وصف اللواء محمود خلف الخبير الاستراتيجى ومستشار أكاديمية ناصر العسكرية، مشروع قناة السويس الجديدة بأنه « إنجاز الإعجاز»، مشيرا فى حواره مع أكتوبر إلى أن البعد الإنسانى للمشروع التاريخى هو البعد الأهم فى المرحلة الراهنة فى تاريخ مصر، لافتًا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى جسد بالمشروع الإرادة الوطنية المصرية لتكون درسا مهما للشباب بوصفهم ركيزة الأمل والمستقبل، كما أعطى المشروع صورة مبهرة عن التخطيط السليم ليكون نموذجًا للمشروعات الاستراتيجية الكبرى التى لا تعرف المستحيل طالما تقام وفق رؤى وتخطيط سليم، مؤكدا أن المعركة الحقيقة لتحديث مصر هى « التعليم والصحة».. وإلى نص الحوار..? ما هو البعد الاستراتيجى لمشروع قناة السويس الجديدة؟ ?? يوجد أكثر من بعد مهم ومؤثر جدا لهذا المشروع التاريخى العملاق إذ أن له أبعادًا استراتيجية وسياسية واجتماعية، لكن برأيى أن البعد المعنوى هو الأهم فى المرحلة الراهنة فى تاريخ مصر، فهو الذى يدفع الطاقات، حيث إن البشر هم من ينفذون أى أبعاد، لذا أراد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يخاطب بهذا المشروع فئة الشباب بوصفهم ركيزة المستقبل وأمل مصر، وجسد بمشروع قناة السويس الجديدة الإرادة الوطنية المصرية. وبحسب الاحصائيات فإن 60 % من التركيبة السكانية المصرية من الشباب لكنهم لم يصقلوا بالتجربة الوطنية، وجاء مشروع القناة الجديدة ليكون رسالة واضحة لهم بأن القناة هى رمز من رموز التاريخ المصرى، وطالما أثير حولها كثير من الملاحم الوطنية، والأحداث الملتهبة من بينها تأميمها الذى أعقبه العدوان الثلاثى 1956 ثم نكسة 1967 التى أعقبها غلقها، أى أنها فترة مهمة من مراحل كفاح الشعب. وطبق العاملون فى المشروع النموذج الأمثل فى دقة تنفيذ مشروع بحجم قناة السويس، فقد ضربوا المثل فى نظام العمل كما ينبغى أن يكون، فقد كانت الثانية مؤثرة وهو ما اتضح فى حجم إنجاز المشروع فى زمن قياسى. كما أعطى المشروع صورة مبهرة عن التخطيط السليم والذى يتطلب وضع الخطوات قبل بدء أى مشروع، واخضاعه لدراسات عملية متأنية، والوضع فى الحسبان كافة الاعتبارات، وجسد المشروع الإرادة المصرية ليكون نموذجًا للمشروعات الاستراتيجية. ? كيف ترى الرسالة التى أراد الرئيس عبد الفتاح السيسى توصيلها من خلال المشروع ؟ ?? الرئيس أعطى نموذج للحكومة والوزراء بأن يكون العمل الجاد المحدد بإطار زمنى هو نهجهم العام، فقد رأينا كيف تم إنجاز القناة الجديدة فى عام واحد، وكيف كان حجم العمل الضخم، فقد تحركت نصف مليار رمال فى مكان الحفر، وكان جهد العمل يتم رصده أول بأول، وهو درس استراتيجى وفق الأساليب العملية الحديثة، وكشف المشروع أن التأخر فى تنفيذ عدد من المشروعات كان السبب فى التراجع الاقتصادى، على الرغم من أن مصر بلد واعدة وغنية ومساحتها بها مميزات اقتصادية عدة، وسيؤدى المشروع لعوائد اقتصادية تجذب رأس المال، كما أعطى الرئيس رسالة لشباب مصر مفادها بأنه بمقدور بلدهم إقامة مشروعات كبرى بأيادٍ وطنية. مشروع قناة السويس هو نموذج وطنى خالص فلم يتم الاستعانة بأى عامل من الخارج، كما أنه برأس مال وطنى مصرى، وهذا هو الدرس والنموذج المهم، ونحن حاليا مطالبين بأن نسير على نفس النهج والأسلوب لكى ننجز ونحقق النجاح وبأسلوب إدارة علمى حديث وبسواعد مصرية أصيلة، كل هذا سوف يزيد من الرخاء ويجلب مشروعات عملاقة ما يعنى دفعة هائلة للاقتصاد ومن ثم مستوى الدخل. ? كيف يؤثر الدور الاقتصادى فى تدعيم الثقل السياسى والقوة العسكرية؟ ?? بدون شك أن مصر حاليا ذات ثقل سياسى كبير بفضل القيادة السياسية الحكيمة للرئيس السيسى، بعد عام من التراجع فى فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، ومصر تملك القدرة على التأثير فى المواقف السياسية بفضل قوتها العسكرية بالمنطقة، وقد رأينا مؤخرا تسابق دول مثل فرنسا وأمريكا ومن قبلهما روسيا وفى الطريق بريطانيا، على تسليح مصر لإدراكهم قوة وتأثير مصر ونفوذها القوى. وبدون شك أن ارتفاع المستوى الاقتصادى المصرى بعد بدء تشغيل قناة السويس الجديدة، سيزيد من تأثير الأبعاد الاستراتيجية والاقتصادية ما يعنى زيادة فاعلية القوة العسكرية، وستظل مصر ركيزة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وبالنسبة للعوائد الاقتصادية المتوقعة للقناة فإنها قد تصل إلى 13 مليار دولار خلال 3 أعوام. ? ما المشروع القادم بعد قناة السويس الجديدة؟ ?? ربما لن نرى مشروعا بضخامة وقيمة قناة السويس خلال المرحلة المقبلة، إلا مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وبدون شك أن مشروع القناة سيدر دخلا للاقتصاد المصرى، وسوف تكون الفائدة مشتركة للسفن العابرة للمجرى الملاحى بالإعلان عن نفسها وبما تحمله من بضائع، أو وضع لافتات دعائية، فيما تستفيد مصر من عبور نحو 52 من كبريات سفن العالم يوميا محملة بالنفط والبضائع المهمة وهو مشروع ضخم لن يحاكيه أى مشروع بالعالم، وسيكون نقلة مهمة للقناة. ? كيف ستؤثر القناة على تغير خريطة المشروعات بمصر؟ ?? بالطبع كل مؤسسة بالدولة سوف تراجع نفسها، وتدرس كيف تحقق أرباحا من مشروعاتها وتحاكى ملحمة مشروع حفر القناة، فلا يوجد حاليا مؤسسة رسمية تعمل وفق نظم وأساليب متطورة . وأنا مهتم جدا بالجانب الإنسانى، وأناشد المصريين من رؤساء الجامعات ومسئولى المؤسسات والجهات الحكومية التعلم من مشروع القناة، وتطبيق نفس أسلوب الإدارة. ويجب ألا نجمل القناة أكبر من دورها، فهى مشروع اقتصادى محورى لمصر، ولن نقحمها فى الشأن السياسى، وسوف تكون القناة بدون شك من أهم موارد الدخل لارتباطها بأبعاد سياحية واقتصادية، ولا شأن لها بالصراعات السياسية، فمصر على مدار التاريخ لا تسعى إلى الحروب وتحاول دوما أن تعيش فى سلام وأمان . ? هل تخضع قناة السويس لاتفاقيات دولية؟ ?? مصر وقعت على اتفاقية القسطنطينية لأعالى البحار التى تضمن حرية الملاحة، ولا تمنع مرور السفن إلا لسببين هما أن تكون السفن العابرة لدولة معادية وفى حالة حرب، أو تسبب السفينة أضرارا بيئية بالمجرى الملاحى بما تخلفه من طاقة نووية أو تسريب إشعاعى. ? هل يمكن منع سفن من العبور تابعة لدول تمول الإرهاب ؟ ?? لا يوجد نص فى أى اتفاقية بحرية يتضمن ذلك لأن مصطلح تمويل الإرهاب مطاطى وغير مقنن، لكن ما يمكن أن تحافظ عليه مصر هو إبعاد المجرى الملاحى عن الصراعات السياسية، فلا يوجد ما يمنع دول متنافسة مثل الصينوالولاياتالمتحدةوروسيا من المساهمة فى مشروعات استثمارية بعد افتتاح القناة دون النظر لأى اعتبارات سياسية. ? كيف يكون مشروع القناة نواة لمشروعات ضخمة أخرى؟ ?? التعليم والصحة هما مشروع الأمل ومفتاح المستقبل، وبرأيى أن منظومة التعليم ليست الطالب والحكومة، والصحة ليست المبانى والإمكانات، بل جيش المعلمين والأطباء هو ركيزة تقدم هذه المنظومة الذى يمثل السواعد الشريفة من أبناء مصر، فهناك سلسلة طويلة من المسئولين وحلقة وصل بين المريض ووزير الصحة، والطالب ووزير التعليم إن لم يعمل أفراد هذه السلسلة بضمير وأمانة فسوف يؤدى ذلك إلى تفاقم المشاكل مهما بذل الوزير أو مسئول فى مكانه جهدا، كل ذلك لن يلمس تأثيره مادام هناك غياب للضمير والأمانة، فضلا عن الالتزام فى هذا الظرف الدقيق الذى تمر به البلاد، والتى تواجه تحديات عدة، من كل مدرس أو طبيب أن يطالب بحقه سواء بتحسين وضعه المالى والأدبى لكنه يجب أن يدرك حجم المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتقه لأنه يواجه أهم شريحتين بالمجتمع الطالب والمريض وكلاهما من أساسيات بناء مجتمع متقدم . عدد من القضايا تتطلب معالجة مختلفة ورؤية أشمل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، مشكلة مثل القمامة تتفاقم ولا يوجد لها حلول جذرية، ويتم التعامل معها من منظور ضيق على الرغم وجود طرف آخر مهم فيها هو الشخص الذى لا يراعى ضميره ويؤذى غيره بانتهاج سلوك غير حضارى بإلقاء القمامة فى الشارع، فلم أجد أية وسيلة إعلامية تذكر هذا الشخص أو تدينه، ولو كنت مسئولا عن هذا الملف لكان بداية حلى للأزمة من هذا الشخص لأنه السبب الرئيسى للمشكلة، ولكن تتجه الأنظار لمسئولى الأحياء ويتم إقالتهم وفى النهاية المشكلة مستمرة ولم يحلها إقالة رئيس أو مسئول الحى. أيضا أزمة مثل المرور، ليست مرتبطة بالطرق فحسب، بل نتيجة السلوكيات الخاطئة للسائقين وعدم احترام القانون، والدولة تبذل جهدا كبيرا لحل هذه المشاكل ولكن ذلك يتطلب عونا ومساعدة مع المواطن بتعديل سلوكه للأفضل لمواكبة النقلة الحضارية الكبرى التى تشهدها مصر منذ تولى الرئيس السيسى مسئولية إدارة شئون البلاد. التاريخ لا يكذب ويشهد للمواطن المصرى بأنه دوما يقف وقفة تؤكد حبه وعشقه لوطنه، فالأرقام الرسمية تؤكد اختفاء اللصوص فى حرب الاستنزاف ولم تسجل إلا حالة سرقة واحدة، الكل كان مهموما بقضية الوطن وتحقيق النصر واسترداد الأرض حتى تحقق ذلك فى ملحمة نصر أكتوبر المجيد، ومصر قادرة بجهد وإخلاص أبناءها العبور لمستقبل أفضل. ويجب أن يضع مشروع قناة السويس نصب عينه ويتخذه نموذجا فى أسلوب عمله، نحتاج إلى الانضباط وتقدير قيمة الوقت، وسيكون ذلك عاملا مهما فى إنجاز كثير من مشروعاتنا المعطلة. ? هل نجاح مشروع القناة سيزيد من مؤامرات الدول المتربصة بمصر؟ ?? يجب ألا نشغل أنفسنا بدول صغيرة، لأن مصر دولة كبيرة، بعد ثورة 30 يونيو وموقف الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة، قلت إن مصر يجب أن تتجاهل هذه المواقف لأنها تملك قوة استراتيجية وعسكرية ساحقة ماحقة، وقلت وسأكرر ذلك بأن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى مصر أكبر بكثير من حاجة مصر لها، فنحن أثبتنا بصلابة موقفنا عدم حاجتنا لأمريكا وتمكنا من الاستعانة بالسلاح الروسى، ثم الفرنسى، ومع الوقت أدركت الإدارة الأمريكية حرج موقفها وبدأت تسعى إلى تحسين علاقتها بمصر . بينما دولة مثل قطر هى مكون مخالف للنظام السياسى للدول أو تعريف