إنما يرحم الله من عباده الرحماء ويقول رسولنا الحبيب (صلى الله عليه و سلم) «لا يرحم الله من لا يرحم الناس».. وما نشاهده من سلوك عام يشير عكس ذلك تمامًا فقد رأيت مشاجرة لصاحب ورشة يمسك صبيبته وأخذ يكيل لهم الضربات المبرحة بالعصى.. وقرأت خبرا عن ابن يقتل أبيه فى إحدى القرى بسبب مشاجرة على مصروف البيت.. وشاب يسب شيخا كبيرا فى حافلة عامة لأنه طلب أن يفسح له الطريق.. مشاهد كثيرة من العنف والسب والقذف تؤكد على حدوث خلل أخلاقى داخل المجتمع المصرى.. وتشير أيضًا إلى انتزاع الرحمة من قلوب البعض حتى صارت قلوبا متحجرة.. ولكن من الحجارة تتدفق منها الماء أو تهوى من خشية الله.. وهذه نتيجة طبيعية لموت الضمير وطمس على القلب.. مع أن سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم) قدم لنا نماذج بسيطة لتحفيز الناس على التراحم فيما بينهم وكذلك على الحيوانات كما قال «امرأة دخلت النار فى هرة» و«غفر لرجل رحم كلب وأنقذه من العطش»، ويقول «فى كل كبد رطبة».. ونقول من هذا المنطلق أننا نستطيع أن نميز بين المؤمن البار والظالم الفاجر.. فالقلوب المؤمنة بالله عامرة بالرحمة، أما الكافرة الظالمة تحمل بين جنباتها قلوب غليظة لا تعرف النور وارتضت بالظلام.. والتاريخ سجل صفحات سوداء لأمثال القسم الثانى منهم سالين ونيرون وفرعون مصر.. والفرق بين المؤمن البار الرحيم والفاجر كالفرق بين الجنة والنار وهنا قال النبى (صلى الله عليه و سلم) «كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا يا رسول ومن يأبى قال: «من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى»، والرسل كلهم دعوا ربهم بمنحهم الرحمة فقد دعا سيدنا نوح «وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين» ودعا أصحاب الكهف «فقالوا ربنا آتنا من لدنك وهيئ لنا من أمرنا رشدا» ودعا حبيبنا (صلى الله عليه و سلم) «يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث». ويروى عن عمرو بن العاص فى فتح مصر أخذت حمامة عشا على «فسطاطة» أى خيمة وحين رغب فى الرحيل رآها فلم يشأ أن يزعجها فترك الخيمة ولكن سرعان ما تكاثر حولها العمران، ولذلك سميت بمدينة الفسطاط. ويأتى القرآن الكريم ليقر الرحمة أنها أصل الدعوة عندما قال المولى عز وجل: ( و ما أرسلنك الا رحمة للعلمين ) ولكن عندما فرض القتال قال ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم )لأن الرحمة أقرب من الفطرة البشرية.. حتى رسولنا علمنا عند لقاء الأعداء وضع شروطا منها ألا يقتل طفل أو امرأة أو شيخ ولا تقطع شجرة، وأخيرا قال العفو عند المقدرة.. وإذا تعمقنا فى مفهوم فريضة القتال نجده هو الأخذ بالقوة على يد الظالم لعودته للتعايش بين قوم ينتشر بينهم الرأفة والعفو لأن غاية القتال تأسيس العدل والرحمة بين الناس.. ثم وضع شروطا عند قتل المسلم أولها كفر بعد إيمان وثانيها زنا بعد إحصان وأخيرا قتل نفس بغير نفس. ولزيادة فى التأكيد على أن أصل الدعوة والحكمة الثابتة والأساسية فى الكون أن كل أول سورة فى القرآن بدأت ب «بسم الله الرحمن الرحيم»، ولم تبدأ باسم الله العظيم الجبار مثلا.. وهنا يقول نبينا الخاتم (صلى الله عليه و سلم) «إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق إن رحمتى سبقت غضبى فهو مكتوب عنده فوق العرش»، لذلك قال الله تعالى: ( و ما أرسلنك الا رحمة للعلمين ) وبهذه الرحمة والخلق الكريم للرسول (صلى الله عليه و سلم) انتشر الإسلام وأصبح الصحابة يتمنون الافتداء بأنفسهم وأولادهم وأموالهم فداء لرسول الله وصاروا يحبونه أكثر من أنفسهم. وقد طرح عدة نماذج من السلوك الإنسانى لعلاج القلوب القاسية مثل «أمسح رأس اليتيم وأطعم المسكين».. وقال «من سره أن يبسط له فى رزقه وأن ينسأ فى أجله فليصل رحمه». *** ** قال الداعى والعالم أحمد ديدات «نحن لسنا متخلفين عن الغرب.. نحن متخلفون عن الإسلام».