رحلة ابن بطوطة وكريستوفر كولومبس قد تكون أقل شقاءً من رحلة الطالب وولى أمره إلى محطة الثانوية العامة وحصوله على مجموع مناسب ثم البقية تأتى.. فهى رحلة محفوفة بالمخاطر والمطبات الصناعية والطبيعية، ومن يستطع تخطيها فاز ورب الكعبة وخاصة إذا توافرت الإمكانيات مثل بيئة متحضرة وطالب لديه الاستعداد للتفوق وليس بمعنى الإمكانيات المادية العالية التى لا يمتلكها غالبية أفراد مجتمعنا.. فالتعليم فى مصر يكاد يفقد أهدافه التربوية والمجتمعية.. ولم يكن مصدر سعادة للأسرة. والمدرسة فقدت عناصر الجذب للتلاميذ ولن تعد النواة الصلبة لبناء الإنسان وتنميته.. فأصبحت طاردة للمدرس والتلميذ معا، وعلى نفس السياق فقد قص لى أحد الأصدقاء أن ابنه الطالب ذهب إلى المدرسة فى الأشهر الأخيرة من العام الدراسى، فإذا بمدير المدرسة جالس بجوار البوابة ومعه عصا فنهره وطرده خارج المدرسة بحجة خلوها من التلاميذ! وهذا ما قاله الدكتور فاروق الباز إن التعليم فى مصر خربان وصارت العملية التعليمية مجرد معلم ملقن وطالب متلق يخزن ويحفظ.. ويراها كذلك متخصصون أن المناهج ثابتة وجامدة لا تعتمد على فلسفة ورؤية فى إعداد طالب ينمى قدراته الذهنية والإبداعية لتوظيفها فى بنية الدولة وتقدمها.. حتى التواصل الاجتماعى والنفسى بالمدرسة مع الطالب انقطع تمامًا رغم أنه يساعده على تخطى المشاكل التى تواجهه أثناء الدراسة. ولا أعلم لماذا الإصرار على طريقة التدريس السائدة فى مدارسنا من خلال التلقين؟.. أو ما وصفه المفكر البرازيلى «باولو فريرى» بالتعليم البنكى حفظ فقط بدون تعمق وفهم للمضمون.. فهذه السياسة أخرجت أجيالا لا تقدر على التخيل، ومات فيها الطموح والإبداع.. واستغل هذه المنظومة الفاشلة كثير من المعلمين وبعض القائمين على العملية التعليمية فى المتاجرة بأحلام وأقوات أولياء الأمور المحاصرين بقسوة متطلبات الحياة مع ضآلة رواتبهم.. فانتشرت مافيا مراكز الدروس الخصوصية فى الريف قبل الحضر تحت مسميات عديدة مثل دكتور الفيزياء.. عملاق الرياضيات.. سيبويه العربى وإلخ إلخ.. ويستنكر أحد خبراء التعليم استخدام مصطلح تطوير التعليم لأن النتيجة المتكررة تغيير فى القشور دائمًا وإغفال جذور القضية لمحاولة فتح الآفاق أمام التعليم الذاتى.. ولذلك نجد الكتب مليئة بالحشو، وينتهى حديثه والنتيجة الطبيعية وضع الامتحانات على ما حفظه الطالب.. ويعلل بعض القائمين على عدم إمكانية تغيير أسلوب الامتحانات نظرًا لغياب الوعى لدى الرأى العام ورفضه فى وضع سؤال يعتمد على مهارات الطالب.. وهنا أسأل هل معظم المعلمين مؤهلون لهذا المنهج؟.. فكيف بفاقد الشىء يعطيه؟! وأيضا لافتقاد المنهج لهذه الرؤية.. والغريب أن لدينا مركز قومى لتطوير مناهج التعليم وهيئة قومية لضمان جودة التعليم.. وأخيرًا نحصد المركز قبل الأخير من بين 124 دولة فى العالم فيما يخص جودة التعليم الابتدائى وفى نفس المركز فى جودة نظم التعليم والتدريب.. وجاء هذا فى تقرير مؤشر رأس المال البشرى الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى، ويعتمد على عدة معايير عند تقييمه من بينها مدى جودة التعليم ورعاية المواهب وتنمية المهارات وتأتى اليمن بعد مصر وفنلندا الأولى وإسرائيل المرتبة الأولى فى الشرق الأوسط.. والأخيرة تتقدم نتيجة ما أكد عليه شيمون بيريز فى حديث تليفزيونى إذا كانت الدول الإسلامية القريبة منا تمتلك الثروات الطبيعية فإننا نستطيع أن نحسم الصراع لصالح إسرائيل عن طريق التعليم وإتاحة التعليم الجامعى لكل فتى وفتاة.. ونحن نسعى لخصخصة التعليم والفقر عندنا يصل إلى 40%.. ودول النمور الآسيوية ربطت نهضتها بتطوير التعليم وجعلته ركيزتها الأولى.. وألمانيا لم تبخل فى توفير السيارات لطلاب المدارس والجامعات الحكومية مجانًا، فغالبية التعليم حكومى ومجانى.. وعجبى!