الدولة، فلا يمكن أن تقام دولة بمقوماتها، فهى عبارة عن معسكرات لدول ذات مصالح بالمنطقة، وبئر بترول ودفتر شيكات وقناة تليفزيونية، وظهرت هذه الدويلة للعالم فى عام 1972 أى حديثة العهد ولاتملك الخبرة التى تمكنها من أن دولة ذات دور محورى. وتعول قطر على دبلوماسية دفتر الشيكات ويديرها عصابة من أفراد عائلة يعانون من عقد نفسية، وحاولت أن تفتعل أزمات مع مصر منذ الرئيس السابق حسنى مبارك وحتى الآن لكن دون جدوى فهى أقل من أن تكون يوما ندا لمصر. مصر دولة لا تعرف المؤامرات وتاريخها يشهد بذلك، نحن نعادى من يعادينا وفى سلم مع من يلتزم معنا بالسلام والمحبة، وفى حقيقة الأمر مخاوفى الحقيقة ليست من الخارج لأن لدينا قوات مسلحة قادرة على درء أى خطر، ولكن الخطر الأكبر من الداخل، المعركة الحقيقة لتحديث مصر هى « التعليم والصحة». ? ما الرسالة التى وصلت للعالم بحضور رؤساء وقادة دول حفل قناة السويس؟ ?? هدف الاحتفال كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى هو إسعاد الشعب المصرى وإدخال الفرحة فى قلوب جميع أبنائه، فقد عشنا سنوات عجاف منذ عام 2011 سقط خلالها عدد من الشهاء الذين أحيهم لأنه لولاهم ما وصلنا إلى هذا اليوم التاريخى. كما أن رسالة مهمة وصلت للعالم كافة من خلال حفل افتتاح القناة هو أن مصر حاليا تحظى بثقة دولية كبرى ومن دول ذات حضور وتأثير كبير وهو نجاح يضاف للرئيس السيسى الذى صبر وتحمل الكثير لكنه بجسارة المحارب المقاتل وذكاء السياسى تمكن من إعادة دور مصر الحقيقى وثقلها بالمنطقة والعالم، وبدون شك أن التجمع الدولى من وسائل الإعلام وضع مصر محط أنظار العالم، وسيكون العائد فى نتائج مبهرة للجذب السياحى، والاستثمارت، فلم يكن يوم الافتتاح لإعطاء إشارة بدء العمل بالقناة فحسب بل كان بداية لإعلان مصر عن مشروعات عملاقة فى شرق التفريعة بعد أن حازت ثقة دولية من المستثمرين. وعلينا أن ندرك أن رأس المال «جبان» لأن أى مستثمر بالعالم يريد استقرار وهدوء بجانب الإمكانيات من طرق وخدمات لكى يقيم مشروعاته وهو مطمئن وإلا سيبحث عن مكان آخر، وقد عانينا ذلك فى سيناء فبعد أن وضعنا بنية أساسية ب 50 مليار دولار، وكنت ضمن فريق عمل لتطوير سيناء ووضع مشروعات عملاقة بالمنطقة بدءا من عام 1992 توقف العمل بعد أزمة رفح وغزة فى عام 2006، وكان هناك طموحات بمشروعات عملاقة لكن توقفت لهروب رجال الأعمال من الاستثمار بسيناء بعد الأحداث السياسية، على الرغم ضخامة المشروعات القومية التى تم إنجازها شبكة الطرق والكهرباء والسحارة وترعة السلام، كان هناك أمل باستصلاح أراض لكن توقفت المشروعات واستغل أهل سيناء المياه فى إقامة مزارع سمكية. ? كيف ترى دور الإعلام فى عدد من القضايا الراهنة ؟ ?? الإعلام المصرى على مدار تاريخه يلعب دورا مهما فى تحريك الأحداث، ويتفاعل بقوة مع الأحداث والقضايا، وبرأيى فإن المعلومات الموثقة عند تغطية أى حدث هى التى تميز وسيلة عن أخرى، كما أرى أن للإعلامى ضميرين أحدهما وطنى والآخر مهنى، وهما يسيران فى خط واحد ولا يوجد تعارض بينهما، وفى بعض الأحيان وخصوصا فى حالة الحرب يجب أن تعلو الوطنية على المهنية. وفى تغطية حدث مثل قناة السويس أرى أن التغطية كانت جيدة وتفاعلت بشكل جيد مع قيمة الحدث التاريخية، خصوصا أن العالم بأسره يهتم به.