وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط. وصفه الكاتب الراحل كمال الملاخ في آخر مقال له في الأهرام الاقتصادي بأنه «بترول يتدفق فكرًا».. وهو بالطبع كذلك، وأكثر من ذلك، إنه المفكر والاقتصادي د. طارق حجي، الرجل الذي كان وهو في الثلاثين من عمره أول مصري يترأس شركة بترول عالمية لمدة 10 سنوات متواصلة، الرجل الذي ألّف 34 كتابًا، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية، منها البريطانية والفرنسية والإيطالية والعربية.. الرجل الذي حاضر في 20 جامعة أمريكية وأسترالية وأوروبية والتي تعد من أهم 100 جامعة على مستوى العالم. في هذا الحوار الذي أجرته «أكتوبر» مع العالم الاقتصادي تطرق د. حجي إلى حروب الغاز في منطقة الشرق الأوسط، وكشف ربما لأول مرة أن قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر هى تركيا، وأن تدمير سوريا جاء بعد رفض نظام «الأسدين» حافظ وابنه مخطط أمريكا لحصار روسيا.. وكشف أن هدف أمريكا هو توصيل الغاز القطري المسال إلى أوروبا عبر سوريا لقطع الطريق على روسيا ومصر وليبيا. وأضاف أن الرئيس السيسي يتحرك في صمت لتدخل مصر نادي اللاعبين الكبار. إنه المفكر د. طارق حجي الذي دخل مجلس العموم البريطاني ليدافع عن ثورة المصريين في 30 يونيو والمدون اسمه بأحرف من نور على مئات الرسائل ومنح الدكتوراه في العالم والحاصل على جائزة «جرينزان كافور الإيطالية».. وإلى نص الحوار حوار: إبراهيم عبد الغني د. طارق، بصفتك خبيرًا عالميًا فى شئون الطاقة.. ما الذى دفع القيادة السياسية بأن تقول إن مصر ستكون مركزًا للطاقة فى منطقة شرق وجنوب المتوسط وقارة إفريقيا؟ – القيادة السياسية عندنا وبالتحديد الرئيس السيسى لا يتكلم إلا بعد الحصول على المعلومة، ويسير بطريقة فعل الفعل وليس رد الفعل، وهذا بالطبع من مواصفات رجل السياسة الناجح، ولا تنسى خلفيته – المخابراتية – التى تمرس عليها عشرات السنين. ومن خلال الخبرة والمعلومة أقول لك وللقارئ إن من حُسن حظ مصر أنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة وكفيلة بأن تكون مركزًا للطاقة فى شرق المتوسط وإفريقيا، وجنوب أوروبا، وإذا كانت مصر دولة غازية كبيرة فهى فى المقابل دولة بترولية صغيرة، وهذا كما قلت من حُسن الحظ، لأن دول العالم تتجه الآن وبقوة نحو الغاز المُسال والخام بجميع مشتقاته خوفًا من تلوث البيئة والانبعاث الحرارى. تسييل الغاز وأقول لك أيضًا إن الإنجازات التى حققتها مصر فى البنية التحتية للطاقة خلال ال 20 سنة الماضية وبالتحديد مصانع تسييل الغاز فى شرق وغرب الدلتا، وأعنى رشيد ودمياط، نقلت مصر نقلة نوعية فى تنقية وتسييل الغاز، بالإضافة إلى اكتشاف حقل ظهر، والذى يعد نقلة اقتصادية كبرى، والباب الملكى لدخول مصر نادى الكبار فى إنتاج وتصدير الغاز، وما يعود على الخزانة المصرية من إيرادات من العُملة الصعبة وتشغيل المصانع، وإنعاش حركة الصناعة والتجارة، ناهيك عن إنشاء المدن الصناعية الكبرى. قلت عن مصر إنها دولة «غازية» كبيرة وواعدة، وفى المقابل هى دولة بترولية صغيرة، وقلت إن هذا من حُسن الحظ.. كيف يكون ذلك؟ – الدول «الغازية» وأعنى بها أن يكون المصدر الرئيسى للطاقة هو الغاز، هذه الدول هى من أغنى دول العالم، وشعوبها تعد من أغنى شعوب الأرض، إذا ما تم استغلال الموارد استغلالاً جيدًا لصالح الشعب. أمثلة ونماذج وما المثال على ذلك؟ – دولة مثل قطر من أغنى دول العالم، وكان فى إمكانها أن تكون يابان الشرق الأوسط، إذا ما تم استغلال مواردها الهائلة لصالح الشعب القطرى الذى لم يتجاوز عدد سكانه ال نصف مليون نسمة، ولو كانت هذه الدولة وفية لأشقائها لأنعشت باستثماراتها كل الدول العربية الشقيقة، ولكن قطر اختارت لأهداف كثيرة جدًا أن تكون خنجرًا فى ظهر العرب، وأن تكون مستعمرة لكل جيوش الأرض حتى قيل إن الجيش القطرى هو رابع قوى عسكرية على أرض قطر بعد الجيش الأمريكى والإيرانى والتركى ثم القطرى. وهل هناك دول غازية وغنية أخرى غير قطر؟ – نعم توجد إيران، وهى تمتلك احتياطى غازى كبيرًا يؤهلها أن تكون دولة عالمية، ولكنها تلعب نفس الدور الذى تلعبه قطر بتوجيه تلك الأموال لدعم الإرهاب وإثارة المشاكل بواسطة وكلائها فى المنطقة بغرض النفوذ والسيطرة، وفى المقابل تم حرمان الشعب الإيرانى من هذه الخيرات، وقمة النفوذ أن ترى المرشد الإيرانى على خامنئى يقول إننا سيطرنا على عواصم عربية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا هو الوجه القبيح لإيران. قيصر روسيا معنى هذا أن الدول الكبرى فى إنتاج الغاز لا توجه مواردها لصالح شعوبها؟ – أنا ذكرت لك مثالين سيئين، ولكن لا تنسى عظمة الدب الروسى أو «قيصر روسيا» فلاديمير بوتين، كما يطلقون عليه فى القارات السبع. فبوتين هو الرئيس «الغازى» الوحيد – أى صاحب دولة الغاز – هو الذى نجح فى توجيه موارد الغاز لصالح شعبه، وبناء الاقتصاد الروسى، والصناعات العسكرية الروسية، فبعد أن كانت «روسيا القيصرية» فى ذيل القائمة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوريس يلتسين مقاليد الحكم، جاء القيصر الروسى، رجل المخابرات فلاديمير بوتين، لينقل روسيا إلى دولة أخرى بفضل ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد الهائلة لصالح الشعب الروسى، ودفع عجلة الإنتاج، وتفتيح شرايين الاقتصاد، والاتجاه إلى الصناعات الثقيلة، وتوسيع الاستثمار فى الطاقة، والصناعات العسكرية، حتى أصبح بوتين هو المناكف الوحيد للقوة الأمريكية الجبارة، والآن يعمل له ألف حساب على مسرح اللاعبين الكبار، والسبب هو توجيه موارد الغاز لصالح الدولة الروسية، واستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى القديم والذى كان يشار له بالبنان. عجلة الإنتاج إذن قد يكون الغاز هو الدعامة الاقتصادية لمصر فى دفع عجلة الاقتصاد؟ – بكل تأكيد، والرئيس السيسى يعلم هذا جيدًا، ولذلك بعد نجاح ثورة 30 يونيو، وزوال حكم الإخوان الغاشم، أول ما فكر فيه الرئيس السيسى هو ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، وهذا يدل على فكر استراتيجى متقدم، مع أنه كان وقتها وزيرًا للدفاع، وليس رئيسًا للدولة.. لأنه أدرك منذ وقت مبكر، وبناء على معلومات دقيقة أن منطقة شرق المتوسط ستكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى من المحلية إلى العالمية. السوشيال ميديا تكلمت «السوشيال ميديا» ومعها الخبراء والفنيون والمتخصصون عن عظمة وأهمية اكتشاف حقل ظهر، فما المردود الاقتصادى الذى سيعود على الدولة والمواطن من هذا الحقل؟ – عن أهمية وعظمة حقل ظهر أقول لك بكل ثقة، إنك باكتشاف هذا الحقل تكون قد حققت إجمالى ما تم اكتشافه من الغاز على مدار 60 عامًا فى ضربة واحدة. كيف؟ – لأن أقصى ما كنا نتمناه، وما كان يتم اكتشافه هو تريليون قدم مكعب غاز هنا أو هناك، ولكن أن تكتشف حقلاً يتجاوز إنتاجه ال 30 تريليون قدم مكعب، فهذا لم يحدث فى تاريخ الطاقة فى مصر. أما عن فائدة ذلك للدولة والمواطن، فيكفى أنه وفر كهرباء لأكثر من 120 مليون مواطن، وسيكون عندك اكتفاء ذاتى من الغاز لأكثر من 40 أو 50 سنة قادمة، وهذا لم يحدث من قبل، مما يعنى عدم استيراد مواد هيدروكربونية بترولية، أو غازية لتوليد الكهرباء. والأمر الثانى لأهمية حقل ظهر هو فتح الباب لتصدير الغاز المسال لوجود مصانع تسييل غاز قائمة بالفعل فى شرق وغرب الدلتا، مما يعطى مصر ميزة ومكانة عالمية بين الدول الصناعية الكبرى. أما الأمر الثالث فهو توفير عُملة صعبة للخزانة العامة، والتى كانت تمثل مشكلة حقيقية أيام حُكم الإخوان وبداية حُكم الرئيس السيسي. مصر المحظوظة وماذا عن علاقة الغاز بالمشروعات الصناعية الكبرى؟ – قلت فى بداية الحديث إنه من حُسن الحظ أن مصر دولة بترولية صغيرة، وفى المقابل فهى دولة غازية كبيرة وواعدة.. هذا الكلام ليس من فراغ، «فبالغاز تحيا الأمم» وهو ما ينتظر مصر إن شاء الله. وبالغاز أيضًا «تشجع» الرئيس السيسى وبدأ فى مشروعات قومية عملاقة مثل مصانع البتروكيماويات فى الإسكندرية والعين السخنة، وإحياء مشروع فوسفات أبو طرطور، وإنشاء مصانع للحديد والصلب فى المنطقة الصناعية لمحور قناة السويس، ومصانع السيارات، والجرانيت والرخام، والأسمنت فى سيناء، ناهيك عن شبكة الطرق والأنفاق والمدن الصناعية الكبرى كمدينة الجلود فى الروبيكى، وصناعة الأثاث فى دمياط، ومدينة للسياحة فى الجلالة، بالإضافة إلى الإسكان الاجتماعى، والاقتصادى، و14 مدينة جديدة على رأسها العلمين، والمنصورة والإسماعيلية والعاصمة الإدارية الجديدة. المواطن أولاً وثانيًا وثالثًا وما الذى يعود على المواطن من هذا كله؟ – كل هذه المشروعات هى للمواطن أصلاً، فكل صناعة قائمة تقوم عليها عشرات الصناعات ويعمل فيها مئات العمال ويسكن فيها آلاف البشر.. أقول لك وبكل ثقة إن المشروعات القائمة والتى يتم إنشاؤها حاليًا بتخطيط وتنفيذ أبناء المصريين سواء على مستوى القيادة أو مستوى العمالة. د. طارق حجى.. سؤال حيرنى كثيرًا وهو لماذا لم تمتلك مصر منذ وقت مبكر شركات للتنقيب عن الغاز أو البترول؟ – سؤال وجيه، وإذا أردت إزالة أسباب الحيرة لابد أن تعرف فى كلمات قليلة أن الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال تعتمد على «ثلاثية» الخبرة والعلم ورأس المال.. ولا يمتلك هذه الثلاثية إلا مجموعات قليلة جدًا من دول العالم. معنى هذا أن التنقيب عن الغاز أو البترول بشركات مصرية حلم بعيد المنال؟ – ليس حلمًا لأنك تمتلك الخبرة والتكنولوجيا وينقصك رأس المال أو التمويل، فإذا امتلكت التمويل استطعت توفير الخبرة والعلم، وأعتقد أن الرئيس السيسى يسعى حاليًا للدخول مع الكبار فى مجال التنقيب بالخبرة والعلم.. أما رأس المال فسيأتى وقته لا محالة. إينى وأخواتها د. طارق، شركة مثل شركة إينى التى تنقب عن الغاز فى شرق المتوسط والتى اكتشفت حقل ظهر تكسب المليارات من وراء الحكومة المصرية وهذا يمثل عبئا علينا؟ – يضحك د. حجى قائلاً: ولكنها تخسر المليارات أيضا، فهى من الممكن أن تخسر 5 أو 6 مليارات فى عمليات التنقيب، وهذا شىء عادى بالنسبة لها. تقول معاليك إن الخسارة بالنسبة لها شىء عادى؟ – نعم لأن شركة مثل «إينى» مثلاً تعمل فى 30 أو 40 دولة حول العالم، إذا خسرت فى واحدة فإنها بالتأكيد ستربح فى أخرى، كما أن تلك الشركات العملاقة تحصل على دعم مباشر من حكومة بلادها، لأنها أولاً تؤمن على نفسها ضد الأخطار والخسائر، وثانيًا تحصل على إعفاءات ضرائبية من الحكومات التابعة لها فى حالة الخسارة، وبالتالى تعمل بأقدام ثابتة ولا تلتفت كثيرًا إلى مسألة المكسب والخسارة، وإن كانت بكل تأكيد تسعى إلى الربح فى المقام الأول، واستكمالاً لهذه النقطة فإنه ليس عيبًا أن تقوم شركات عالمية بالتنقيب عن الغاز لصالح الحكومة المصرية، فمجموعة «أرامكو» الأمريكية تقوم بالتنقيب عن الغاز والبترول لصالح الحكومة السعودية.. وهى أغنى منا بكثير، حتى شركة «شل» العالمية كانت تقوم قبل الحرب بالتنقيب عن الغاز فى سوريا، مع أن الاقتصاد السورى هو اقتصاد موجه فى المقام الأول، ولابد أن تدرك أن القوة لمن يملك المال والعلم والتكنولوجيا والخبرة. أرباح وفوائد د. طارق، كيف يتم تقسيم الأرباح فى إنتاج الغاز؟ – توجد اتفاقيات دولية لضبط هذه العملية، فالشريك الأجنبى ينفق حتى يجد، وإذا لم يجد يتحمل الخسارة، وإذا وجد يتم تكوين شركة يتم بموجبها استرداد ما أنفقه، ثم يحصل بعد ذلك على 25% من الإنتاج لفترة محدودة والباقى لصالح الدولة المالكة لحقل الغاز أو بئر البترول، وهذا النظام معمول به، كما قلت فى العديد من دول العالم. د. طارق، ما الذى يفعله أردوغان فى شرق المتوسط؟ – أردوغان لم يفعل شيئًا ولا يستطيع فعل شىء، وما يفعله هو «بروبوجندا» سياسية للاستهلاك المحلى، والشأن الداخلى التركى وهو ظاهرة صوتية بامتياز، وما يحاول فعله مع قبرص اليونانية، للشو الإعلامى.. لعدة أسباب منها أن قبرص تنقب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، ثانيًا قبرص دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو الذى يحمى أردوغان، وثالثًا توجد اتفاقية شراكة