د. طارق فهمى: دول شرق المتوسط تعوم فوق بحيرة من الغاز والعلاقات بين الدول تصعب من عملية استخراجه - مصر لم ترسم حدودها البحرية حتى الآن لترتيب أوراقها ولا تريد التورط فى أزمات خارجية - د. أحمد قنديل: الدول الموجودة فى شرق البحر المتوسط اقتصادياتها متعثرة واكتشافات حقول الغاز ممكن أن تُفجر صراعات ضخمة للغاية كل الصراعات السياسية فى شتى أنحاء خريطة العالم، تكشف أن مصر مقبلة على زمن حروب الغاز، خصوصا فى منطقة إقليم شرق البحر المتوسط، إحدى أغنى مناطق العالم المليئة بالغاز الطبيعى بعد الاكتشافات الأخيرة، والتى تعانى معظم دولها بالكثير من الأزمات الاقتصادية مثل: اليونان، ومصر، غير مشاكل التقسيم التى تمر بها قبرص المنقسمة فى الشمال وسيطرة تركيا عليها، وعلى الجانب الآخر اليونان، هذا إلى جانب الصراعات الإقليمية المحيطة بها، خصوصا فى سوريا، وكذلك التوترات الحدودية بين لبنان وإسرائيل حول حقول الغاز فى منطقتهما الإقليمية، واستيلاء إسرائيل على حقول غاز فلسطين، فيما ترفض تركيا الاعتراف بشرعية الاتفاقيات الخاصة بترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة فى البحر الأبيض المتوسط التى وقعتها كل من: مصر ولبنان وإسرائيل مع قبرص، لاعتبارها أن قبرص لا تزال «جزيرة» مقسمة، ولا يمكنها تمثيل مصالح قبرص الشمالية التركية فى الوقت الذى يثير فيه الجانب التركى القلاقل والاعتراضات والتلويح لصراعات سياسية وعسكرية، نجد الجانب الآخر من طرفى الصراع ممثلاً فى رئيس وزراء اليونان الذى أكد أخيرًا فى حوار لجريدة الأهرام عقب القمة الثلاثية بين اليونان ومصر وقبرص، أن التعاون الثلاثى بيهم ليس موجها ضد أحد، ودعا بلدان المنطقة لترسيم الحدود البحرية، وأنه لا مجال للصراع فى شرق المتوسط، وقال إنهم سيتعاونون فى استغلال حقول الغاز واتفقوا على الإسراع فى ترسيم مناطق الدول البحرية المتجاورة، طبقًا للقانون الدولي، وأن هذه المبادرة ليست موجهة ضد أطراف أخري، بل هى تمثل دعوة لبلدان المنطقة لترسيم حدود المناطق البحرية على أساس القانون الدولى، وأن الطاقة يجب أن تكون مجالاً للتعاون، لا مجالاً للصراع فى شرق المتوسط والمنطقة ككل، وكذلك الرئيس نيكوس أنستاسيادس رئيس جمهورية قبرص أكد فى حواره للأهرام نفس السياق، وقال إن اكتشاف احتياطيات ضخمة من الهيدروكربونات فى شرق المتوسط بما فى ذلك الاكتشاف الأخير لحقل ظهر فى المنطقة الاقتصادية لمصر يجب أن يكون حافزاً للتعاون الإقليمى الأوسع للمساهمة فى استقرار وازدهار دول منطقتنا. وأن مصادر الطاقة يمكن أن تلبى احتياجات الأطراف الثلاثة والدول المجاورة، وأن قبرص ومصر يجريان مشاورات بشأن تصدير الغاز القبرصى إلى مصر عبر خط أنابيب مباشر فى المتوسط.. وربما القمة الأخيرة بين مصر واليونان وقبرص جاءت لتؤكد على التعاون وليس الصراع مع أحد، وتعلن تمسكهم بإثبات حقوقهم من الثروة المائية فى الغاز بمنطقتهم، والحرص على ترسيم الحدود المائية لكل بلد، حتى لا تعتدى دولة على نصيب أخرى، مما ينفى ما زعمه البعض من أن الغاز سيدخل منطقة شرق البحر المتوسط فى حرب عالمية، وهذا أيضًا ما نفاه عدد الخبراء والمختصين فى هذا الشأن، وأجمعوا على ضرورة السيطرة على حقول الغاز فى المتوسط وسرعة استثمارها، لتحسين اقتصاداتها وتوفير الأمن والسلام الدولى بتطيق القانون الدولى المنظم لحق كل دولة من التنقيب واستخراج ثرواتها فى إطار حدودها المرسومة بدقة، دون إجحاف حق الآخرين.. بداية يؤكد د.