العيد يقترن بالأمل، والأوراق تخضر فيه، ومعه تطمئن النفوس، والعيد يجعل الدماء تجرى فى العروق لتشق الأرض، أملا فى ارتفاع البناء، ويعلو برفقته الآذان، ويحيى فى القلوب ذكرى الشهداء، ويصدح فيه صوت الحق، ويخبو فيه الباطل، وتتلاشى فيه مشاعر الخوف، والعيد بمثابة جائزة كبرى لكل من صابر وقاوم، وتخبرنا الحكمة الإلهية فى التشريع بالعيد أنه مهما كانت المشقة فى الأيام الماضية، ومهما تذوق المسلم من الآلام، فلابد من بعث جديد للعيد، ليجدد الرغبة فى الحياة، وليعانق قلوب المسلمين، ويمسح أحزانها، كما تعانق الأم فلذات كبدها بعد غياب طويل، وأتصور أن الأمل كممر للعبور من المؤامرات والنزاعات إلى مقام الاستقرار، هكذا العيد يرشدنا إلى ممر النجاة. وبرغم أن صار التفاؤل بميلاد يوم أفضل كحلم بعيد المنال وسط حروب تشتعل ولا تهدأ، ولكن العيد سرعان ما يحل فى الصدور، ويبعث أشعته لتبدد الإحباط، وتحمل بين طياته رسالة تفصح عن حتمية زوال الحزن مهما طال، ولابد من بزوغ فجر النصر، وبرغم أن إنسان الشرق الأوسط بات يستيقظ من وقت لآخر على إبادات جماعية تحرق الأطفال بالكيماوى وتجرف معها اليابس والأخضر، فالعيد يبشره بنصر قريب وسلام دائم.
ومع محدودية ساعات العيد إلا أنها تستطيع قطع أمد الأحزان، وحذرنا ابن القيم: إن الحزن يوهن العزم ويغير الإرادة، وقال: لا تفسد يومك بالنظر إلى الأمس، وقال لا شىء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، ومن أجل ذلك لا تزور القبور فى العيد، وأقصد زيارة الأحياء، الذين يأملون فى المودة وجبر الخاطر.
ومن جانب آخر، يدق ناقوس الخطر فى الاستغراق فى الأمل، وهو ما أقره "إيما نويل كانت" الفيلسوف الألمانى، ويرفض مفكرون شيئا اسمه الأمل، ظنا منهم أن من يتعلق بالأمل كالغريق يمسك بقشة، ويزعم شوبنهاور ونيتشه وكامو أن الأمل علاقة نفسية مضللة، غير أن الغالبية من الفلاسفة يعتقدون أن الأمل الوسيلة الأوفر حظا فى كسر قيود الحياة، بل إنه ترياق اليأس. وتنفى الدراسات العلمية الحديثة هذا القدر الكبير من التشاؤم، وتؤكد أن الأمل له تأثيرًا إيجابيًا فى حل المشكلات، وأنه قادر على مقاومة الأمراض والإعاقة البدنية، ويساعد الإنسان على التأقلم والتعايش مع معاناته، والأمل فيه أكسير للحياة يمنح مشاعر بالثقة، ودائما ما يولد فينا إحساسا بأن القادم ليس بسيئ، ليكون دافعا لنا بالمضى قدمًا، وهكذا العيد يصوب نظرنا صوب النجم الساطع وسط ظلمة الليل.
وتسرد كما هائلا من الأبحاث أن الأمل يمتلك قدرة على تحفيز المرء على تكريس طاقته لتحقيق ما يهدف إليه، لكنه يعتريه شىء ما يوسوس إليه أن نتيجة عمله غير مؤكدة، مما يعنى أن الأمل والقلق متلازمان دائمًا، ولذا وضح الفيلسوف ديكارت مفهوم الأمل أنه رغبة تحكم تصرفات النفس، وتجعلها تتطلع إلى الأفضل، فتقنعها بأن ما تتمناه سيتحقق، وفى الخاتمة لابد من الاعتراف بأن العيد يتحدي المحبطين.