هذا أقل ما يجب نحو الرجل الذى جاء من دنيا المقاولات إلى رئاسة الحكومة بدون أن يسعى.. ولكنها سعت إليه وهذه النوعية من الرجال لا تعرف حسابات المصلحة الخاصة.. فمن حيث المادة هى بالنسبة له مستورة والحمد لله.. بل إن شغلانة الحكومة تقف عليه بالخسارة.. ومن حيث البرستيج هو لا يهرول إليه، لأن شخصيته ليست من النوعية الاستعراضية.. وهو يعرف أن المنصب الرفيع قد جاء إليه فى الوقت الحرج العصيب.. أبواب الإعلام مفتوحة وبعضها يتربص بالمسئول قبل أن يجلس إلى مكتبه فى عمليات تخليص الحسابات وهناك من يهاجم لمجرد الهجوم فإذا خضع المسئول بدأت عملية الابتزاز وهناك من يحب ويكره بدون مبرر.. إلا أنها فرقة (خالف تُعرف).والرجل الذى قدم استقالته، ثم جاء به رئيس الجمهورية بعد ساعات من إبعاده على رءوس الأشهاد وأمام الملايين لكى يطلب من الجميع الوقوف تحية واحتراما له.. يستحق هذا وأكثر. قالوا إن محلب يستهلك طاقته فى الشوارع فى زيارات استعراضية.. ونسوا أن وجود رئيس الحكومة بين الناس معناه مواجهة المشاكل على أرض الواقع وبعيدًا عن أكاذيب التقارير وكله تمام يا باشا. رأيناه يشمر قميصه فى الصباح هو فى شبرا وبعد الظهر فى سوهاج.. وعند العصر فى أسيوط.. وبعد العشاء فى المنصورة.. تكاد لا تميزه بين المواطنين الذين يحيطون به من كل جانب.. وقال بعض الذين يحبون «الفذلكة».. إنهم يأخذون على الرجل ذلك النقاء والبراءة فى تعاملاته مع أنه كرئيس حكومة عليه أن يجيد فنون المناورة واللف والدوران السياسى.. بل والحزم. وأنا هنا أؤكد أن محلب فعلًا من النوع البرىء فالرجل الذى كان يقود أكبر شركة للمقاولات.. لا يعرف سوى لغة الهدم لكل مطرح أصبح خرابة.. ولا يعرف أيضًا سوى لغة البناء والتشييد.. أى أنه لا يحب المناطق الرمادية.. فالحياة عنده إما بالأبيض أو الأسود ولا ثالث لهما. وما رأينا فى الرجل إعوجاجا أو كذبا.. ويشهد له من يختلف معه قبل من يتفق بالنزاهة ونظافة اليد.. فهو يعمل خائفا من ربه محبا لوطنه مؤمنا بما يعمل.. ومن المؤكد أن تتساقط منه بعض الأوراق فى زحمة هذا العمل الذى لا يتوقف، فهو يتصل ببرنامج تليفزيونى أثناء زيارة ميدانية لكى يوضح حقيقة غائبة. محلب ربما يكون أول رئيس حكومة فى تاريخ مصر الحديثة تخلى عن ديوان دولة رئيس الوزراء.. واختار لنفسه «كشك» فى كل شارع وعلى كل ناصية.. لم ينتظر أن تطرق المشاكل أبواب السكرتارية فيأذن لها بالدخول أو لا يأذن، لأن اللمبة الحمراء مشتعلة.. لكنه نزل بقميصه البسيط وشخصيته المنسجمة مع بساطته إلى الشارع.. وعندما وقف الرئيس السيسى وسط الشباب وأمام كاميرات التليفزيون لكى يقول إنه لن يتخلى عن محلب كان يعنى جيدًا ما يقول، فالرجل من خلال جولاته التى يمكن أن تدخل به إلى موسوعة جينس العالمية كأول رئيس وزراء «محمول».. تحول بعد تركه للحكومة إلى أرشيف بشرى لكل ما يعانى منه الوطن والمواطن.. فالجولات إذن لم تذهب أدراج الريح.. ثم إننا فى دولة لم تعد تتمسك بسياسة ضرب «الشلاليت».. تأتى بالمسئول من المجهول إلى بؤرة الضوء فإذا ترك منصبه توارى إلى الظل فى بحر الظلمات لا تسمع له صوتا ولا ترى له صورة.. وكأنه قد تحول إلى رجس من عمل الشيطان والعياذ بالله. والذين هاجموا محلب مع سبق الإصرار والترصد أغلبهم من أصحاب المصالح.. لأن القلة المحترمة منهم قالت ما للرجل وما عليه.. وأنت أمام شخصية مهما كان اختلافك مع أسلوب شغلها.. لا تملك لها سوى الاحترام.. فهو مصرى عربى شبعان.. عفيف اللسان وهو ما أغرى بعض السفهاء للأسف للتطاول عليه وكان ترفعه أقوى من انحدارهم. وانتظروا فى الأيام القادمة وبعد ساعات من دخول المهندس شريف إسماعيل إلى مقر مجلس الوزراء سيخرج من يقول لك من الشلة إياها ومع أول تصريح: فين أيامك يا محلب؟ فإذا عمل الرجل فى مكتبه قالوا: أين الجولات الميدانية يا رجل انزل إلى الناس يا باشا! فإذا رأى أن ينزل إلى الشارع.. ألحقوا بيقلد محلب ومش هيقدر! والمنطق يقول ليس الهدف من تغيير الحكومة أن يستبدل «فلانا بعلان».. لكن الهدف كما يقول العقل: تغيير سياسات.. فقد جاءت حكومة محلب فى ظروف.. وجاء شريف بحكومته فى ظرف آخر.. الآن البلد وضعها أفضل نسبيًا أمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. لكنها تحتاج إلى الكثير شكرًا لمحلب «مقاول الشعب» الذى كان حرصه على البناء أكثر من «الهدم».. ومرحبًا بشريف ونأمل أن تكون حكومته حارسة للشرف والشرفاء وأن تظهر سيف العدالة البتار لكل لص مهما أحاط نفسه بزخارف وأضواء وضجيج وإعلام.. حتى اختلط الأمر على الناس. ومع ذلك تظل السيرة الحسنة هى عنوان الحقيقة مهما حاول البعض طمسها أو تجاهلها، وقد قال الحكيم الذى لا نعرفه فيما مضى: عندما تريد أن تمتلك شيئا لم تكن تمتلكه من قبل.. يجب عليك أن تفعل شيئا لم تكن تفعله من قبل. وأظن أن محلب قد فعل.. ويكفى أنه امتلك قلوبنا واحترامنا.