طارق فهمى، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط، أن إقليم شرق المتوسط يعوم فوق بحيرة من الغاز، يقدر بحوالى 122 تريليون قدم مكعب، تكفى لسد حاجة الأسواق الأوروبية كلها لمدة ثلاثين عامًا، وأن هذه البحيرة تقع داخل الحدود البحرية الإقليمية لست دول هي: تركيا، سوريا، قبرص، لبنان، مصر، وإسرائيل؛ لكن العلاقات بين هذه الدول تجعل من عملية استخراج هذه الثروة الضخمة من الغاز -وربما من النفط أيضًا- عملية بالغة الصعوبة بسبب طبيعة العلاقات القائمة بين تلك الدول. وبرغم هذا نفى د. طارق فهمى أى توقع لنشوب حرب بسبب الغاز فى إقليم شرق البحر المتوسط، ووصف طرح فكرة «الحرب العالمية» بأنها «كلام إعلامي»، لا وجود لها على أرض الواقع، لافتًا إلى أن زيارة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى إلى اليونان وقبرص ترتبط بتغيرات طرأت على الإقليم خلال الأيام الأخيرة، أولها: قيام إسرائيل برصد بطاريات أوروبا الحديدية فى مناطق الغاز بأكمله، وهذا تغير خطير للغاية، ثانيًا: قيام إسرائيل بتوسيع مناطق البحث والتنقيب عن الغاز فى منطقة شرق المتوسط، وبالتالى هذا هو إعلان إسرائيلى مباشر عن القيام به بشكل علني، وبناء عليه -بعد الاكتشافات الأخيرة لآبار الغاز- أصبحت إسرائيل لها مخزون إستراتيجى فى العالم، وصارت فوق بركة من الغاز، ثالثًا: إعلان تركيا أنها ستحصل على الغاز الطبيعى من إسرائيل عوضَا عن الذى كانت تحصل عليه من روسيا، والمستجد الرابع: إعلان تركيا عن تجدد أزماتها مع قبرص التاريخية، وإيقاف المناورات التى كانت تُجرى بين الطرفين: التركى والقبرصي، بناء عليه هناك جملة من المشكلات وجدت خلال الأيام الماضية، وهناك أطراف محايدة لم تتخذ مواقف بعد من حصتها من الغاز، منها «مصر» التى لم ترسم حدودها البحرية اقتصاديًا حتى الآن، ويعتقد «فهمي» أن هذا التأخير جزء منه يرتبط بأن مصر ترتب أوراقها، فضلاً عن أنها لا تريد أن تتورط أزمات خارجية. ويؤكد د. طارق فهمى أن لدى مصر العديد من الضوابط تمضى فيها، لاسيما الملف الخاص بالحقول الموجودة فى إطارها، ومصر بدأت تأخذه بجدية، وتتعامل معه بدقة وتقنية بصورة كيبرة، وهو مؤشر خطر على أن إسرائيل تسحب من الغاز بأمر واقع فى القطاع كله من غاز إقليم شرق المتوسط، خصوصًا أن شركة أمريكية هى التى تقوم بتلك المهمة وتوفر لإسرائيل الحماية، وهناك مناورات أجرتها فى هذه المناطق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالى هى أمنت وجودها بصورة كاملة فى تلك المنطقة، طبقًا لتطورات ربما تحدث فى الفترة المقبلة. وأثار د. طارق فهمى فتح ملفان مهمان هما: مناطق خالصة، وتحديد مناطق الآبار الخاصة بكل دولة، لكن المشكلة أن كل الدول الواقعة على ساحل إقليم شرق المتوسط ليست على علاقة جيدة بينها وبين بعضها، فهناك أزمات بين تركيا ومصر وقبرص، وأزمات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، كما هناك نزاع على حقول الغاز أمام السواحل اللبنانية، ومشكلة عدم وجود رئيس الدولة وتأجيل مجلس النواب بها لأكثر من مرة، أما «سوريا» فهى ليست طرفا الآن نظرًا للصراع الدائر بها، هذه الدول بها مشكلات داخلية، ولا شك فيما بعد ستفتح هذه الملفات. ويشدد د. طارق فهمي، على ضرروة أن تسجل مصر مواقفها، وحقوقها التاريخية فى هذه المناطق، ثانيًا: أن تنسق مع الأطراف المعنية: مع قبرصوتركيا، ومع اليونان، ولابد أيضًا أن تنسق مع إسرائيل؛ لأن لإسرائيل علاقة سلام مع مصر واتفاقيات ومعاهدات، وبالتالى لا مجال للقول إنها دولة «عدو»، ومن ناحية أخرى على إسرائيل أن تنسق مع غزة، التى أمامها حقول للغاز، وبالتالى يكون هناك موقف مباشر لمصر للتعامل مع إسرائيل. ولفت الانتباه إلى ضرورة أن يكف رئيس الهيئة العامة للبترول عن تصريحاته «العبثية» -على حد قول د.