته لتقديم مسار استقطاب الشباب من قبل الجماعات المتطرفة بدءاً برياض الاطفال وصولاً إلى المعاهد الثانوية والجامعات ثم المساجد بالإضافة إلى استغلال الفضاء الافتراضي لتسميم العقول بالفكر التكفيري.