فى مذكراته عن المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد فى «بازل» بسويسرا (29-31 أغسطس 1897م)، وحضره ممثلون لليهود من 15 دولة، بعد انتخابه رئيسًا للمؤتمر، كتب «تيودور هرتزل» يقول: «لو سألني أحد الصحفيين ماذا فعلتم اليوم؟ لقلت: اليوم أُنشأت دولة إسرائيل.. وربما ضحك مني ذلك الصحفى أو سخر، ولكن بعد خمسين عامًا من الآن ستكون إسرائيل حقيقة واقعة!!». وهنا أتوقف لأقارن بين ما قاله «تيودور هرتزل» الصحفى اليهودي الذي اختتم تلك الفقرة من مذكراته بقوله: «وإن تحقيق هذا الحلم ليس بالأمر المحال.. إنه فقط يحتاج إلى رجل تتسع همته لآمال أمته» – لقد صدقت مقولته وتحققت فقامت دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948. وبين ما نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يوم 20 أكتوبر عام 2022 عن مخطط قدمه المستشرق الإسرائيلي «يتسحاق عبادي» المولود فى دمشق عام 1934، وهو الآن ضابط متقاعد سبق له الخدمة فى جيش الدفاع الإسرائيلي كضابط استخبارات ثم قائد للواء الجولاني (مخصص للعمليات الخاصة) وشغل وظيفة حاكم قطاع غزة عام 1971 ويعمل حاليًا فى اللجنة العليا بوزارة التربية فى إسرائيل، للغة العربية. وفى هذا المخطط يطرح الضابط الإسرائيلي «يتسحاق عبادي» فكرة إنشاء دولة فلسطينية على جزء من أراضي سيناء، وفيه يختلف عن فكرة تبادل الأراضي التي قدمها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق «جيورا آيلند» خلال العقدين السابقين والتي كان مضمونها إقامة دولة فلسطينية على أرض مصرية تبادلها إسرائيل بقطعة أرض إسرائيلية من صحراء النقب مع مصر بمساحة 720كم2 تضم مدينة رفح المصرية وجزءًا من مدينة الشيخ زويد – زادها الإخواني محمد مرسي رئيس مصر الأسبق إلى 1500 كم2 من مصر بإضافة مدينة العريش إليها كمنحة منه للفلسطينيين – والجدير بالذكر أن هذه الفكرة طرحت على الرئيس الأسبق مبارك مرتين الأولى من الرئيس الأمريكي بوش الابن ثم من رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو، فرفضها عام 2004 ثم عام 2009، فقامت المخابرات الأمريكية بعقد اتفاق رباعي بينها وبين إسرائيل ومنظمة حماس وجماعة الإخوان عام 2010، على تنفيذ هذه الصفقة بمقابل مساعدة جماعة الإخوان على الوصول إلى حكم مصر، لكن ثورة الشعب المصري فى 30 يونيو 2013 أطاحت بالخطة من جذورها. وتختلف خطة «يتسحاق إيني عبادي» عن خطة «جيورا آيلند» فى أنها تقوم على أرض مصرية خالصة من سيناء مساحتها عشرين ألف كم2 أي ثلث مساحة سيناء دون تقديم أي مقابل أو بديل لها من جانب إسرائيل كما فى خطة «جيورا آيلندا». ووفقًا ل «هآرتس» فإن الخطة قدمت إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي «يائير ليبيد» وتتضمن الآتي: إقامة دولتين يهودية وفلسطينية متساويتين فى المساحة. تتنازل إسرائيل عن 450 كم2 من صحراء النقب ومصر عن 20 ألف كم2 من أرض سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية عليها. الدولة الفلسطينية تمتد بحذاء الحدود الإسرائيلية الغربية من البحر المتوسط شمالًا إلى خليج العقبة جنوبًا. تكون الدولة الفلسطينية دولة قومية عربية علمانية منزوعة السلاح. تقوم مصر ببيع هذه الأرض (20 ألف كم2) للفلسطينيين مقابل مبلغ تدفعه دولة أو دول أخرى إقليمية غير إسرائيل. بعد هذا العرض لأحداث موثقة، ممن حضروها وسجلوها منهم من غادر دنيانا ومنهم من يدب على الأرض حيًا يرزق ملء السمع والبصر، نعرض حقائق على الأرض جعلت وما زالت تجعل هذه البقعة المباركة من الأرض «سيناء» مطمعًا للغرب ولإسرائيل وربما للبعض من الأخوة الغافلين.. هذه الحقائق تتجسد فى أن مساحة شبه جزيرة سيناء تزيد على 60 ألف كم2 وتعداد السكان الأصليين الذين يعيشون عليها وهم أهالي سيناء لا يزيد على نصف مليون نسمة، نصفهم (250 ألف) نسمة فى محافظة شمال سيناء والنصف الباقي (250 ألف) نسمة فى محافظة جنوبسيناء. وفى المقابل على الجانب الآخر شرق سيناء هناك دولة إسرائيل تعيش على (20 ألف كم2) وتعداد