طارق فهمي- عن حقول مصر، لأننا عندما ندخل فى مفاوضات تأخذ إسرائيل مثل هذه التصريحات «حجة» تعوق المفاوضات. فيما يذكر د.أحمد قنديل، رئيس وحدة أمن الطاقة بمركز الدراسات الإستراتيجية فى مؤسسة الأهرام، أن هذا الموضوع أثير أكثر من مرة منذ ثورة 25 يناير 2011، وأن له اعتبارات كثيرة: سياسية واقتصادية وقانونية، مؤكدًا ضرورة أن يتم تفاهم إقليمى بين الدول المعنية حول كيفية استغلال هذه الثروات، ليس دولة بمفردها تستطيع استثمار هذه الموارد الضخمة، لافتًا النظر إلى أن كل الدول الموجودة فى شرق البحر المتوسط اقتصادياتها متعثرة، وبالتالى هذه الاكتشافات ممكن أن تُفجر صراعات ضخمة للغاية، بين شعوب إقليم شرق البحر المتوسط، مؤكدًا أن هناك دعوة منذ فترة إلى جلوس تلك الدول معًا والتفاهم فيما بينها حول الكيفية الأمثل لاستغلال هذه الثروات. ويتعجب السفير جمال بيومى، مساعد وزبر الخارجية الأسبق، من الإعلام الذى يسلط الأضواء كثيرًا على موضوع الغاز فى البحر المتوسط، مؤكدًا أن لمصر 12 ميلاً داخل البحر المتوسط، وإسرائيل كذلك لها 12 ميلا، وغزة لها ذات المساحة، واليونان وقبرص أيضًا لهما المساحة نفسها، وأيضًا سورياولبنان، طبقًا لاتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار المبرمة عام 1982 التى تنص على منح كل دولة 12 ميلاً عرضًا لبحرها الإقليمي، وخصصت لها منطقة اقتصادية خالصة بعرض لا يزيد على 200 ميل بحري، يحق لها فيها: حرية الملاحة، واستغلال الثروات، والتحليق، ومد الكوابل البحرية، وإقامة الجزر الصناعية، وصيد الأسماك والبحث العلمى فيها. ويؤكد «بيومي» أنه إذا حاولت دولة الجور على نصيب أخرى فسوف تكتشف الدولة الثانية هذا فى ذات اللحظة، لأن هناك أقمار صناعية تصور كل شيء، وترى الحدود بدقة متناهية، واستشهد «بيومي» بما تم أثناء تفاوض مصر مع إسرائيل على «طابا»، إذ قامت الطائرات العالمية بتصوير الحدود بيننا وبين إسرائيل بالسنتيمتر، لافتًا النظر إلى أن ما بعد 12 ميلاً تكون منطقة اقتصادية مشاع، ولا تستطيع أى دولة أن تأخذ ما تريد بلا رقيب ولا حساب، وأن المسألة ليست «وضع يد» –على حد وصفه-، فالقانون ينظم كل شيء، منوهًا أن هناك علاقة بين مصر وإسرائيل مرتبطة باتفاقيات ومعاهدات سلام، ولا يعتقد أن إسرائيل ستجرؤ على التعدى على نصيب مصر من الغاز فى البحر المتوسط، لما تقوم به مصر فى الالتزام باتفاقياتها، فضلاً عن وساطتها بين إسرائيل وحماس. ونوه «بيومي» إلى أن الحكم الصادر أخيرًا بتعويض إسرائيل عن وقف تصدير الغاز إليها أنه ليس قضية دولة، ولكنه لشركة مصرية خاصة، ويدخل فيها سوء إدارة لدينا فى عدم متابعة القضية أثناء تدوالها فى التحكيم الدولى وعدم التقدم بالطعن عليه، وأن قرار إيقاف تصدير الغاز إلى إسرائيل جاء بقوة قهرية؛ لتعدى إرهابيين على الخطوط الممتدة فى سيناء إلى إسرائيل، ويقول «جمال بيومي»: يجب أن تختشى على دمها، وتتنازل عن هذا الحكم. وحتى لا تسلب إسرائيل حق مصر من الغاز فى إقليم شرق البحر المتوسط يذكر «بيومي» أنه معروف أن هناك تقنية تصل إلى قاع البحر من على الشاطيء بآلات دقيقة، ونستطيع الاستعانة ببعض الدول الأوروبية فى الحصول على هذه الآلات، ولا يعتقد أن إسرائيل ستحاول السحب من نصيب مصر فى الغاز فى البحر