مصر هى البلد الوحيد التى تطلق على الزوجة اسم الحكومة ولها الحق أن تقول ما تريد، فهى صاحبة أقدم الحكومات فى التاريخ.. ويطرح السؤال نفسه: هل المواطن ينظر إلى حكومته على أنها زوجته.. رأسا برأس.. ويدا بيد.. وله القوامة عليها بما تفضل به.. أم أنه يراها بعين الفولكلور على أنها «حماته» يكرهها قبل أن يعرفها، ثم إذا اقترب منها اكتشف أنها أطيب وأحن عليه من الست مراته وما حولها، وقد تكون العكس.. لكنها تظل بالنسبة للغالبية «مارى منيب».. مع أنها قد تكون كريمة مختار أو فردوس محمد.وقد تعود المواطن المصرى أن تكون الحكومة بالنسبة له بابا وماما وأنور وجدى.. عليها مآكله ومشربه وتعليمه وكسوته وأن تحكى له حدوتة قبل النوم وتغطيه إذا تعرى.. وتقف فى البلكونة حتى مطلع الفجر تنتظر عودته سالما غانما.. حتى لو كان فى سهرة مع الشلة يرتع ويلعب.. ولا بأس أن يتعامل معها معاملة الحفيد لجده.. هو يمشى ويقدر على ذلك.. لكنه إذا رأى جده فتح ذراعيه مثل الطائرة البوينج وصاح فيه آمرًا «أوبح» يعنى شيلنى.. وقد لا يكتفى بذلك، إنما يشترط أن تكون الركوبة «حصان» حيث تتدلى قدماه من فوق أكتاف الجد المسكين واحدة من اليمين والأخرى من الشمال. المواطن فى ظل الديمقراطية لا يرضى عن الحكومة حتى لو أشعلت أصابعها شمعا ليه ما تعرفش.. لكنها إذا تغيرت وجاءت أخرى ترحم على التى مشيت وتدفقت لعناته على الحالية. وعندما ناقشت أحد الزملاء حول محلب أول رئيس وزراء من شوارعهم أو قل أول رئيس حكومة متجول.. خلع بدلته الرسمية ونزل بقميصه وبنطلونه من قرية إلى مدينة إلى شارع وكوبرى ومحطة، وقال الزميل فى هدوء زائد: هذه ليست مهمته.. عليه أن يخطط ويدير ويتابع.. باختصار هو لا يعجبه حركة محلب الزائدة لأن المكتب بأوراقه وتوقيعاته وقراراته واجتماعاته يحتاجه أكثر! وكان ردى: لكن الرجل يفعل هذه وتلك.. ويكفى أن أحد المواطنين الغلابة عندما صافح محلب وحلف بالطلاق تلاتة أن يحتضنه ويقبله على الخدين.. قال لمن حوله: الآن فقط عرفت وأيقنت أن رئيس الحكومة مثلنا من لحم ودم.. فقد كنا نسمع عنه فى نشرة الأخبار فقط. وقال زميل آخر يعتبر نفسه أكثر عقلانية وثقافة: هل الحركة مستمرة أثمرت عن تكتيك حكومى جديد؟ ألا ترى أن رئيس الجمهورية ورئيس حكومته يتحركان بسرعة الصاروخ ويرددان دائمًا وأبدًا: لا نملك رفاهية الوقت.. ثم نجد فى المقابل العديد من الوزراء والقيادات المهمين هنا وهناك تتحركون مثل السلحفاة، ويستطرد العقلانى: ألا ترى أن التغيير يبدأ من الدماغ، قبل أن تصدر الإشارات إلى القدمين لكى تتحرك صوب الهدف؟ قلت بلسان رجل غلبان نسيت اسمه: ألا ترى أنها حكومة يرأسها رجل مخلص شبعان يود لو قطف بيديه نجوم السماء وقدمها لأهله من عموم شعب مصر، خاصة الفقراء وما أكثرهم، رد الذى هو مثقف: يا عمنا حسن النوايا لا تكفى. وخشيت أن يتهمنى الذى هو نخبة بأننى حكومى وقلت له: يا عقلانى باشا.. ألا ترى أن الحكومة إذا عملت والشعب نائم ستكون النتيجة لم ينجح أحد.. ثم كيف تريد منها أن تكون حكومة مثالية «فول أوبشن».. والمواطن لايزال يعيش فى عصر الفحم الحجرى.. والعلاقة بين الحكومة والمواطن فى الدول المتقدمة يحكمها قانون.. يتم تطبيقه على الجميع بلا استثناء.. لأن الحكومة فى مجموعها هى حفنة من المواطنين فى موقع السلطة.. ثم إن الشعب هو الرقيب الأعظم على الحكومة وعلى رئيس الدولة، لأنه يمثل الجمعية العمومية للبلد.. وهى تمنح الثقة لمن تشاء وتعزل من تشاء.. ولا سلطان أعلى من سلطانها.. فهل يعرف المواطن ذلك؟ وقد قال الفرنسى الشهير «مونتسكيو» فى كتابه المهم (روح الشرائع): إن الفضيلة السياسية هى فى معناها حب القوانين والوطن وتدريب المواطن على الإحساس بقيمته أولى الخطوات نحو وطن صحيح.. لا الحكومة تنجح بمعزل عن شعبها.. والشعب يفلح بدون حكومة ترعى مصالحه بما يرضى الله. ولأن الباشا المصرى عنده قناعة بأن عليه أن يأمر وعلى الحكومة أن تلبى يمسك فى الوظيفة الميرى بيده وسنانه.. لأنها درعه وسيفه فلا يستطيع مديره أن يفصله أو يحرمه من الراتب مهما كانت الظروف، وهو يضمن فى آخر الشهر أن يجد اسمه فى كشوف المرتبات سواء عمل أو لم يعمل.. وهو يتمتع بسلسلة لا تنتهى من الإجازات فى الأعياد الدينية والوطنية والتاريخية.. بخلاف ما يقتنصه من إجازات وعمليات تزويغ بعد التوقيع فى دفتر الحضور والانصراف، وهذا المواطن.. إذا قلت له: كن صاحب تجارة أو صناعة.. ضرب أخماسه فى أسداسه فهو لا يستطيع أن يدير شئون نفسه ولم يتعود على ذلك فى البيت بابا وماما.. وفى الشارع والمصلحة ربنا يخليها الحكومة. هذا المواطن نحتاج أن نعيد إليه الثقة فى حكومته وفى وطنه فقد كان يرى الحكومات السابقة تأتى لكى يخدمها الشعب بدلا من أن تخدمه هى.. اختلطت فيها سلطة المال البيزنس مع سلطة النفوذ فكانت الاحتكارات والتجاوزات وتحولت ثروات البلد إلى نهيبة لعصابة تحكمنا.. قانونها (ما تعرفش بتكلم مين)! وإذا تركنا رأس السلطة ونزلنا إلى القاعدة وجدنا المحليات هى منابع الفساد بأشكاله وألوانه وأنواعه.. وبعد ثورة 30 يونيو كان التحول العظيم، حيث اختار الشعب قائده رآه مخلصا زاهدا مهذبا يعيش لأجل البلد.. فهل نعمل بنفس سرعته وإخلاصه؟ وهو يدرك تمام الإدارك أن المنظومة كلها تحتاج إلى إعادة ترتيب نفسى وقانونى واجتماعى.. وبدأ يراهن على أن التغيير الحقيقى لم يتحقق إلا من أعلى.. من الرأس وبدأ بنفسه.. وتحرك غيره.. لكنها حركة تحتاج إلى موجات متتالية تتجاوز الخطط والتصريحات إلى النفوس والعقول ومؤخرا أرادت الحكومة أن تقول للمواطن: تعال نتصالح.. تعال نتشارك.. تعال نبن معا.. تقف هناك على البعد تتفرج.. شمر ساعديك وأعلن عن حضورك فى المشهد الوطنى.. أنت صاحبه.. أنت ولى أمر الحكومات مهما كبرت.. وأنت صانع الرؤساء والقيادات. فتش عن قدرات جديدة فى نفسك.. تحرك وخذ بيد من حولك لكى تتحول الحركة إلى سيمفونية يشارك الجميع فى عزفها. لماذا تتمسك بالوظيفة وقد تجىء أو لا تجىء.. وها هى الحكومة تحاول أن تأخذ بيدك وتطلب منك أن تقدم مشروعك وهى تدفع.. قلت لها زعلان يا حكومة.. وكان جوابها من إيه يا مواطن؟ «مشروعك» الذى تتولى أمره وزارة التنمية المحلية مع مجموعة بنوك كبرى.. خطوة رائدة لكى يتحول المواطن من عالة إلى قوة دفع نافعة.. وإلى شريك أساسى.. وتذكر المقولة البديعة التى أكدت أن الناس ثلاثة أنواع حازم وأحزم منه وأخرق.. الأول يحسن التعامل مع الأزمات حين تداهمه فى داره.. والثانى يذهب إليها ويتعامل معها فى دارها قبل أن تصل إليه.. والثالث يظل فوق سريره حتى تأتيه الأزمة تحت لحافه وتتحول إلى كابوس يكتم على أنفاسه. والآن اسأل نفسك: من أى نوع أنت؟ وهل يمكنك أن تتحول فى يوم من الأيام إلى عاشق للحكومة تبادلك حبا بحب؟!