سكانها حوالي 8 ملايين نسمة (منهم 6 ملايين يهودي + 2 مليون فلسطيني الذين يعرفون بعرب 48) وجدير بالذكر أن كل العشرين ألف كم2 تلك هي أرض فلسطينية احتلتها إسرائيل منذ عام 1948 وما بعدها، وأتت إليها بمهاجرين يهود من شتى بلاد العالم، أما الفلسطينيون أصحاب الأرض الأصليين فيعيشون على مساحة حوالي 6 آلاف كم2 هي الضفة الغربية لنهر الأردن وتعدادهم يقارب 3 ملايين نسمة وباقي الأراضي الفلسطينية وهي قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 365 كم2 يعيش عليها ما يقارب 2 مليون نسمة. وتلك هي القضية والمعضلة أو المرض الذي يعرفه الجميع لكن يختلفون فى تحديد ووصف الدواء، كل حسب عقيدته وإيمانه، فمن لا يعرفون معنى التراب الوطني الذي لا يقدر بثمن ومنهم جماعة الإخوان الإرهابية – كقول مرشدهم الأسبق مهدي عاكف «ما الوطن إلا حفنة من التراب العفن»، الأمر الذي جعل جماعته تتآمر وتتفق مع المخابرات الأمريكية وإسرائيل وجماعة حماس، على إعطاء جماعة حماس ولا أقول الفلسطينيين مساحة من (720 كم2) من أرض سيناء لضمها لقطاع غزة وإقامة الدولة الفلسطينية عليها فيما يعرف ب(إمارة غزة الكبرى) بل إن الرئيس الإخواني الأسبق (مرسي) أعلن أنه لا يمانع فى جعل مساحة (720 كم2) تزيد إلى (1500كم2) من أرض سيناء ووصفها بأنها قطعة من الفخار (شقفة) -على حد تعبيره-. أما الأمريكان والماديون فيتعاملون مع القضية على أنها حقيقة تجارية، فهم يرون أن حل مشكلة الكثافة السكانية العالية فى إسرائيل وفى الضفة الغربية وفى قطاع غزة يمكن حلها بكل بساطة على حساب أرض سيناء المصرية التي تعاني من الفراغ السكاني وليذهب كل من يتمسك بالتراب الوطني إلى الجحيم، وكل ما يمكنهم من رؤية هي تعويض المصريين بصفقة من المال تدفعها نيابة عن إسرائيل والفلسطينيين دولة أخرى بترولية من الذين ينشدون السلام والأمان. لم يؤرق أحد من هؤلاء كم الشهداء ولا الدماء التي روت أرض سيناء حفاظًا على كل ذرة رمل فيها، ولم يدرك المتغافلون أن تلك خطوة يتبعها خطوات فإسرائيل تستولى على أرض الفلسطينيين وتدفع بهم إلى أرض مصر، ثم تأتي بمهاجرين تضيق بهم أرض إسرائيل فتدفع بهم إلى أرض فلسطين ثم يندفع الفلسطينيون إلى أرض مصر، وهكذا.. «إن هذا نص ما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن للإخواني مرسي أو نحو ذلك». قيادة واعية ساقها الله إلى سدة حكم مصر عرفت المشكلة والمرض الذي عرفه ويعرفه الجميع سابقون ولاحقون، لكنها ولأول مرة تحدد الدواء والحل، وتقرر أن تحققه على الأرض سدًا للذرائع العدوانية الاستعمارية الطامعة فى ذلك التراب الذي تفوح كل حبة فيه برائحة دماء الشهداء الذين روه بها، إن الحل هو «زراعة سيناء بالبشر مع الشجر والحجر». حل عبقري جريء وطموح يهدف إلى زيادة سكان سيناء إلى ما بين 2.5:2 مليون نسمة بحلول عام 2030م وزيادة تلك الكتلة السكانية إلى 8:6 ملايين نسمة بحلول عام 2050م. إن العشرات والعشرات من الخبراء فى شتى المجالات يعملون على قدم وساق فى دراسة وتخطيط استراتيجية تحقيق هذا الهدف بسياساته وآلياته، وما كانت الميزانية المقدرة مبدئيًا لتحقيق هذا الهدف (7 مليارات جنيه) إلا بعد دراسة وتقدير الخبراء والمختصين وها هي الثمار تظهر على الأرض فى صورة بنية تحتية منها على سبيل المثال وليس الحصر حفر وإنشاء خمسة أنفاق تحت قناة السويس إضافة إلى نفق الشهيد «أحمد حمدي» وكوبري السلام الثابت والكباري العائمة والمعديات، لتنهي إلى غير رجعة ذلك الفصل القسري بين سيناء والوطن الأم، وإنشاء ثلاث مدن مليونية فى سيناء واستصلاح نصف مليون فدان تعبر إليها يوميًا (2 مليون) متر مكعب من المياه المنقاة ثلاثيًا من سحارتي سرابيوم والمحسمة أسفل قناة السويس وإنشاء عدد 12 تجمعًا سكنيًا بدويًا كاملة المرافق والخدمات، ثم العديد والعديد من المنشآت التي سوف نفرد لها مقالًا يبين كم كان الحل سهلاً وممتنعًا. وكم كان القرار كاشفًا، ولكن هل يترك أهل الشر حلمهم يتحطم أمام أعينهم وتضيع منهم أحلام التوسع والتمكين؟!