المتوسط، وإن حاولت «ليلة أبوها سوداء» –حسب قوله- وأن إسرائيل تتمنى أن العلاقات مع مصر تكون جيدة، وهى تضرب بعلاقتها معها المثال، وترجو أن تحقق السلام مع دول الجوار مثلما هى مع مصر. ووصف القول بنشوب حرب عالمية بسبب غاز شرق المتوسط بالمبالغات والمزايدات لناس تريد فرقعة إعلامية وخيال علمي، ويؤكد أنه إذا ما تطلب الأمر مفاوضاوت مع أوروبا وأمريكا فمصر لديها مختصين قادرين على إجراء تلك المحادثات. فيما تؤكد د. نورهان الشيخ، أستاذ السياسة بجامعة القاهرة، أن هناك خرائط ترسم الحدود البحرية لكل دولة بالضبط، ومن السهل جدًا أن تثبت مصر حقوقها القانونية مسنتندة بالخرائط والمستندات والدلائل على تلك الحقوق، وترى أن الأهم من هذا الجانب القانوني، هو الجانب الآخر العملى بأن تفرض مصر سيطرتها فعليًا، وتبدأ فى استغلال هذه الحقول، وهى معروفة منذ فترة طويلة، وكل دولة عليها أن تفرض سيطرتها على حدود مياهها الإقليمية، وتستغل ثرواتها، وهذا الرد العملى على ما يحدث من إسرائيل. وتذكر د. نورهان الشيخ أن هناك قضايا مشابهة تمت فى دول أخرى حول «بحر قزوين» بعد ظهور وجود ثروة نفطية وسمكية ضخمة فيه، تتنافس عليها خمس دول هي: روسياوأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وإيران، وتوصلوا إلى تفاهمات حول تحديد الوضع القانونى الخاص بمنطقة بحر قزوين، والتوافق على استثمار ثرواته. وترفض د. نورهان الشيخ فكرة الشجب فقط إزاء محاولة إسرائيل التعدى على نصيب مصر والدول الأخرى من غاز شرق المتوسط، لافتة النظر إلى أن إسرائيل لا تلتزم بالقانون الدولى ولا بالقواعد القانونية، والرد عليها لابد أن يكون عملي، بأن تفرض مصر سيطرتها على حدودها فى مياه البحر المتوسط، والسيطرة على آبارها، ومعروف أن إسرائيل تستخرج الغاز من البحر المتوسط منذ سنوات عديدة، ولم نحرك ساكنًا، فعلى مصر أن تأخذ إجراءات عملية، سواء منفردة أو بمشاركات دولية، فهناك دول كبرى كثيرة مهتمة باستغلال هذه الثروات، مثل: روسيا، اليونان وقبرص، مؤكدة ضرورة أن تتحرك مصر وفق الأطر القانونية، والمحاكم الدولية، وتسارع فى استغلال هذه الثروات المكتشفة، باتخاذ خطوات عملية بشكل تكنولوجي، لحفر آبار الغاز بسهولة ويسر، وعدم الاكتفاء بالقرارات والاتفاقيات التى تظل حبرا على ورق ولا تجدى شيئًا، أو تتعاقد مع شركات دولية كبرى تستطيع العمل بالوسائل التكنولوجية لاستخراج الغاز من حدودها على البحر المتوسط، لكن فكرة الصمت والترقب فقط لا تصلح مع إسرائيل بل التعامل معها بسياسات الأمر الواقع دون حرب أو صراعات. وترى أن تداول فكرة وقوع حرب عالمية تضخيم وتخويف لصانع القرار والداخل المصرى بلا معنى، لافتة إلى أن اليونان عضو فى الاتحاد الأوربي، وتركيا واليونان عضوا فى شمال الأطلنطي، وليس من المتصور أن تحارب إحداهما الأخرى بسبب الغاز، إذ كان أحد شروط الاتحاد الأوربى لضم تركيا إليه أن تسوى مسألة قبرص والحفاظ على استقلالها، وهذا يعنى أن الحكومة القبرصية الصديقة لليونان معترف بها دوليًا، سواء من الولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوربي، المهم أن تأخذ مصر خطوات عملية لاستغلال ثرواتنا، لكن فكرة أن نخوف من نشوب حرب عالمية، وحدوث أزمات بين الدول أمر معتاد وحدث كثيرًا فى دول أقل من مصر، مثل: «أذربيجان» التى تقع فى منطقة بحر قزوين، رغم عدم قدرتها العسكرية استطاعت أن تفرض سيطرتها على مياهها الإقليمية فى بحر قزوين وبدأت استغلال ثرواتها، وفعلت ذلك دول أخرى وعلى مصر أن تحذو حذوها.