استراتيجية بين مصر وقبرص واليونان فى شرق المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقية ترسيم الحدود بين الدول الثلاث وهى مودعة فى الأممالمتحدة، وخاضعة للقانون الدولى، أما رابعًا فإن أردوغان لايمتلك شركات للتنقيب وليس له فى هذه الصناعة من الأساس وهو – كما قلت – ظاهرة صوتية فقط، وخامسًا شركات التنقيب الكبرى التى تعمل فى شرق المتوسط هى ملك لشركات ودول قوية فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى شركات «المعلم الكبير».. وأعنى أمريكا التى تحميه، وهى شركات عاملة وفاعلة فى شرق المتوسط ولا يجرؤ أردوغان من الاقتراب منها، أما سادسًا وهو الأهم والأخطر فإن قوة أردوغان العسكرية والبحرية لا تؤهله الاقتراب من المياه الإقليمية للدول الثلاث وأعنى مصر وقبرص واليونان، وإن كان قد فعلها مرة مع قبرص فإنه لن يكررها بعد التحذير الأوروبى والأمريكى المباشر له.. وبالتالى أجزم وأقول لك إنه لن يكررها. الأسطول البحري المصري أما سابعًا وهذا هو بيت القصيد فإن أردوغان حاول مرة حاول التحرش بالأسطول البحرى المصرى فوجد ما لا تحمد عقباه بعد توجيه طلقات تحذيرية من إحدى القطع البحرية المصرية فى المياه الإقليمية بجوار حقل ظهر عندها، ولى مدبرًا ولم يعقب، لأنه يعرف النتيجة مسبقًا، ولمن لا يعلم – والكلام على لسان د. طارق حجى – فإن البحرية التركية فى مرتبة متأخرة جدًا عن البحرية المصرية، كما أكد على ذلك موقع «جلوبال فاير باور» الأمريكى، والمتخصص فى الشئون العسكرية. هذا يعنى أن ما يفعله أردوغان يدخل فى نطاق حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – بكل تأكيد.. فما يفعله أردوغان.. وما تفعله قطر فى سوريا، وأمريكا مع روسيا، وفرنسا وإيطاليا مع ليبيا هو نوع من أنواع حروب الغاز فى المنطقة. القصة وما فيها د. طارق، هذا الكلام الخطير يحتاج إلى تحليل.. فما هى قصة حروب الغاز فى شرق المتوسط؟ – تبدأ فصول القصة من سوريا عندما طلب بيل كلينتون وجورج بوش الابن ومن بعده باراك أوباما من «الأسد» الأب والابن تمرير أنبوب غاز يبدأ من قطر والعراق مرورًا بسواحل سوريا إلى شواطئ المتوسط لتصدير الغاز القطرى إلى أوروبا لفرض حصار اقتصادى على روسيا بغرض خنقها وإضعافها، يكون بوتين «المناكف» الوحيد والمتبقى أمام أمريكا بعد انتهاء الحرب الباردة. وماذا كان رد «الأسدين» الأب الابن أو حافظ الأسد؟ – الإجابة بالطبع كانت بالرفض لأنهما يعلمان المخطط الأمريكى وهو حصار روسيا الحليف الاستراتيجى لنظام «الأسدين» فى سوريا. وبدأت الحرب من هنا كما يقول المفكر الكبير د.طارق حجى بدأت الحرب وتم تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع سنى شيعى طائفى، بإشعال حرب دينية بين المسلمين كما كان يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت فى القرون الوسطى، فى القرن الخامس عشر.. أى منذ ما يقرب 6 قرون تقريبًا. وما الهدف من كل من ذلك؟ – الهدف هو تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية. وتحقيق الهدف الأمريكى بمد خط أنابيب من قطر مرورًا بالعراق، مرورًا بالدولة السنية الإخوانية فى شمال سوريا لتحقيق أهداف الولايات المتحدةالأمريكية، وهو تصدير الغاز القطرى لدول الاتحاد الأوروبى لخنق روسيا. إذن احتلال أردوغان لقرية عفرين فى الشمال السورى جزء من المخطط؟ – بكل تأكيد.. فأردوغان، هو لعبة فى يد أمريكا وقطعة شطرنج فى يد إسرائي.. هو كذلك، بكل ما تعنيه الكلمة حيث قام بالاتفاق مع الولايات المتحدة باحتلال الشمال السورى ودعم المتطرفين فى إدلب وحماة، وتسليح الجيش الإخوانى الحر، وإنشاء منطقة عازلة ليمر منها أنبوب الغاز كما قلنا من بداية من قطر والعراق وحتى سوريا. قطع الشطرنج هل ينجح هذا المخطط على أرض الواقع؟ – لن ينجح لأن روسيا دولة عظمى ولا يستهان بها فى عالم الكبار، وأكرر وأقول روسيا دولة قوية، ولها صولات وجولات فى الحروب، وتاريخ طويل فى الدبلوماسية وتحريك قطع الشطرنج، كما أنها خصم لا يستهان به، ناهيك عن الرئيس فلاديمير بوتين، الذى يجيد كل شىء فى أى شىء، وهو رجل موهوب فعلا، وهو بالطبع مكسب كبير للدولة الروسية بعد تفريغها اقتصاديا فى عهد بوريس يلتسين. السياسة والاقتصاد هذا يعنى أن أمريكا تدير اقتصاد العالم؟ – هى تحاول، فما لم تحققه بالحرب تحققه بالسياسة، ومالم تحققه بالسياسة تحققه بالاقتصاد، فهى تدرك أنها لا تستطيع منع تصدير الغاز الروسى للاتحاد الأوروبى بالقوة، فلجأت إلى البدائل المتاحة، وهى تحريك عملائها فى المنطقة وعلى رأسهما قطر وتركيا لتنفيذ سياستها، وتحقيق ما تصبو إليه، كما أنها لا تستطيع منع ألمانيا مثلا من استيراد الغاز الروسى إلا إذا وفّرت لها البديل وبسعر أقل وسيكون بكل تأكيد الغاز القطرى المسال، ناهيك بالطبع عن حروب أمريكا الاقتصادية مع الصين وكوريا الشمالية وفنزويلا والمكسيك. ليبيا وحفتر والسراج وماذا عن حروب الغاز فى ليبيا؟ – حروب الغاز فى ليبيا لا تحتاج إلى دليل، فمازالت الدول الاستعمارية العتيقة تعمل لصالحها فى المنطقة العربية، وبالتحديد فى الدول الغنية ك «ليبيا، والجزائر، النيجر، وتشاد، والسودان، وجنوب إفريقيا»، فكثير من الدول الاستعمارية لها قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية كبيرة هنا وهناك، ومازالت تتحكم فى مصائر بعض الدول ومنها ليبيا. وبلاشك فإن دول الاتحاد الأوروبى، وبالتحديد إيطاليا وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا عينها على البترول والغاز الليبى، والدليل أن الاتحاد الأوروبى لم يتخذ إلى الآن موقفًا موحدًا ضد الميليشيات المسلحة فى طرابلس، ومازالت إيطاليا تدعم حكومة الإخوان برئاسة فايز السراج، وتدعى أنها الحكومة الشرعية متجاهلة أن الشرعية للشعب الليبى، وليس لمن جاء على دبابة غربية، ومازالت دول الاتحاد الأوروبى تجدد حظر تصدير السلاح إلى الجيش الليبى حتى لا يسيطر على المثلث النفطى فى «رأس لانوف» كل هذا حتى تستفيد تلك الدول حتى آخر قطرة من الغاز الليبى الذى يتم تحميله على شاحنات لموانئ إيطاليا وفرنسا، مع أن استقرار ليبيا، وإنشاء دولة مدينة ديمقراطية حديثة بقيادة حفتر أو من يسير على نهجه هو مصلحة لتلك الدول ولكنها لا تريد ذلك حتى يستمر استنزاف الغاز الليبى. الأمن القومي المصري وماذا عن موقف مصر من الصراع على الغاز فى شرق الأوسط؟ – مصر موقفها ثابت، وهى حماية الأمن القومى، والمياه الإقليمية واحترام المواثيق الدولية، واتفاقيات أعالى البحار، والرئيس السيسى تحرك مبكرًا لترسيم الحدود مع قبرص واليونان، والهدف كان اقتصاديًا وأمنيًا بحتًا، وتحرك مبكرًا فى دعم البحرية المصرية بالفرقاطات والغواصات وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ، فإذا كان السلام تحميه القوة، فالاقتصاد أيضا تحميه القوة. د. طارق، أعلم أنك سياسى محنك ومتابع ممتاز للمواقع والقنوات والصحافة الغربية.. والسؤال: ماذا تقول لأحفاد البنا وأعداء مصر فى الداخل والخارج عندما تسمعهم يقللون من قيمة حقل ظهر؟ – بكل أدب أقول فاقد الشىء لا يعطيه، وقديمًا قالوا: «اللى ميعرفش يقول عدس». أكاذيب الإخوان ولكن هم يعرفون؟ – لا ترفع من شأنهم، هم لا يعرفون ولا يحزنون، فلو كانوا يعرفون أو عندهم خبراء فى السياسة أو الاقتصاد أو الفكر أو الأدب، لظهر ذلك أيام حكمهم.. هم فقط يجيدون الكلام.. وهم بعيدون كل البُعد عن الفكر والتخطيط والتنفيذ. والعلم يقول على لسان الجيولوجيين والخبراء المصريين والعالميين إن حقل ظهر به مخزون استراتيجى يتجاوز ال 40 تريليون قدم مكعب من الغاز نتيجة امتداد جيولوجيا نهر النيل تحت الأرض من مصر حتى سواحل سوريا. وهذه التكوينات الترسيبية ليست وليدة قرون عدة ولكنها تكوينات تم ترسيبها منذ ملايين السنين، فتم بموجبها تكوين كميات هائلة من الغاز تحت مياه المتوسط مرورًا بالدول الساحلية حتى سوريا، وهذا الكلام نتيجة أبحاث ومعلومات ودراسات وعينات مستفيضة ودراية كاملة بخريطة شرق المتوسط.. ومن هنا يجب على أى صاحب عقل ألا يلتفت إلى تلك التفاهات أو الأكاذيب التى يتشدق بها الإخوان ولمن دار فى فلكهم سواء فى الداخل أو الخارج. «جون الرئيس» يقول الإخوان أيضًا إن مصر وقّعت اتفاقية لاستيراد الغاز من إسرائيل وهذا يعنى أن حقل ظهر فنكوش من وجهة نظرهم؟ – هم يكذبون لأن الاتفاقية التى تم توقيعها هى لجلب الغاز الإسرائيلى لتسييله وإعادة تصنيعه، وفرز مشتقاته وتصديره لصالح الدولة المصرية وليس لصالح إسرائيل، ومن هنا يجب أن نتذكر كلمة الرئيس السيسى عندما قال فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة عام 2018 بأننا نجحنا فى إحراز «جون» كبير.. والرئيس يعى ما يقول، فرب إشارة تغنى عن عبارة، ورب تلميح يغنى عن تصريح. وبعيدًا عن أحاديث الغاز د. طارق، لماذا هذا العداء من قطر تجاه مصر؟ – قطر مثل طفل يلعب دورًا أكبر من حجمه، ولن يستطيع فعل شىء، وهو فى النهاية لعبة فى يد أسياده، أما أردوغان فقد خسر مبكرًا معركة الغاز فى شرق المتوسط، وبالتالى أستطيع أن أقول لك وبكل تأكيد أن مصر هى اللاعب الأهم فى شرق المتوسط.