جاءت تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسى الأسبوع الماضى على ضرورة إنشاء «القوة العربية المشتركة» لتكون بمثابة حجر حرّك المياه الراكدة منذ قررت الجامعة العربية إرجاء اجتماع رؤساء الأركان العرب إلى أجل غير مسمى، والذى كان من المقرر انعقاده بالقاهرة أواخر أغسطس الماضى. وترى مصر بقيادة السيسى أن هذه القوة لا تصب فى مصلحتها منفردة بل هى لمصلحة الجميع، بل ربما استفادت منها الدول العربية أكثر من مصر التى تمتلك جيشا قويا يحتل مكانة مرموقة فى التصنيف العالمى من حيث التسليح والكفاءة القتالية، فضلا عن كونها –أى القوة المشتركة- أداة مهمة من أدوات التكامل العربى اللازمة للدفاع عن قضايا الأمة العربية، وعودة الحياة إلى الحلم العربى من جديد. تساؤلات عديدة سادت الشارع السياسى العربى عقب إرجاء الاجتماع، فى ظل تواتر أنباء عن ضغوط دولية مورست على بعض الدول العربية لوقف المشروع العربى، لما يسببه من خروج عدد من دول المنطقة بعيدا عن عباءة حماية الدول الكبرى. أكتوبر تفتح الملف من جديد للتعرف على آراء الخبراء فى أسباب تأخر تشكيل القوة العربية المشتركة، خاصة بعد أن تسربت ملامح البروتوكول المقترح لتلك القوة.فى البداية جاءت تصريحات الرئيس السيسى عما تتخذه مصر والمملكة العربية السعودية من خطوات جادة فى هذا الصدد.. ومن بينها إنشاء مجلس التنسيق المشترك بين البلدين.. والذى تتضمن أعماله موضوع القوة العربية المشتركة إلى جانب العديد من جوانب تعزيز العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين»، بمثابة إعادة الحياة إلى الحلم. وأكد الرئيس أن التحديات التى تمر بها الدول العربية باتت تشكل تهديداً وجودياً مباشراً لكيانات تلك الدول ومقدرات شعوبها، الأمر الذى يتطلب ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطنى للدول العربية القائمة، والعمل على تطوير وتفعيل النظام الإقليمى العربى كإطار منظم لكافة أوجه العلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية على كافة الأصعدة. وكان الرؤساء العرب قد اتخذوا قرارا رقم 628 فى 29مارس 2015 بإنشاء قوة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومى العربى. وأعلنت جامعة الدول العربية تأجيل اجتماع وزراء الدفاع والخارجية العرب، لإقرار البروتوكول الخاص بالقوة العربية المشتركة، والذى كان من المقرر انعقاده بالقاهرة، بعدما تلقت مذكرة من الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية يعرب فيها عن رغبة الحكومة السعودية فى تأجيل عقد الاجتماع لموعد يحدد لاحقا. كما تلقت الجامعة مذكرات من كل من مملكة البحرين ودولة الكويت ودولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية العراق تؤيد هذا الطلب، وتشاورت الجامعة مع مصر كرئيسة للقمة، وقررت تأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى. الدكتور على الدين هلال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة الأسبق، أكد أن القوة العربية المشتركة لن تتم فى المنطقة العربية بسهولة، وستواجهها العديد من التحديات، ومنها أن بعض الدول العربية التى طالبت بتأجيل القمة تخشى من تشكيل القوة العربية وتهيمن عليها دولة عربية بعينها، أو أن تكون أداة لقمع الثورات العربية، موضحًا أن الدول العربية كانت تخشى من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الإعلام الآن يصور أن الرئيس السيسى يشبهه فى قوته وشعبيته، وأن مصر تعود إلى مكانتها فى العالم، كل ذلك يبعث بإشارات مخيفة حول مصر والدول تخشى أن يكون لمصر سيطرة على القوة العربية المشتركة. وقال إن بعض الدول المطالبة بالتأجيل عليها ان تعيد النظر فى قراراتها، فى حال كانت قد اتخذت تلك القرارات بنفسها، وليس بإيعاز من قوى أخرى، خاصة أن الدعوة لإنشاء قوة عربية مشتركة هى دعوة جريئة، وستغير من المنطقة تغيرًا جوهريًا، ولذلك فهى تحارب من داخل وخارج المنطقة العربية. وأضاف هلال، أن أمريكا تحارب الفكرة، وتخشى من أن تستخدم ضد إسرائيل، فى ظل استمرار الدعوات من بعض الدول العربية لمقاطعة أمريكا وما شابه، مضيفًا أن بعض الأنظمة العربية غير مستعدة لأن تكون