إعداد: مارينا ميلاد فى شارع ضيق يزدحم بالمارة، ووسط آلاف الكتب التى تملاً أرفف المكتبات و الطاولات و الأرصفة .. يجلس محمد أبو زيد ، فى مكتبته بسور الأزبكية ، يرتبها و ينظفها لتكون جاذبة لأعين العابرين و مرتادى المكان من طلبة و باحثين و غيرهم. يتفحص "أبو زيد" الوجوه التى تقلب عينيها بين الكتب المعروضة لديه ليعرف نوعية ما يريده كل شخص ، و هو ما اسماه بسر المهنة ، التى يعمل بها منذ أكثر من 20 عاماً : " بعض البائعين مجرد ما يشوفوا زبون يبدأوا يقولوا له كل اللى عندهم ، لكن أنا بستنى أشوف وش الزبون و شكله و عينيه رايحة على أى كتب ، و بحدد هو هيطلب إيه بالظبط و بعرضه عليه". تسيطر فوضى و ضوضاء الباعة الجائلين على سور الازبكية ، مما جعله يفقتد سحره الذى ينبعث من مزيج الكتب العتيقة و الحديثة التى تحويها مكتباته ، و هو ما يسبب حزن الرجل الخمسينى : "من حوالى 10 سنين مكنش فيه الفوضى و الازعاج و عدم النظافة اللى فى المكان دلوقتى ، و دى حاجة مؤسفة لأن سور الازبكية من الأماكن المهمة جداً اللى بتجمع كتب من كل شكل و نوع و فى كتب مش موجودة فى أى مكان تانى ؛ فلازم نحافظ على المكان أكثر من كده ". "قواعد العشق الأربعون، الفيل الأزرق، 1919،عزازيل" .. مجموعة من الروايات الحديثة تصدرت المشهد فى سور الازبكية من حيث إهتمام الباعة بترتيبها فى مقدمة المعروضات كونها الأكثر مبيعاً ، ليتراجع بيع كتب نجيب محفوظ ، و طه حسين ، وعباس العقاد و غيرهم من رواد الأدب فى مصر ؛ فيقول "أبو زيد" ، الحاصل على بكاروليوس تجارة ، إنه يفضل قراءة الكتب و الروايات القديمة ، خاصة روايات "محفوظ" ، مشيراً إلى أن أغلب زبائنه من الشباب و الطلاب و هم يقبلون على شراء الروايات الحديثة و القصص القصيرة ، التى وصف أغلبها بال "ضعيفة"، و نادراً ما يأتى أحد لشراء كتاب أو رواية قديمة. "الاهتمام بالقراءة و الثقافة مبقاش زى زمان لظروف الحياة الصعبة " .. هكذا يرى السبب وراء قلة إقبال المواطنين على شراء الكتب ، مضيفاً :"و اللى عايز يقرأ أى كتاب أو رواية بيحمله من على الأنترنت ، من غير ميدفع فلوس رغم أن أسعار جميع الكتب فى متناول أيدى الجميع". عزوف أغلب المواطنين عن شراء الكتب و الروايات الأدبية جعل "أبو زيد" يقوم بالاتجاه للكتب التعليمية ، التى تشهد رواجاً خلال هذه الأيام قبل بدء العام الدراسى الجديد :" معظم رواد السور دلوقتى بيجوا يشتروا الكتب التعليمية الخارجية ، وهى متوافرة هنا بشكل كبير، والكل بقى بيشتغل فيها عشان المكسب ، خاصة الأيام دى". يختلف محمد أبو زيد عن غيره ممن يروا أن دعم الثقافة يتوقف على الدولة و النظام القائم ، لكنه يرى أنه يتوقف على المواطن ، و قراره أن يكون مثقفاً أم لا ، مختتماً حديثه : " مسئولية الدولة الكبرى هى الاهتمام بالتعليم ، و هو الأساس الذى يترتب عليه كل شئ " .