الإسلام دين السلام، لاشك في هذا، ولكن البعض يتعسف في فهم النصوص ليجعل من الإسلام دين الحرب والقتال، والإسلام دين الرحمة، ولكن البعض يتعسفون في فهم الدين ويجعلون منه دين النقمة والعذاب والوعيد، يحرم البعض ان يلقي أتباع رسالة السلام، السلام على غير المسلمين، وكأن الإسلام جاء ليكون رسالة سلام للمسلمين وحرب على غيرهم، ويحرمون أيضا أن يترحم أبناء دين الرحمة على غير المسلمين، وكأنهم جعلوا من أنفسهم قيمين على رحمة الله يوزعونها كيف يشاءون!. واللافت ان العلماء الذين لم يجيزوا الترحم استندوا الى أدلة من أحاديث وآيات في غير موضعها ذلك ان أدلتهم كانت عن عدم جواز الاستغفار، الا ان الاستغفار غير الترحم، الله غفور يغفر الذنب، وغفار وغافر، والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، والاستغفار أيضا هو طلب الستر والتغطية، ومع مغفرة الله توجد رحمة الله أيضا، وهذه غير تلك، فالله سبحانه وتعالى رحيم ورحمن وقد ورد اسم الله الرحمن في القرآن في مواضع كثيرة منها قوله تعالى {الرحمن علم القرآن}. والرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي ابلغ من الرحيم، والرحمة في حقنا هي رقة في القلب تقتضي الاحسان الى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف والعطف، ومن سياق القرآن الكريم سنجد ان الله وصف نفسه ببعض الصفات المشبهة التي لا يجوز ان نصف بها أيا من خلق الله، فنقول على الله فقط أنه رحمن، ولكننا لا يمكن ان نصف أحد البشر مهما كان قدره بأنه رحمن، ولكننا نصف الواحد من الناس بأنه رحيم. ومن هنا قال عدد من الفقهاء الكبار بجواز الترحم على الأموات من غير المسلمين لأن المغفرة غير الرحمة، ولأن الرحمة أوسع من المغفرة، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم {ورحمتي وسعت كل شيء}. وفي خضم الأيام النكدات التي شهدتها مصر أخيرا أردت ان أقف على الأفكار الدينية المتطرفة التي اقتحمت حياتنا فكان ان استمعت لدرس ديني لأحد من يصفون أنفسهم بأنهم أهل العلم وهو الشيخ أبو اسحاق الحويني كان قد ألقاه منذ سنوات قليلة، وفي الدرس سأله سائل: هل يجوز ان ألقي السلام على المسيحي فقال الحويني: «اذا قابلت النصراني فلا تحيه بتحية الإسلام قل له أي تحية، صباح الخير أو صباح الفُل واذا وقع في مشكلة لا مانع ان أقدم له يد المساعدة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: دخل رجل الجنة في كلب سقاه.يا أخي! نزِّل هذا منزلة ذاك»!. هذا ما يقوله الشيخ لحوارييه وهذا ما يسمعه البسطاء منه، عامل المسيحي كما تعامل الكلب! هل هذا إسلام؟ وهل هذا الهراء ينتمي لدين الفطرة النقية السليمة؟!. ولهؤلاء أقول لهم، ألم تقرأوا في القرآن قول الله عز وجل {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: 47]، وقوله تعالى: {وَاذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ان اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء:86]. وقوله تعالى {يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها} ولفظ بيوت وأهلها هنا جاءا على العموم. أما عن تحريم شيوخ الفتنة الترحم على أموات أهل الكتاب فأين يذهبون من قول الله سبحانه وتعالى {كتب ربكم على نفسه الرحمة} واذا أسلم رجلٌ وظل أبواه على دينهما الكتابي أفلا يجوز له ان يترحم عليهما مصداقا لقوله تعالى {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}؟ وأين يذهبون من رحمة الله التي أسبغها على أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فجعله أخف الناس عذابا في النار؟ وأين يذهب شيوخ الفتنة من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن) وحديث (انما يرحم الله من عباده الرحماء) والأحاديث هنا على عموم اللفظ مهما كان دين الرحماء وفقا لما ذهب اليه الفقهاء. هذا قليل من كثير الا ان البادي من واقع حالنا أننا نحتاج الى صياغة خطاب ديني يختلف عن الخطاب الذي جابهونا به بالسيوف وبألسنة حداد.