فى يوم من أيام مارس 1956 كان البروفسير الألمانى «جرهارد كيجل» أستاذ القانون بين طلابه بجامعة كولونيا.. عندما اقترب أحدهم يهمس إليه بأن هناك من ينتظره فى مكتبه.. وبعد قليل كان «جرهارد» يلتقى مع شخص قصير يبدو من مظهره أنه عربى.. وقدم نفسه على أنه يريد مشورة البروفسير حتى يعد رسالته للدكتوراه فى القانون فهو محام له مكتب فى القاهرة وطرح عنوانه المقترح للرسالة عن «الشريعة الإسلامية» لكن البروفسير استشعر بأن هذا العنوان يخفى وراءه مقصدًا مختلفًا للرجل الذى يبدو على ملامحه المكر وتأكد من ذلك عندما وجد بطاقات بريدية تصله من جنيف ودمشق والقدس من المحامى المصرى «سعيد رمضان» الذى التقى لأول مرة فى عام 1940 ب «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان.. الذى يمنح الفرصة للشباب لكى يعتلى المنصة ويخطب فى الناس ويعلن عن نفسه فى إشارة ماكرة إلى تفاعل الشباب مع دعوته وانتشارها.وصعد «رمضان» وهو ابن الرابعة عشرة إلى المنصة.. وكان البنا قد سأله قبل صعوده: بالله ماذا أخّرك عنا؟.. وكانت لفتة ذكية من البنا انبهر بها الشاب وازداد تعلقه بالرجل الذى أراد أن يربطه به بحبل متين وزوجه من ابنته الكبرى «أم أيمن» وأصبح السكرتير الشخصى للإمام.. ويشرح «جمال البنا» شقيق حسن لمؤلف كتاب «مسجد فى ميونخ».. الكاتب الكندى ابن جونسون».. كيف إن مرشد الإخوان كان يرى فى رمضان وزيرًا للخارجية فهو متحدث لبق ورياضى نشط.. ثم أنه العقلية القانونية التى تبرر للناس ضرورة ارتقاء الإخوان سلم السلطة بديلا عن الخلافة الإسلامية التى انهارت فى اسطنبول.. وكانت قاب قوسين أو أدنى من أن تسيطر على العالم كله.. ورمضان هو الذى أسس لفرع الإخوان فى الأردن حتى منحه الملك عبد الله الأول جواز سفر سمح له بحرية الحركة بعيدًا عن الأعين التى بدأت تنتبه إليه بعد جرائم الإخوان فى مصر، وفى عام 1948 رحل إلى باكستان وبعدها بعام تم اغتيال «البنا» ولم يتوقف نشاط رمضان ويجب أن نذكر بأن مؤتمرات عديدة عقدت بعد سقوط الخلافة.. لإيجاد بديل يجمع حشود المسلمين.. وهو ما جعل البنا يعلن عن تنظيمه فى هذا التوقيت.. ولهذا اتجه سعيد رمضان إلى مفتى القدس أمين الحسينى.. نظرًا إلى مكانة الأقصى وفلسطين.. وكذلك إلى تركيا التى كانت قد اتجهت إلى العلمانية.. وبذلك تم ربط القاهرة.. باستنبول.. والقدس.. وكراتشى من خلال المؤتمر الإسلامى الذى جرى الإعلان عنه وهو فى حقيقة الأمر يعلن عن الوجه الدولى للإخوان بعد أن تم التضييق عليهم داخليًا فى مصر بسلسلة الاغتيالات التى وقعت لشخصيات مرموقة.. والإعلان عن حل الجماعة.. وهى لعبة المناورات التى يجيدها الإخوان.. وقد استغل رمضان فى تحركاته الدولية شعار محاربة الشيوعية وهو ما نجح فى تقربهم إلى المخابرات الأمريكية التى أرادت استثمارهم فى الحرب الباردة لمواجهة الشيوعية.. والإخوانى يعرف جيدًا من أين تؤكل الكتف وعلى ذلك التقى رمضان لأول مرة بالأمريكان عام 1953 وأعلنت جامعة برنستون عن مؤتمر إسلامى وفى نفس الوقت وضعت المخابرات الأمريكية على مكتب الرئيس الأمريكى «أيزنهاور» تقريرًا ينصحون فيه باستثمار عداء الإسلام للشيوعية وتوظيف الدين فى خدمة السياسة.. وكانت المخابرات هى التى مولت المؤتمر.. ورغم مشاغل الرئيس أيزنهاور إلا أنه عاد والتقى بأعضاء المؤتمر.. وعلى رأسهم سعيد رمضان وذلك يوم 23 سبتمبر عام 1953 وهو اليوم الذى يمكن أن نطلق عليه «يوم الغرام».. بين الإخوان والأمريكان. وبدأ اسم رمضان يلمع فى المحافل الأمريكية وبدأ نشاطه يتسع وعندما اتخذ جمال عبد الناصر قراراته الحاسمة ضد الإخوان عام 1954.. بدأ «سعيد» يتحرك إلى السعودية وسوريا وباكستانوالأردن والتى أعلنت عن طرده هو ومجموعة من الإخوان.. وأخذ سعيد أسرته واتجه بها إلى سويسرا عام 1958.. ورغم رفض المخابرات السويسرية لوجوده إلا أنها غضت الطرف عنه لأنه من أعداء الشيوعية ويمكن استثماره فى هذا الطريق. وفى نفس العام حصل على الدكتوراة بعنوان «التشريع الإسلامى أفاقه وموازين عدالته»، وعندما علم برغبة بعض المسلمين لبناء مسجد فى ميونخ اتجه من فوره إلى هناك معلنًا أنه يستطيع جمع المال لهذا الغرض وفى هذا التوقيت ظهر معه فى الصورة شاب سورى يدعى «على غالب محمود همت».. وإلى جانبه الأفغانى «عبيد الله مجددى» ابن الزعيم الأفغانى «صبغة الله» وكان عبيد يدرس الطب.. ووقتها قال سعيد لمن حوله إنه يريد أن يبسط نفوذه على أوروبا كلها.. واتخذ من بناء المسجد ذريعة وستارًا للحركة هنا وهناك وجمع المال.. وكان قد أصبح رمزًا ونجح فى حشد الطلاب والشباب من حوله من جنسيات عديدة وبذلك سيطر على مجريات الأمور فى لجنة بناء المسجد، وفى هذا التوقيت عمل «مجلس تنسيق العمليات» وهو الكيان القائم على تنفيذ العمليات المغطاة لوكالة الاستخبارات المركزية وغيرها إلى تبنى «الإسلام سلاما» ليس حبًا فى الإسلام بالقطع.. ولكن لضرب الشيوعية ومحاربة الاتحاد السوفيتى وتم إنشاء فريق عمل مهمته الوحيدة كيفية استخدام الإسلام كسلاح والاعتماد على ما يسمى بجماعات الإصلاح وعلى رأسها تنظيم الإخوان.. وفى بيان لهذا المجلس قال إن البرامج المغطاة والتى يصحب حسابها على جهة بعينها تكون فاعلياتها أكثر تأثيرًا بما يحول دون اتهام أمريكا بتوظيف الدين لتحقيق مآرب سياسية وبالتالى سيتم كل شىء فى الخفاء.. ولذلك تحرك رمضان كأن البلاد بلاده لتأسيس التنظيم الدولى لإخوان الشياطين.. وسينضم إليه بعد ذلك يوسف ندا وأسماء أخرى سنعرفها تباعًا.. لأن القصة فيها الكثير!