اثنان وأربعون عامًا مرت على حرب أكتوبر المجيدة أعظم انتصارات العرب فى التاريخ الحديث. حين عبرت القوات المسلحة المصرية قناة السويس فى السادس من أكتوبر من عام 1973، حيث كان عدد المقاتلين الذين عبروا القناة ثلاثين ألف مقاتل استخدموا 2500 مركبا مطاطيا وقبلهم عبرت 222 طائرة فى نفس اللحظة قناة السويس. ثم تم انشاء ستين كوبرى بطول القناة لنقل المعدات الثقيلة. تفاصيل وأرقام كثيرة تحملها ذكرى هذا اليوم العظيم فى تاريخ الأمة العربية، لكن الأهم من كل هذه الأرقام والتفاصيل هو البطولات الفردية والجماعية للمقاتلين المصريين قبل وأثناء الحرب سواء فى فترة الاستعداد أو خلال أيام الحرب التى شهدتها سيناء ومدن القناة الثلاث، بل وكل المدن المصرية. لكن الشىء الغريب أن هذا المجد الكبير لم يعبر عنه عمل فنى واحد على قدر مستوى الحدث! وهو أيضا لا يدرس فى المدارس بالقدر الذى يليق به! اثنان وأربعون عاما مرت وفى كل عام يرحل بحكم الزمن أحد أبطاله من القادة أو المقاتلين أو حتى المدنيين حتى تكاد تفاصيل هذه البطولات العظيمة يطويها النسيان، بينما كل واحد من هؤلاء يحمل ما يملأ كتبا وأفلاما ومسلسلات، وأصبحنا أمام جيل لا يعرف عن حرب أكتوبر الكثير، ولعل هذا تماما ما تريده إسرائيل التى ملأت الدنيا كذبا أن هذه الحرب قد انتهت لصالحها، والسبب بسيط أننا فى غفلة عن الاهتمام الحقيقى بتاريخنا! منذ عدة أشهر اتصلت بى صديقة تعيش فى أحد الدول الأوروبية وسألتنى: هل صحيح أن حرب أكتوبر انتهت لصالح إسرائيل؟ قلت لها كيف تقولين هذا الكلام وانتى مصرية صميمة؟ قالت إن الإعلام الأوروبى مازال يروج هذا الكلام والحقيقة أنى تشتت حين ذكر البعض تفاصيل يروجها الإعلام ولم أدر كيف أرد عليهم! قلت لها ببساطة لقد كانت إسرائيل تحتل الضفة الشرقية لقناة السويس وكامل سيناء فهل انتهت الحرب وإسرائيل فى الضفة الغربية أم أن مصر استردتها؟ حتى سيناء التى عادت إلى حضن مصر ما كانت إسرائيل تقبل بالانسحاب منها عن طريق التفاوض وهى منتصرة. الحقيقة أن صديقتى وغيرها وحتى شباب مصر الآن لهم عذرهم أنهم لا يعلمون الكثير عن حقائق هذه الحرب، وهم معذورون حين يتشتتون، فالفن فى مصر قد انشغل بالعشوائيات وأحط أمراض المجتمع، والإعلام انشغل بمعارك مفتعلة لا هدف منها سوى الإثارة والتضليل أو التضخيم، والتعليم أهمل الأمر كله وقدم تاريخا مجزءا ومشوها ومنظومة تعليمية لا يخرج منها الطالب بشىء، فمن المنطقى إذن أن تغيب الحقائق بل تنقلب إلى أباطيل! هناك دول تصنع تاريخ لا وجود له حتى تزرع الشعور بالعزة والكرامة لأبناء وطنها، وحتى تغرس الانتماء فيهم لبلدهم، ونحن نملك أمجادًا عظيمة تدفع أبناء هذا الوطن للفخر والعمل وبناء المجتمع لكننا لا نستخدمها ولا نعرف قيمتها، لهذا يجب ألا نتعجب إذا ما رأينا مظاهر سلبية تسود مجتمعًا لا يعرف قدر تاريخه ولا يعرف قدر النصر العظيم!