هناك قوة عربية مشتركة من الأساس. سبب قانونى من جانبه يتفق السفير إبراهيم يسرى وكيل وزارة الخارجية الأسبق مع الدول التى طالبت بتأجيل اجتماع وزراء خارجية ودفاع الدول العربية للمزيد من التشاور حول البروتوكول، تمامًا، لأن التأجيل قد يكون لسبب قانونى وسياسى. بينما يرى السفير عادل الصفتى مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن معظم الدول العربية لا تريد إتمام تشكيل القوة لأسباب متعددة بعضها له صلة بالتمويل، والبعض الآخر له صلة بمخاوفها من تدخل تلك القوة فى أراضيها. وتوقع أنه فى الغالب سيتم تعليق إعلان إنشاء القوة المشتركة، أو على الأقل ستوافق الدول العربية الرافضة فى حال الضغط عليها ولكنهم لن يعملوا على التنفيذ. ضغوط غربية من جهته رجح اللواء مهندس مختار قنديل الخبير الاستراتيجى، أن قرار تأجيل توقيع بروتوكول إنشاء القوة العربية المشتركة، جاء بضغوط أمريكية على الدول العربية. مشددا على أن العرب لن يتفقوا على أى عمل عسكرى مشترك، مرجعًا ذلك لوجود حساسية كبيرة بين الدول العربية بشأن استخدام القوات أو السلاح. وأضاف: أن السعودية منذ البداية طلبت التأجيل، ثم تبعتها دول الخليج بما فى ذلك الإماراتوالكويتوالبحرين، وباركوا تأجيل الاجتماع، وهذا معناه أن هناك تكتلات بين الدول العربية تتم من خلف ظهر الجامعة. وأشار قنديل إلى أن الأمور غامضة بشأن تشكيل القوة العربية المشتركة والأيام المقبلة سوف تظهر الحقائق، لافتًا إلى أن مصر لن تخسر شيئا من قرار التأجيل لأنها تمتلك جيشا قويا له تصنيف عالمى وهو أقوى الجيوش العربية وجيوش المنطقة. وأكد أنه كان ينبغى قبل الاتفاق على تشكيل قوة عربية مشتركة، توضيح ما هى آلية هذه القوة المطلوبة وأسلوب عملها والأسلحة التى سيتم استخدامها، وما هى القيود المفروضة عليها، ومن الذى سيقرر استخدامها، مبينًا أن الضغوط الأمريكية مورست، نظرًا لأن تشكيل القوة المشتركة يهدف فى المقام الأول إلى عرقلة المد الإيرانى فى المنطقة، وإيران أصبحت تربطها مصالح مع أمريكا حاليًا بعد توقيع الاتفاق النووى، كما أنه من مصلحة الولاياتالمتحدة ألا يتفق العرب أبدًا. وخلص اللواء مختار قنديل، إلى أن كل الدول العربية خاسرة من عدم تشكيل هذه القوة، أما الرابح فهى إسرائيل التى تعد جزءا من أمريكا، ورغم أن العرب أعلنوا أن القوة المشتركة لن تخوض حربا ضد أحد، بل هى قوة دفاعية فقط إلا أن دولة الاحتلال لا تقبل هذا الكلام وتخشى من زيادة عدد تلك القوات بعد مرور سنوات، كما أنها ترفض وتخاف من تعاظم قوة مصر فى إطار القوة العربية المشتركة وخاصة فى ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى يراه الغرب امتدادا للراحل جمال عبد الناصر. إخفاق عربى ويوضح اللواء ممدوح حامد عطية الخبير الاستراتيجى ومستشار أكاديمية ناصر العسكرية أن هذا الموقف يدعو إلى القلق لأن تشكيل القوة العربية المشتركة موضوع عاجل وملح، وأخذ حقه من الدراسة، وكان ينبغى أن تكون الخطوات سريعة فى ضوء التهديدات التى تحدق بالمنطقة، مرجعا اتخاذ قرار التأجيل فى اللحظة الأخيرة، وبدون سبب واضح إلى وجود ضغط دولى، وأنه يمثل إخفاقًا من جانب بعض الزعماء العرب. كما يتفق مع الرأى السابق مؤكدا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية على رأس المناهضين لتشكيل القوة العربية المشتركة نظرا لأن تشكيلها يهدف إلى محاربة الإرهاب، وأمريكا هى الداعمة له، كما أنها على اتصال مباشر مع كل التنظيمات الإرهابية فى كل أنحاء العالم، بما فى ذلك تنظيم « داعش» . وأكد أنه لا يجب اللجوء إلى أنصاف الحلول التى مضى وقتها، لأن هذا يخلق شرخا فى الصف العربى، ويقوى الدول الداعمة للإرهاب. وأوضح أن المستفيد من ذلك هى الدول المعادية وهى بالطبع أمريكا وإسرائيل، لافتا إلى أن جزءا من نظرية الأمن الإسرائيلى تقوم على خلق الفرقة بين الدول العربية، وأن عدم تشكيل قوة عربية مشتركة يخدم « دواعش ليبيا» لأنه بمجرد تشكيلها سيتم تفعيلها ضد الإرهاب هناك، وذلك بطلب من الحكومة الليبية الشرعية برئاسة عبد الله الثنى. ونوه اللواء ممدوح عطية إلى أنه حتى الآن الرغبة المصرية واضحة وصريحة تجاه تشكيل القوة