كان ظنى أن قناة الجزيرة القطرية قناة إخبارية تهتم بالمواد الخبرية والتحليلات السياسية.. وتملك قدرًا من الحرفية يجعلها قادرة أحيانًا على أن تسبق غيرها من القنوات الإخبارية فى نقل كثير من الأحداث وتقديمها للمشاهدين. صحيح إننا جميعًا اكتشفنا أن القناة لها توجهات سياسية واضحة تجعلها تفتقد الحيادية فى رسالتها الإعلامية.. لكنها فى النهاية ظلت بالنسبة لكثيرين قناة إخبارية تهتم بالمواد الخبرية والتحليلات السياسية وتحاول أن تسبق غيرها من القنوات الإخبارية الأخرى.. لكننى اكتشفت أنها لم تعد كذلك وأنها تحولت إلى قناة متخصصة فى تقديم المواد الكوميدية مثل باقى قنوات الكوميديا المعروفة. حدث ذلك يوم افتتاح قناة السويس الجديدة!يومها كنت أتابع مثل ملايين الحدث الكبير والهام بكل تفاصيله.. يخت المحروسة التاريخى الذى نقل الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى منصة الاحتفال الرئيسية التى أقيمت على شاطئ القناة الجديدة.. والمراكب الصغيرة التى راحت تسير فى القناة فى مظاهرة بحرية مبهرة.. ثم مراسم الاحتفال الرسمى التى صاحبها استعراضات جوية مبهرة لطائرات سلاح الطيران المصرى.. سواء الفانتوم أو الرافال.. والكلمة التى ألقاها الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، ثم الكلمة التى ألقاها الرئيس السيسى والتى حازت محل إعجاب وتقدير العالم كله.. وأخيرًا اللحظة التى انتظرناها جميعًا.. لحظة الإذن بافتتاح وتشغيل القناة الجديدة ثم عبور سفينتين فى اتجاهين متضادين والتقائهما فى نقطة واحدة أمام منصة الاحتفال وقيام السفينتين بإطلاق صافراتهما تحية للحدث التاريخى وللحاضرين. وسألت نفسى وأنا أتابع كل هذه التفاصيل: ترى كيف تتعامل قناة الجزيرة مع الحدث وكيف سيجد مذيعو القناة الشجاعة للظهور أمام المشاهدين بعد أن ظلوا لمدة عام كامل يهاجمون المشروع ويشككون فى قدرة مصر على تنفيذه. وهكذا رحت أتابع الحدث التاريخى - والذى تابعته معظم فضائيات العالم - من خلال قناة الجزيرة القطرية.. وفوجئت بمشهد غريب جعلنى متأكدًا من أننى أتابع حدثًا كوميديًا وليس إخباريا، وإنه كان من المناسب أن تكتب القناة عنوانها.. الجزيرة كوميدى بدلا من الجزيرة مباشر! ??? ظهرت شاشة قناة الجزيرة مقسمة إلى نصفين.. نصف ينقل حدث افتتاح القناة الجديدة.. ونصف ينقل مظاهرات (عرة) كتب تحتها مظاهرات ل «رافضى الانقلاب» فى عدد من المحافظات المصرية. وتسعى لمعرفة هذا العدد من المحافظات المصرية فتكتشف أنهم محافظتان اثنتان فقط.. محافظة كفر الشيخ والفيوم.. ثم تكتشف أن المقصود بالمحافظة حارة صغيرة ضيقة فى قرية مجهولة.. وأما المظاهرة نفسها فلا يزيد عدد المشاركين فيها على عشرين أو ثلاثين شخصا يصحبهم بعض الصبية الصغار وكلهم رافعين أيديهم ببلاهة بإشارة رابعة الإخوانية. المضحك أن قناة الجزيرة لم تنقل صوت الاحتفال بقناة السويس الجديدة.. ولا كلمات رئيس هيئة قناة السويس.. ولا كلمات الرئيس السيسى.. ولا أصوات الطائرات المشاركة فى الاحتفال.. ولا أصوات صافرات السفن العابرة.. وإنما اكتفت قناة الجزيرة بنقل أصوات مظاهرات «رافضى الانقلاب» فى عدد من المحافظات المصرية! وهكذا سمعت صوت الشخص الذى يقود المظاهرة يردد ومن ورائه المتظاهرون أن السيسى خائن.. لماذا؟!.. ليس لأنه قاد الانقلاب ولا لأنه انتزع الإخوان من حكم مصر أو حتى لأنه ألقى القبض على الرئيس المخلوع محمد مرسى وقدمه للمحاكمة.. السيسى خائن ليس لكل هذه الأسباب.. وإنما لسبب آخر غريب وعجيب.. لأنه حفر قناة السويس الجديدة فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام وهو ما أدى إلى زيادة تكلفة إنشاء المشروع ومن ثم زيادة الأعباء على ميزانية الدولة.. السيسى خائن كما راح المتظاهرون البلهاء يرددون لأنه حقق معجزة وحفر القناة الجديدة فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام. كوميديا بكل المقاييس.. وتكتشف بعد ذلك أن قطر شاركت قناة الجزيرة فى تقديم العروض الكوميدية.. تكتشف أن قطر تحولت إلى «نكتة»! ??? وصفت معظم الصحف العالمية مشروع قناة السويس الجديد بأنه إنجاز يقترب من حد الإعجاز. صحيفة «يو إس إيه توداى» الأمريكية نقلت على لسان الأمين العام لغرفة التجارة الدولية للنقل البحرى قوله: الأمر مدهش حقًا أنهم أنجزوا هذا المشروع الضخم فى وقت قصير للغاية.. الأمر مبهر. وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية إن المشروع هو الأضخم منذ وصول الرئيس السيسى للحكم.. وأن مصر بهذا المشروع استعادت من جديد مكانتها على الساحة الإقليمية. وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إن المشروع أثار الحماسة الوطنية لدى المصريين وأنه لا يهدف فقط لإنعاش الاقتصاد، وإنما أيضًا تحسين صورة مصر وشعبها أمام العالم. وقالت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية إن القناة الجديدة ستصبح واحدة من أهم مصادر العملة الأجنبية فى مصر. وأظهرت معظم الصحف العربية ابتهاجا بافتتاح المشروع الجديد.. لكن ماذا قالت الصحف القطرية؟! ولا كلمة واحدة.. ولا صورة. أرادت الصحف القطرية مثل صحيفة «الراية» وصحيفة «الوطن» تجنب نشر صورة الرئيس السيسى واقفا على سطح المحروسة بزيه العسكرى.. وهى الصورة التى نقلتها معظم الصحف العربية والعالمية.. فتجاهلت الصحف القطرية الحدث كله.. كأن مصر لم تحفر قناة.. وكأنها لم تحتفل بافتتاحها! ويزيد الطين بلة أن وزير الخارجية القطرى يعلن فى نفس توقيت افتتاح قناة السويس أن قطر مستعدة لجمع شمل المصريين.. وأنها على استعداد للوساطة بين جماعة الإخوان والنظام فى مصر! ألم أكن محقًا عندما قلت إن قطر تحولت إلى «نكتة»! ??? يبدو أن نجاح الجزيرة كوميدى فى إضحاك المشاهدين أغرى كثيرين.. الصحف القطرية ووزارة الخارجية القطرية.. كلها تسعى إلى صناعة الكوميديا لإضحاك المصريين!