المشتركة، لذلك لا بد أن تكون هناك إرادة عربية تواجه تهديدات المنطقة، والموقف لا يحتمل مثل هذا التأجيل على الإطلاق، مؤكدًا أننا «نواجه هجمة شرسة منظمة من أمريكا والعناصر الإرهابية لتفتيت المنطقة، والتباطؤ فى هذا العمل والرضوخ للضغوط يدعم المواقف المعادية للدول العربية ويشتت دول المنطقة». على الجانب الآخر يرى الخبير العسكرى اللواء أحمد عبد الحليم مستشار أكاديمية ناصر العسكرية أن بعض الدول العربية تكاتفت وتعاونت فى الدفاع المشترك عن بعض الدول العربية الأخرى وتجربة التحالف العربى فى عاصفة الحزم باليمن خير دليل على ذلك مؤكدا أن القوة العربية سيتم تشكيلها لكن الأمر يتطلب بعض الوقت. وتوقع عبد الحليم أن يتم توقيع معاهدة تشكيل هذه القوة بين مصر ودول الخليج فقط بعدما أصبح التوقيع على الاتفاقية اختياريا وليس إجباريا كما كان فى السابق مشيرا إلى أن تفتت الدول العربية هو السبب الرئيس وراء تأخر تشكيلها. وأشار إلى أن التعاون العربى المشترك من أهم الأهداف التى تسعى الجامعة العربية لتحقيقها ولكن انقسامات الدول العربية تقف عائقا أمامها. اللواء دكتور محمد الغبارى مدير كلية الدفاع الوطنى الأسبق أعرب عن استيائه العميق بسبب تأجيل الاجتماع مشددا على ضرورة أخذ الجدية المطلوبة لمواجهة التهديدات غير المسبوقة التى تتعرض لها المنطقة العربية والتى تجعل من تشكيل تلك القوة قرارا حتميا لحماية الأمن القومى العربى وإبعاد التهديدات التى جعلت من بقاء عدد من الدول العربية على المحك. وتساءل اللواء الغبارى عن الأسباب التى دفعت السعودية والعراقوالجزائر لاتخاذ هذا المنحى المثير للجدل، موضحا أن العراق موقفها لا يحتاج إلى تفسير أو تساؤل، نظرا للسيطرة الإيرانية الكبيرة على دوائر صنع القرار، ونظرا لما اعتبرته سياسة غير ودية تجاهها عبر تشكيل تلك القوة و آلية غير مقبولة لمجابهة سياساتها غير الصديقة للوطن العربي، وذلك على خلفية احتلالها للجزر الإمارتية الثلاث واستخدام الملف الشيعى كورقة ضغط واختراق للقرار العربى. بالإضافة إلى الدعم الكبير الذى تقدمه لبعض الجماعات الإرهابية المنتشرة فى المنطقة وعلى رأسهم جماعة الحوثى الانقلابية وحماس المسئول الأول عن شق الصف الفلسطينى، أضف إلى ذلك كله التوقيع على اتفاقها النووى مع السداسية الدولية وما ينطوى عليه من اتفاقات غير معلنة مع الجانب الأمريكى بشأن إعادة ترتيب المنطقة العربية وفقا لما يحقق مصالحهما. وقال إن ما يدعو للتساؤل هو موقف الجزائر التى من المفترض أن تكون رقما مهما فى تشكيل تلك القوة العربية نظرا لما تتمتع به من قوة عسكرية ، متسائلا: هل تخشى الجزائر استفزاز التيار الإسلامى لديها فيتكرر سيناريو مشابه لما حدث فى تسعينيات القرن الماضى، أم خضعت لضغوط من أطراف إقليمية سواء من دول الجوار أو أطراف خليجية، أم خضعت لضغوط دولية.؟ أزمة بقاء أما على المستوى القانونى فأكد الدكتور مسعد عبد العاطى أستاذ القانون الدولى أن دعوة الرئيس المصرى إلى تشكيل القوة العربية المشتركة تأتى استجابة إلى الواقع العربى ولمبادئ القانون الدولى فى ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات التى من شأنها حفظ السلم والأمن الإقليمى والدولى، وطبقا للمواد 52 و 53 و45 من ميثاق الأممالمتحدة ، فإن جامعة الدول العربية كمنظمة اقليمية من حقها اتخاذ كافة التدابير والاجراءات التى من شأنها حفظ السلم والأمن الاقليمى شريطة التنسيق مع مجلس الأمن. واستطرد: مصر من حقها طبقا للمادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة والتى تنص على حق الدول فى الدفاع عن نفسها فرادى أو جماعات أن تتخذ كافة الاجراءات التى ترى أنها مناسبة لحماية الدولة المصرية ، كما يحق للدول العربية بشكل فردى ولتكن الحكومة الليبية المعترف بها على سبيل المثال طلب المعونة العسكرية من مصر كما حدث سابقا عقب العمل الإرهابى الذى استهدف 21 مصريا فى ليبيا. ويرى عبد العاطى أن دعوة مصر لتشكيل القوة العربية المشتركة جاءت حماية للعالم العربى أولا قبل حماية مصر ولابد من الاصطفاف العربى خلف القيادة المصرية لدحر الجماعات الإرهابية التى تهدد أمن وسلامة بل وبقاء الدول العربية.